انماط التعامل العربي مع المعضلة الايرانية
احتمالات و توقعها
مقدمة :
الكتابة في احتمالات العلاقات بين الدول العربية وايران ، وخاصة دول الخليج المجاورة، هي كالتعامل مع حقل القام ، لا بد من السير في ذلك الحقل بتؤدة و بحذر ، لان المتغيرات ليست فقط محلية او اقليمية او ظاهرة ، هي ايضا متغيرات دولية، بل جزء من الصراع العالمي اليوم على شكل النظام العالمي الجديد، كثير منه اليوم غير واضح ، في ضوء اليقظة القومية الروسية من جهة، و الحمائية الغربية من جهة اخرى . على المستوى الاقليمي فان (ايران الدولة) لا تخفى طموحها في التمدد، تعتمد ظاهريا على محورين ، الاول هو (مساعدة المستضعفين) في البلاد المجاورة ،و الذي وقع عليهم ظلم كبير من (انظمتهم و دول الاستكبار العالمي) من جهة ، وعلى العاطفة المذهبية ( الشيعية) من جهة اخرى لدى اتباع المذهب الشيعي ، و تتقاطع فكرة ( المستضعفين) مع ( مجاميع الشيعة) في بعض البلاد العربية/ مثل العراق و لبنان و اليمن ( الزيود هم مخالفين في بعض الافكار للشيعية الاثناء عشرية) ولكن بعضهم اليوم ( الحوثين) يعتبرون نفسهم متعاطفين مع الاثناعشرية السياسية الايرانية . قلت هذا في الظاهر، و الذي يباع في وسائل الاعلام ، هي افكار سياسية موجهة لاستهلاك العوام ،ولكن في الحقيقة ان ذلك التوسع هو رغبة (قومية) ايرانية ، و يسوق ذلك التوسع من خلال اضافة مشروع ( حرب الشيطان الاكبر – الولايات المتحدة و تابعه اسرائيل ) اخذا بالشعور الشعبي العربي تجاه اسرائيل، و الاستفادة منه لتوسيع المشروع الايراني في الجوار . ولقد وجد المشروع الايراني برمته محفزات نتيجة لتطورات السياسة في الشرق الاوسط ، منها ( فشل الدولة العربية او بعضها) في اقامة نظام لادارة المجتمع حديث ، يحمل الاغلبية على احتضانه ، و تزامن ذلك مع ما عرف بربيع العرب ، فسقطت الدولة، في كل من العراق واليمن و سوريا ، عدى التدخل الامريكي في العراق الذي اسقط اسس الدولة هناك ، حزمة هذه الاحدات مهدت لتوسع غير مقاوم من جاتب الدولة الايرانية تجاه الخاصرة العربية ،واستفادة ايران الدولة من سياسات غربية ( مترددة) كما حدث في عصر حكم السيد باراك اوباما في الولايات المتحدة (2009- 2016) ، الذي انتج في النهاية مع شركائه اتفاق ما عرف ب ( الاتقاف النووي) والذي وقع بين دول ست ( دول مجلس الامن الدائمين الخمس، و المانيا) وبين ايران في 15 يوليو عام 2015 ، التغير شبه الجوهري هو القاء ادارة دونالد ترمب ذلك الاتقاف( او الانسحاب منه) وتقديم اثناء عشر مطلبا امريكيا لايران لاعادة النظر في الاتفاق ، منها على سبيل المثال الكف عن تطوير الصورايخ البلاستية و الخروج من التدخل في الجوار ( سوريا و العراق ولبنان واليمن) وكف التدخل في شؤون البحرين ودول الخليج، بين مطالب اخرى !
تلك ساحة الصراع كما هي مرسومة في النصف الثاني من العام 2018 ،وعلى تطور الفواعل في هذه الساحة، الداخليين والخارجيين سوف تعتمد نتائج الصراع ، الذي قد يكون ساخنا ( ذلك ممكن ولكن قد يكون مستبعد) او باردا من خلال الخضوع الايراني جزئيا والتنازل الامريكي جزئيا .
