سيناريو الحرب في غزة

نشر في الشرق الاوسط 4 فبراير 2024

                                                      غزة :  الأمور بخواتيمها !

من الطبيعي ان لكل حرب نهاية ، ويبدو ان حرب غزة قد وضعت لها ( الخريطة الزرقاء)  لسيناريو مشهد نهايتها ، تلك الخريطة تم الحديث عنها منذ أسابيع في الغرف الخلفية ، و تم الإشارة الي بعض خطوطها علنا ، وهي خطة تشترك فيها جميع الأطراف ، سواء كانت فلسطينية ( من خلال وسطاء عرب) او إسرائيلية او امريكية وغربية ، وقد ذهبت بريطانيا العارفة بمنطقة الشرق الأوسط بإظهار الجزرة ، حيث قال وزير خارجيتها المخضرم  الأسبوع الماضي ( نحن نفكر بالاعتراف بدولة فلسطين)!

أسباب الوصول الى تلك الخطة كثيرة ومعقدة ، منها الانهاك الذي أصاب الطرفين المتحاربين ، ومنها رغبة سياسية غربية بأنها الصراع ، و  تجنيب المنطقة الانزلاق الى حرب اوسع ، ومنها انقاذ ما يمكن إنقاذه من الشعب الفلسطيني في غزة و المشرف على الهلاك الجماعي، ومنها تفويت الفرصة على من يرغب من القوى الاقليمية الاستفادة منها لتحقيق اجندته، وأخيرا التفرغ للصراع الأكبر في أوكرانيا، مجموع هذه العناصر هي التي كونت الخطة في طبعتها الزرقاء   .

الخطوط العريضة للخطة كما سربت هي هدنة لشهرين او اكثر بين المتحاربين ، وخلال تلك الفترة يجري اطلاق سراح الرهائن،  وهم اكثر قليلا من ماءة شخص ، مع اطلاق عدد معقول من سجناء فلسطينيين في سجون إسرائيل ، بدا بصغار السن و النساء ، و الأكثر محكومية و الاقدم من السجناء .

بعد تلك الفترة او قرب انتهائها يترك زعماء حماس العسكريين وكبار القادة القطاع الى ملاذ آمن في الغالب عربي و بعيد  جغرافيا ، وتم اقتراح اكثر من بلد لاستقبال هؤلاء ، في سيناريو يشابه خروج ياسر عرفات من لبنان و ان كان اقل زخما ، مع منع أي نشاط لحماس سياسي او غيره في القطاع ، و يسلم القطاع في مرحلة انتقالية لإدارة مشتركة قد تشترك فيها بعض الدول العربية المجاورة ، ثم تأتي المرحلة الثالثة بعد المرحلة الانتقالية لإعلان دولة فلسطين التي تضم أراضي الضفة و القطاع على الخطوط العريضة التي تم بها اتفاق اوسلوا مع بعض التحويرات ، يصاحب ذلك اعتراف عربي أوسع بإسرائيل .

تلك هي الخريطة الزرقاء للاتفاق ، وحتى تصل الى خريطة بيضاء قابلة للتطبيق ،فان ذلك سوف يحتاج الى بعض الجهد ، الا ان الأطراف المنخرطة في المفاوضات تبدي بعض التفاؤل .

تثبيت تلك الخريطة  هي ما يمكن ان يسمى ( نصر متبادل) لكل او معظم الأطراف المنخرطة في النزاع ، و خسارة بينه للقوى التي ارادت الاستفادة من النزاع لتحقيق اجندتها .

يحصل الفلسطينيون في نهاية المرحلة على دولة معترف بها في الأمم المتحدة، بعد صراع طويل ومقيت تضررت منه المنطقة بأكملها، و تم في نفس الوقت قطع الطريق على الفكرة الجهنمية التي ظهرت بين عدد من السياسيين الإسرائيليين في بداية النزاع و هي ( التطهير العرقي) و ارسال الفلسطينيين جبرا الى صحراء سيناء و الضفة الشرقية من نهر الأردن ، نتج ذلك السيناريو  صلابة المقاومة ، و أيضا صلابة الموقف المصري و الأردني  معضدا بالعربي و حتى العالمي، في ان تلك الخطة ( التهجير) خارجة عن العصر و المنطق و القبول.