الاشكالية لدى حكام طهران
بُنيت العلاقة بين طهران و الدول العربية ا على الافتراض الاساسي في طهران ،انهم قادرون على تجنيد بعض العرب لتحقيق اجندة طهران في اوطانهم العربية و في اماكن اخرى ، ويجري التجنيد تحت الكثير من الاوهام، منها ( نصرة المستضعفين) وغيرها من الشعارات! هذا الافتراض على النخبة الايرانية الممسكة بالقرار في طهران ، ان تعيد النظر فيه و يتم تمحصيه. لانه في الواقع المعاش هو (قراءة خاطئة للمشاعر الوطنية العامة ) سواء اللبنانية او السورية او العراقية او اليمنية ، او اي مشاعر عربية ، فهي اي الاخيرة، في الغالب الاعم متمسكة بوطنيتها ، كما تمسك اللبنانيون ( في حالة المثال السابق) ابان السيطرة السورية ، بلبنانيتهم ، بعضهم سار في ركاب سوريا خوفا او استضعافا ،ولكن المشاعر الدفينة (الوطنية اللبنانية) سرعان ما ظهرت في شكل جحافل من الناس، تنادي بالتخلص من السيطرة السورية ، وعلم العالم كيف ان سوريا (الاسد) اخرجت قواتها وقتها بليل من لبنان ! اذا استمرت طهران في القراءة الخاطئة للمشاعر الوطنية العربية فهي كالنعامة لا تريد ان ترى الصياد ! فتدفن راسها في الرمال . الدولة الوطنية العربية وجدت لتبقى ،وهذا المال الايراني الذي يبعثر اليوم على منصات اعلامية ودبلوماسية و تعبوية وعسكرية ،هو مال احق به الشعوب الايرانية ، لانه يبعثر في ما لاطائلة منه على المدى المتوسط والطويل ، المسيرات المؤجرة في لندن، والابواق المعدة في بيروت، و الحشود العسكرية في سوريا و كثرة ( الخبراء) في العراق، كل ذلك في المنظور التاريخي مؤقت، هو بالضرورة كذلك ! فهم طهران الخاطئ حتى في العلاقات الدولية واضح للعيان ، فافشال مهمة وزير الخارجية الفرنسية، الذي توجه لطهران في الاسبوع الاول من مارس 2018 بقرار شبه اوروبي ومباركة امريكية ، عشية الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي مايو 2018 ، بطلب واضح ان تتوقف عن انتاج السلاح البالستي وتوزيعه في الجوار ، كما تكف يدها عن العبث في الجوار العربي ، ذاك الرفض يعزز تلك القراءت الخاطئة ، ويذكرنا هذا الاجتماع بين وزير الخارجية الفرنسي، و وزير الخارجية الايراني (مع اختلاف في الشكل ،) باجتماع عقد تقربا قبل ثلاثة عقود، بين وزير خارجية صدام حسين طارق عزيز، و وزير خارجية الولايات المتحدة جيمس بيكر في 9 يناير 1991 في جنيف ، عندما رفض الاول (فهم الرسالة) المقدمة اليه، ويعود التاريخ من جديد ليرتب مجموعة تداعيات على الفهم الخطأ و القراءة المبتسرة للموقف الغربي من قبل الادارة الايرانية، يعود روحاني لاستخدام مفردات صدام حسين، كمثل توصيفه لاحتمال الصراع الساخن مع الولايات المتحدة ب ( ام المعارك)!! .
قد يسوء الوضع قبل ان ينفرج في العلاقات الشائكة بين رغبة النظام الايراني في التمدد و الهيمنة ، وبين الرغبة الطبيعية في التحرر لدى الشعوب العربية ، الاخيرة لا يمكن اطفاؤها بالمال والشعارات، و لا يمكن حتى اعتبار الاستزلام من البعض، هو راي غالبية المواطنين . التاريخ خير دليل على ان هناك جزء من الشعب قد يخضع الى المهيمن الغازي ،ولكن ليس كل الشعب ، وليس كل الوقت . المشهد السياسي العربي ملتبس اليوم ، ذاك ما يشجع النظام الايراني على التوغل في المشهد العربي ، الا ان المشهد العالمي واضح ، فليس من المقبول في القرن الواحد والعشرين اقامة حكومات (عقائدية \تبشيرية)، هذا الزمان لا يحتمل ذلك، انه ضد التاريخ ، ومفارقة للمصالح التي استقر علبها التقدم الانساني ، فتلك الحكومات العقائدية \ التبشرية، لا توفر المسكن والعمل ولا الحريات،وهي المطالب الانسانية العامة في زماننا!
على مقلب اخر ، فان الافتراض الذي يجب التوقف عنده، هو التهديد العلني من قبل النظام الايراني للعالم،( ان غيرتم صيغة الاتفاق (النووي) الذي توصلت اليه ايران مع الدول الخمس زائد واحد ، سوف نعود الى انتاج سلاح نووي !) هذا التهديد المعلن او المبطن لا يساوي ثمنه على ارض الواقع ، حتى لو حصلت ايران على ذلك السلاح، فهي سوف تستخدمه ضد من؟ ارى انه في وقت ما ليس ببعيد ، سيقول الراى العام الدولي لايران ، سوف ننسحب من الاتفاق، و نفذوا تهديدكم ! لنرى الى اين سوف تصلون! الورقة الاوروبية التي رفضت من طهران ، كما حدث في الاسبوع الاول من مارس الماضي ، تزيد من ضبابية القراءة الايرانية للمشهدين الدولي والعربي . في نهاية المطاف تستطيع ايران ان تفرح بازلامها اليوم ، الا ان هذا الفرح مؤقت ، كما شهد التاريخ مرارا، هو كفرح السيد ادولوف هتلز باجتياح اوروبا لا اكثر . في المدى القصير ، سوف تتدهور العلاقة مع طهران ، في المدى المتوسط سوف تكتشف طهران ان مسارها معاكس للتاريخ و لمصالح الشعوب و فخرهم الوطني،و قتها لن تعرف من تحارب وفي اي مكان ؟
التهديد الايراني
تصاعد التهديد الايراني في الاسابيع الاخيرة ( يوليو\ اغسطس) 2018 وكان التهديد اولا القيام بسد مخرج مضيق هرمز ، الذي تصدر منه نفوط دول الخليج ( الكويت، السعودية، قطر ، الامارات) وبعد ذلك استخدام الحوثي و ميناء الحديدة اليمني لمحاولة تفجير سفن نفط سعودية من جدديد تستخدم ايران ( اذرعتها) العربية لاثارة الاضطرب، وأيضا التهديد بضرب معسكرات الجيش الامريكي في الخليج ( في الكويت و قطر و السعودية) وارسال بعض الصواريخ ( العمياء) من الارض اليمينة باتجاه اراضي السعودية ، كما محاولة ايقاض الخلايا النائمة التابعة لطهران في بعض دول الخليج ، ولكن العالم كله يعرف انها خلف تلك الاعمال التي وصفت انها ( ارهابية) في البحر الاحمر او في الجوار الخليجي. اما حزب الله فتستخدمه ايران لا اكثر من تدريب الخلايا النائمة ، و ايضا المساعدة في الدعاية ، اما تحريكه ضد ارسائيل ، فذلك ممتنع باتفاق القوتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي
ماذا يحمل المستقبل لإيران!