وفي سنة انتخابية حاسمة في الولايات المتحدة لا ترغب الإدارة الحالية في إطالة النزاع ، وجعل ملف الحرب على غزة احد الملفات الحاكمة في السباق الرآسي ، و كلما خفت حدة ذلك الصراع،  او وضع على سكة الحل نزعت شوكة مزعجة في سباق الرآسة الامريكية .

في المقابل تتنزع ورقة النزاع في البحر الأحمر من يد الحوثيين ، بمجرد وقف اطلاق النار ، و ان استمر الحوثي في عبثة،  وقتها العالم بشرقه وغربة ، سوف يقف ضد مغامراته ، كما يخسر في نفس الوقت الزخم و التحشيد القائم على العواطف جراء استمرار الحرب في غزة ، اما يد ايران في لبنان فقد بدى انها كفت من الأسبوع الأول من الحرب ، حيث بقيت في حدود ( قواعد الاشتباك) حفاظا على القوة العسكرية للحزب ، لان السيطرة على لبنان و بقاء معظم سوريا تحت النفوذ الإيراني اهم بكثير من تحرير فلسطين ، ولم تتأخر الدعاية الإيرانية عن تبرير ذلك التقصير (  الذي كان متوقعا عكسه  من الجمهور العام وان ينشط في الاشتباك) فقدمت من خلال تصريحات عديدة أسباب عدم تنشيط الساحة في جنوب لبنان ، بان حماس اتخذت قرارا منفردا في فتح الجبهة ! على الرغم من أصوات حماس في الأسابيع الأخيرة ،  العلنية و المنخفضة ، بطلب النجدة، النيء بالنفس استراتيجية إيرانية لم تعد غير معروفة  .

ولكن الامر ليس بذلك التفاؤل السريع ، فايران تعرف عن الخريطة الزرقاء و بعض تفاصيلها ، لذلك فأنها في سباق مع الزمن ، أولا رغبتها في اخراج القوات الدولية من العراق، حتى تنفرد بالعراق كاملا و تضعه تحت نفوذها و أيضا استمرار النفوذ في كل من سوريا و اليمن ، بخروج ملف فلسطين من التداول و المزايدة، تفقد ايران احد اهم اوراقها في المناورة مع اعدائها الغربيين ، كما تخسر التحشيد العربي ، و الذي هو من الطبيعي ينتصر للقضية الفلسطينية دائما  ، لذلك فان الهجوم الأسبوع الماضي  من بعض القوى التابعة لإيران  بطائرة مسيرة كبيرة على معسكر امريكي ، يقع بين الحدود الأردنية- السورية ، و قتل بعض العناصر العسكرية، هو بمثابة محاولة لخلط الأوراق ، وكذلك التصعيد الذي  استمرت في الأسابيع الأخيرة ، من اجل وقف او تعويق تحويل الخريطة الزرقاء الى بيضاء في الزمن القصير  القادم  ، وهو امر ليس بعيد عن تفكير المعسكر الآخر ، وربما يجري التسامح معه جزئيا من اجل تحقيق الهدف الأهم وهو تخفيض حدة الصراع .

بقى سؤال مهم وملح ، هل ترضي حماس بالتضحية بنفوذها  من اجل تحقيق هدف تاريخي لأهل فلسطين قاطبة  ، ام سوف تثير الشكوك في نية المجتمع الدولي للوصول الى ذلك ، الاحتمال الأخير هو الأكثر قربا للواقع ، لانه يساير نموذج جرت عليها قيادات فلسطينية سابقة ، في التوحيد بين شخوصها ونفوذها، وبين المكاسب للقضية، ان فعلت ذلك ، اقصد القيادات ( سواء قيادات الخارج، او قيادات الحرب ) فسيكون ذلك  كارثة للقضية برمتها ، و تفويت فرصة تاريخية خلقت حماس دون منازع بداياتها ، و لكن من الصعب ان ترضي بالمشاركة بخلق نهايات إيجابية لها .

ذلك هو المشهد الذي امامنا اليوم وهو مشهد متحرك تحوطه الكثير من الألغام ، و قد تغلب عليه المنافع قصيرة الاجل .

آخر الكلام: الفرص التاريخية هي اللحظة التي تفصل بين مرحلتين فارقتين في الزمن تظهر فيها  ، سابقة مظلمة ،ولا حقة مضيئة  ، وفي عالم السياسة تحتاج الفرص التاريخية  لاقتناصها  الى قيادة تجمع بين الشجاعة والحكمة .

اترك تعليقًا

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.