محمود احمد نجاد الرئيس الايراني الاسبق بعد استبعاده من الترشيح لسباق الراسة التي عقدت في 19 مايو 2017 ، ظهر في مقابلة تلفزيونية مع التلفزيون الفرنسي \ العربي ( محطة فرانس 24) ، كانت المقابلة مختصرة ، ولكن كاشفة، من ضمن ما قال : ( الديمقراطية الخاضعة للسيطرة وصلت الي نهايتها!) ، الاشارة واضحة على اعتراضه مناصروه على الاستبعاد ! ، وربما هي حدود ما يستطيع ان يقول في الظرف الراهن. قمة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية التي عقدت (20-21 مايو 2017 )، بين الرئيس الجديد للولايات المتحدة السيد دونالد ترمب ، و كل من دول الخليج ، ودول عربية و اخرى اسلامية ،وهي قمة غير مسبوقة ، غيرت اتجاه الرياح السياسية ، بعض من ملفاتها كانت عن ايران، والتي يقف منها الرئيس الامريكي موقف العداء حتى في حملته الانتخابية، هناك او بعد قليل منها اتخذت قرارت حاسمة امريكية ضد ايران ، كان على راسها تقريبا بعد عام في 8 مايو 2018 قرارا الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي مع ايران ، الذي لا زالت تداعياته تتفاعل حتى اليوم
البعض يرى ان ما تقوم به ايران في الدول المجاورة هو ( دور ) تقوم به دولة لها مصالح في الجوار ! يمكن التعايش معه ، واخرون يرو انه اكبر من دور، هو (تهديد) للجوار، اصبح مزمنا ومؤذيا، ولا يمكن حمله اكثر ، يرى هؤلاء ان التدخل الايراني السافر في كل من اليمن و العراق وسوريا و لبنان، و المستتر في اماكن اخرى، هو (مرض في الرقبة)، هًدم المدن السورية وشتت اهلها وعطل الدولة اللبنانية وهمش بقية شعبها ،واثارة البغضاء الطائفية في الوطن المريض العراق ، لا يبدو حتى الان وجود طريقة للتخلص من هذا المرض ، فاين ما قلبت راسك يظهر الالم جليا ومزعجا . الا ان هذا التدخل الايراني النشط مكلف للنظام الايراني نفسه ولشعبه ، ولعل مسيرة الانتخابات عام 2017 التي راقبها الجميع وهي تخاض من خلال ما يكتب او يذاع وما اطلقته من ديناميات ، تدل على انها (كاشفة) لهذه التكاليف الانسانية و المالية، كما أنها كاشفة للوضع الداخلي الايراني وقد اطلقت تباينات حادة بين شرائح واسعة من الايرانيين ، بحيث ان تلك التبايُنات استقطبت العديد من الدراسات والتحليلات العالمية، التي لم تنظر الى المحاذير والمخاطر الدخلية ،ولقد تصاعدت الاحتجاجات الداخلية في ايران منذ الاعلان عن الانسحاب الامريكي، بسبب صعوبات المعيشة و تصاعد التضخم، تقرببا بشكل يومي .
يرى البعض ان هناك اربع قوى بارزة في الداخل الإيراني تتنازع وتتصارع فيما بينها ، وهي قوى وصل وطيس الخلاف بينها الى حد الثأرية ، هي قوى هلامية، اي ان ما بينها لا اكثر من مجاميع ذات مصالح متقاربة، وترتبط فيما بينها اما بمصالح اقتصادية او مناطقية او ذات جذور ايدولوجية ، ويمكن ان نرى المجاميع الاربعة باختصار على انها اولا ( المتشددون) التقليديون، ومعظمهم من رجال الدين ويسيطروا على بعض المؤسسات ذات الصلة بالتحكم في الدستور ، وترى هذه المجموعة ان التشدد في الداخل والتوسع في الخارج هو الذي يحمي ( الثورة) كما يفهمونها، ويحافظ على النظام، ومنه مصالحهم ، وخاصة تحكمهم في الثروة ،والمجموعة الثانية متشددة بمرونة ان صح التعبير، وترى ان تقديم اصلاحات جزئية في النظام ، ولكن دون المساس بأسس النظام القائم على (ولاية الفقيه) مع مرونة في التطبيق على الارض ،وهي خليط من رجال الدين والتكنوقراط و تجمعهم شبكة غير رسمية تتقارب وجهات نظرهم في السياسية، يسمون المحافظون الواقعيون، يمثلهم ابرز تمثيل المرحوم هاشمي رفسنجاني و السيد روحاني و السيد خاتمي ، هذه المجموعة ترى ان الاصلاح ضرورة لبقاء النظام على المدى الطويل ،و ايضا الوفاق مع العالم الخارجي دون استفزاز للقوى العالمية و الاقليمية ، وتومن بما يسمى (حوار الحضارات) بدلا من صراعها ، اما الفئة الثالثة فهي من بقى ممن خاض الحرب الطويلة مع العراق ، هم من يسمى (العقائديون) المؤمنون بالثورة الدائمة وتصديرها ، و لعل ابرز جناح يمثلهم هو محمود نجاد و من حوله، الذ ين يميلون الى الشعبوية، والدفاع عن الفقراء ، كما يتحكموا في المؤسسات العسكرية ذات الطابع المليشياوي ، مثل الحرس الثوري ، والباسيج ( قوات تعبئة الفقراء) ،ويدفعون بقوة الى التدخل الخارجي ومقاومة ( الإمبريالية)! اما الفئة الرابعة فهم الاصلاحيون والحداثيون القائلون بفك الارتباط مع نظام (ولاية الفقيه) و تطوير الدستور ،واخراج الدولة الايرانية من المجال الديني الى المجال القانوني الحديث ، هم الاقل تأثيرا في الهرم السياسي الاعلى ، والاكثر شعبية بين الشباب و الاكاديميين المستنيرين ، وبعض قطاع التجار ، ولكنهم مطاردون من الجميع ، هذه الفئة الاخيرة راهنت عليها الادارة الامريكية السابقة، ادارة اوباما واعتقدت نظريا ان رفع الضغط عن النظام، وتحفيف حزام العقوبات عنه ، سوف يتيح فرصة لهذه المجاميع الاخيرة للتوسع و التأثير في النظام على المدى البعيد ! وتبين ان هذا الرهان خاسرا !
يبقى عامل اخر ولكن شديد الأهمية في المنظومة، وهو (الامام القائد الولي الفقيه ) الذي قُدس على مر العقود الماضية، و جعلت معظم المجاميع السابقة تعتقد بفرضية ان ( الفوز برضاه) و لو مؤقتا، هو الطريق الاقصر للحصول على السلطة . هناك مخاوف حقيقية قد تنطلق في يران لما بعد حياة ( القائد الولي الفقيه ) البعض يرى ان القائد الحالي، السيد على خامنئي ، هو المفوض الاخير في سلسلة ولاية الفقيه ،الذي يستجيب له الشعب الايراني او الحجم الاكبر منه طواعية ، اما ما بعده، فان ذلك مفتوح على سيناريوهات متعددة ، احد تلك السناريوهات احتدام الصراع بين الفئات الارابع السابقة الى حد الاحتراب ، وقد تأتي ولاية فقيه جديدة، ولكن ضعيفة، تمثل شريحة لا اكثر من الشعوب الايرانية. العبارة المفتاح في ذلك ما قاله احمد نجاد، وهو يكتم غيضة في ذلك اللقاء التلفزيوني يوم الثالث من هذا شهر مايو 2017 قال (الديمقراطية الخاضعة للسيطرة، وصلت الي نهايتها) واردف انه انسحب من السباق كما برر ( دراء للفتنة) وهذه مفردة مفتاحية ايضا ( الفتنة) ،وهي جزء من التباينات الحادة التي تكاد تصل حد الانفجار في داخل المجتمع الايراني ، اذا اضفنا اليها عاملين، الاول ان القابعين في اسفل السلم الاقتصادي من الايرانيين تتوسع شرائحهم، و يقصون انفسهم عن المساهمة في حفلات النظام (الانتخابية) ويقدم أبناؤهم للتضحية بهم في ساحات القتال ، و العامل الثاني ان معظم الإيرانيين اليوم لا يتذكروا سوءات نظام الشاه ، ولا تعلق في ذاكرتهم الا ان ابائهم كانوا اكثر حرية في الزمن السابق على الاقل، من باب الحريات الشخصية والعامة! وتلك مقدمة منطقية لتعاظم الخلل .
لدينا قاعدة لا تنطبق على النظام الايراني فحسب ، ولكن على اي نظام شمولي، تؤكد ان لم يتغير النظام وبقى على حاله من التشدد، فذلك يُسرع وتيرة الافول الحتمي للنظام، المثال هو المقارنة بين نظام الاتحاد السوفيتي والصين في نهاية القرن العشرين ، بقى الاول يلوك الشعارات، ويراوح في مكانه حتى أفل ، و من جهة اخرى تطورت بدلة ما وتسي تونج الخشنة قبل خمسون عاما تقريبا، لتصبح ربطة عنق انيقة للإصلاحي دينج شياو بينج ، و تطور الامر في الصين الى ما يعرف اليوم ب( الاشتراكية ذات الروح الرأسمالية)! وتيرة تآكل النظام الايراني من الداخل ليست من رغبات اعدائه ، هي من نتائج اعماله السياسية اولا ، فالتصلب يقود الى اضمحلال راس مال النظام السياسي، المواطنة هي عواطف نعم ،ولكنها ليست حبا عذريا ، فعند فقد العدالة والامن وتصاعد البطالبة و ضيق الحريات … تضمحل !
السيناوريوهات المحتملة
قد تقود الإجراءات التي قد تتخذ من قبل الولايات المتحدة والادارة الجديدة ضد ايران بعد انتهاء الانذار في 4 اغسطس و 4 نوفمبر 2018 ، الى تصلب اشد في طهران، يقود بدوره الى تفاقم المشكلات الايرانية في الداخل، وخلل في الجوار، وينتج سلسلة من التداعيات غير محسوبة، تعمق من ازمته . كل ذلك يقود الى توقع ان ايران ينتظرها مستقبل مضطرب، و لن تؤثر كثيرا المناورات الأخيرة في تغيير مساره ! من منظور اخر قد تلجا ايران الى شيئ من المرونه ، وما صرح به السيد روحاني اخيرا ، من انه يتطلع الى تسوية المشكلات مع الجوار العربي ، وذكر السعودية و الامارات والبحرين ، قد يقود الى شيئ من المرونة ، او قد يكون مناورة اخرى لكسب الوقت ، ذلك التصريح ينقضه الاعتداء ( 26 يوليو 2018 )على سفينتي نفط في مضيق باب المندب. في تصريح للسيد ترمب انه لا يمانع ان يصل الى اتقاف مع ايران ، ربما الانظار تتجه الى نفس ألية الاتفاق مع كوريا الشمالية ! ايران قد تنسحب من سوريا ، بسبب الضغط الاسرائيلي\ الامريكي ،تحت غطاء (الانتصار) الذي يُبقى الاسد ، حليق ايران في السلطة ، وذلك مقبول من اسرائيل كما صرح بذلك السيد ناتنياهو بعد لقاء وقبل ايام من عقد قمة هلسنكي 11-12 جولاي 2018 بين السيد ترمب والسيد بوتن ، كان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي في موسكو للاجتماع ببوتن ( الرجلان اجتماعا تسع مرات خلال الثمانية عشر شهرا الماضية) قبل قمة (ترامب\ بوتن تلك ) وبعد ذلك الاجتماع صرح نتنياهو: ( ليس لدينا مشكلة في التعاون مع نظام الاسد في سوريا في المستقبل) على العكس تماما من مطالباته السابقة و المتكررة ( بضرورة تغير النظام) ، الاتفاق الامريكي الروسي حول سوريا هو تقريبا الاتي: لا مانع من وضع سوريا تحت الوصاية الروسية ، على ان تضمن ابتعاد قوات الاسد عن الحدود الاسرائيلية ،و خروج القوات الايرانية والميلشيات التابعة لها من سوريا ، و توقيع اتفاق سلام دائم (سوري \ اسرائيلي) في المستقبل برعاية الطرفين ( الدولة السورية في حالة حرب معلنة مع اسرائيل منذ عام 1948 )، على ان تُقدم ترضية الى ايران بعد انسحابها من سوريا ، اولا معنوية من خلال اعلان ان طهران قد انهت مهماتها هي وحزب الله ب( انتصار بقاء الاسد) ، فلا حاجة لبقاء قواتهم هناك ، ثانيا ترضية مادية ، حيث اعلنت روسيا انها سوف تستثمر بشكل مباشر ، خمسين بليون دولار في صناعة الغاز والنفط الايرانية ، كما وضعت روسيا على الرف ( لعدم ازعاج اسرائيل) خططها المعلنة لتزويد سوريا بمنظومة الدفاع الجوي (إس 400 ) التي كان من الممكن ان تردع اسرائيل من استهداف القوات الايرانية والحليفة لها في الاراضي السورية! تركيا اللاعب الآخر في الساحة السورية تهرول خلف روسيا ، لعل بعضا من النتائج الايجابية في الاتفاق تصل اليها ، همها الكبير في تحجيم اي قوة كردية مسلحة تزعج حدودها الجنوبية ، ويبدو ان ذلك متاح بالقدر الذي يطمئن تركيا للتعاون في تنفيذ الخطة المقترحة . بعد الانسحاب الايراني من سوريا حسب تلك الخطة ،تعني نجاح الخطوط الحمراء الجديدة لترمب وهي (اخراج ايران وحلفاؤها من سوريا) كما قال في المؤتمر الصحفي الذي اعقب قمة هلسنكي 16 جولاي 2018 ( لن نسمح لايران باستمثار انتصارنا على داعش) في نفس الوقت تتمكن الادارة الامريكية من سحب الالفين او حولهما من القوات الخاصة في سوريا ، ولا مانع من ترك سوريا بجانب اوكرانيا منطقة نفوذ لروسيا ، لان سحب القوات يعزز من انتصار الجمهورين في الانتخابات النصفية في نوفمبر القادم ، فقد قال مستشار السيد ترمب السيد جون بولتن ، (ان بقاء الاسد في حكم سوريا لم يعد قضية استراتيجية للولايات المتحدة) هذه التصريحات في تناقض تام مع سابقاتها ، فحتى ابريل 2018 ، كان ترمب يصف الرئيس السورية ب ا(لقاتل) كما شن ضربات جوية ، بجانب بريطاينا وفرنسا، في نفس الشهر، على مناطق سورية عسكرية! تغيير جذري في الموقف الغربي بكامله ، وتناسي بحور الدم الذي سببها النظام لشعبه ، فمن اجل وقف القتال الذي استمر سبع سنوات في حرب اهلية ضروس، امريكا و روسيا واسرائيل يتفقون على حل في سوريا اسمه (بقاء نظام الاسد)! بعد تجريده من (اوهام المقاومة) ، الدعم الامريكي لبعض القوى السورية يتراجع ، فالادارة الامريكية كما وعدت الناخبين، لن تدخل في حروب، خاصة في الشرق الاوسط، الذي شهد الكثير من الضحايا من الجنود الامريكيين، كما لم تعد امريكا بحاجة الى نفط الشرق الاوسط، لتبقى اعينها مفتوحة رصدا للتطورات فيه ، الامر الذي يعني الوصول الى اتفاق (يقع في خانة الفوز للقطبين الامريكي والروسي)، فروسيا يمكنها ايضا ان تحتفظ بقوة بحرية في البحر الابيض الدافئ ، كما حلم القياصرة منذ زمن طويل ! الاتفاق في سوريا قد يمهد الى ( اتفاق ما مع طهران،يحفظ ماء الوجه لكلا الطرفين ( الامريكي والايراني) توافق عليه الولايات المتحدة بعد تراجع ايراني!
العلاقة مع ايران
على الرغم من الحرب الكلامية المشتعلة بين امريكا و ايران ، وتغليظ السباب بينهما ، فان استراتجية الاولى هي الضغط على الثانية من خلال المقاطعة الاقتصادية، التي سوف تنشط بعد اسابيع من اليوم، وعلى درجات متصاعدة ، اما الحديث عن اشتباك عسكري بين الطرفين ، فقد ترك ليلهو به السذج من السياسين، على الرغم ان المقاطعة الاقتصادية مهما اشتدت ، ليس بالضرورة ان تغير النظام الايراني، يمكن ان تضعفه ،ولو ان هذا احتمال التغيير قائم، الا ان الاحتمال الاخر ، ان يقوم الايرانيون بترضية ما لامريكا ، كما فعل الكوريون الشماليون ، من خلال الموافقة ، من خلال طرف ثالث ، قد يكون احدى الدول الاوربية،على بعض الشروط المعلنة ، منها الانسحاب ( الانتصاري من سوريا ) و التخلي عن دعم الحوثيين في اليمن ،ولن يفقدو الكثير من الحجج عند قيامهم بذلك ، و من تطور الاحداث ، فان التمهيد لتقديم بعض المرونة السياسية من طرف طهران ، ظهر في تصريحات ايرانية رسمية مؤخرا تطلب التعاون مع ثلاث دول عربية مجاورة، كانت ايران تظهر لها العداء كمت سبقت الاشارة .
في حسابات الربح والخسارة السياسية حتى الان ، نجد ان اسرائيل هي الرابحة ، فلها الاحتفاظ بالجولان كارض اسرائيلية،وسحب الذريعة من كل من ايران وحزب الله في التوجه الى العسكرة والتحشيد ضدها ، فلم يعد احد قادر على ذلك ، كما ان روسيا تحتفظ باوراق رابحة، بعد كل الاستثمار العسكري الذي بذلته على الارض السورية ، ويستطيع ترمب ان يعلن انتصاره على الارهاب ونجاحه في دعم اسرائيل ، و منع التوسع في ارسال الجنود الامريكان الى الخارج ، وتحجيم ايران داخل حدودها، وكلها اوراق رابحة في الانتخابات النصفية القادمة! الخاسر الكبير هو معسكر ايران وحلفاؤها ، فقد انتزعت ورقة التوت التي كانت تسمى ( مقاومة الشيطان الاكبر و اسرائيل) فلم يعد لها مبرر بعد ان اصبحت سوريا محمية روسية، تضمن الاخيرة هدوء كامل للجبهات حولها . امام هذه السيناريو الذي وضعت خطوطه العريضة في هلسنكي ، يتراجع تدفق المهاجرين الى الدول المحيطة بسوريا و الى الغرب احيانا الذي يضج من نزوحهم . الا ان القصة لا تنتهي هنا ، فبقاء الاسد في السلطة، وان بدى دائم، الا انه بالضرورة مؤقت، حتى ترتيب البيت السوري ، الذي سوف يشهد نشاطا سياسيا حميما على وقع المايسترو الروسي من اجل تغيير تدريجي ، يضمن لروسيا البقاء، كما يضمن لاسرائيل توطيد الحدود بكاملها،ويؤمن لامريكا مصالحها .
تلك هي الخارطة التي تبين بعض تفاصيلها حتى الان ، والاحتمالات الممكنة في المدى القصير ، في العراق فان الحراك الشعبي في صيف عام 2018 المتعاضم ، يدل على عدم رضا شعبي واسع من النفوذ و الوجود الايراني ، السياسي والاقتصادي، الحراك يتطور لتقليص النفوذ الايراني هناك ، اما الدعم للحوثي فانه بالتابعية سو يتناقص ، و ربما افضل الحلول هو حل سياسي بين اليمنين يعيد الشرعية ، مع شيئ من المشاركة السياسية، دول الخليج يمكن ان تحقق ربحا من خلال وقف الحرب في اليمن ، بعد انحسار التاييد الايراني للحوثيين، ولا يهم الخليجيون ( شكل النظام في ايران) ما ان يكف عن التدخل في شؤونهم و شؤون العرب في الجوار ،ويلتزم بسياسة حسن الجوار المنصوص عليها في وثائق الامم المتحدة.
ام الاحتمال الاخر وهو اشتباك من نوع ما عسكري بين ايران و الولايات المتحدة و دول الخليج ، فهو رغم احتماله الضعيف ،غير متاح لما يمثله لكل الاطراف من اعباء، قد لا تعرف نتائجه، الا ان الانفجار قد يقع ان تصرفت بعض القوى الايرانية مباشرة وغامرت باشعال صراع ساخن في اي من الجبهات، خاصة في الخليج،وقتها فان الامر يمكن ان يحول المنطقة الى كرة نار متدحرجة.
محمد الرميحي
mgrumaihi@gmail.com