الصعوبات المتقوقعة للانتقال من مرحلة الوفرة الى مرحلة الترشيد!
مقدمة: كثرت في المرحلة الأخيرة الكتابات و الندوات الخاصة بالنظر الى مرحلة ( ما بعد الطفرة النفطية الثانية) في دول الخليج او ( انحسار عائدات النفط) واثر ذلك السلبي على مجتمعات الخليج العربي اقتصاديا واجتماعيا ، وهو هاجس بدا يشعر به كثيرون في المنطقة ( دول مجلس التعاون) وخارجها. كما بدأت التباشير الأولى لتأثيراته تلمس من قبل المواطن العادي والمقيم، من خلال تخفيض في المرتبات و الميزانيات العامة وتراجع الفرص المتاحة للاستثمار. النفط واستخراجه في المنطقة فتح مسارا مختلفا منذ اكثر من ثلاثة ارباع القرن ، اختلف الوضع الاقتصادي الاجتماعي كليا عما كان سائدا في المنطقة لقرون ،من مجتمع يعيش تقريبا على الكفاف، الى مجتمع الوفرة . واعتمدت الدولة ( في الخليج ) على هذا المصدر كليا لعقود، وخلق هذا الاعتماد الكثير من الممارسات و التوقعات ، الاقتصادية والاجتماعية، بل وفرز قيم لها علاقة بالاستهلاك ، أصبحت تلك القيم والممارسات للبعض تحصيل حاصل، حتى ظهر الاحتمال الجدي لتناقص المداخيل من النفط و(تراجع أسعاره ا)[1] واعتراف بعض القيادين والرسمين بذلك الاحتمال ، وتأثير ذلك على مجمل خطط التنمية[2] ،ونجد ان هناك شيء من الخرافة( حول أسعار النفط) استمرت لفترة و تحكمت في عقول كثيرين وهي ان ( أسعار النفط تهبط لترتفع، وتتراجع لتعود الى الصعود من جديد!) وهي خرافة اكد احتمالها تاريخ من الانخفاض والارتفاع في الخمس عقود الماضية، الا ان الدراسات الجادة اليوم ترجح ان يبقى سعر برميل النفط في الخليج في حدود ( او يراوح حول) خمسون دولار للبرميل في المتوسط، وان ارتفع فانه سوف يلامس بين 60 الى 70 دولار لا اكثر ،تلك الحقيقة سوف تكون بعيدة تماما عن الأسعار التي وصل اليها سعر النفط في سنوات قليل ماضية ، حيث لامس المائة والخمسون دولار للبرميل . وعلى اثرها فان دول الخليج (من منهم من ينتج النفط بشكل وافر مثل السعودية والكويت و الامارات وقطر(بجانب الغاز) او من يعتمد على شيء منه و على مساعدات الاخوة في الجوار من أصحاب المداخيل النفطية او من دونها)[3] ، كلا المجموعتين اتجها الى انفاق كبير سواء في الميزانيات التي لها علاقة بالباب الأول ( الوظائف والأجور ) للمواطنين او غيرهم ، او ميزانيات التشغيل ( الصرف على الخدمات المختلفة والبنية التحية) و كذلك على مشروعات كبرى رؤي ان المجتمع والدولة بحاجة اليها . ومن جراء تلك السياسيات التي تسمى عادة سياسة (دولة الرفاه) بالمعنى العام، تشكلت ممارسات وبنيت سلوكيات وراجت توقعات مفادها ان (القائم دائم) و ان كل تلك (الامتيازات) الاقتصادية و الخدمية التي وفرها سعر النفط المرتفع والسياسات التي بنيت عليه للمواطن الخليجي، يمكن ان تستمر، دون التفكير في اليوم التالي.
اليوم التالي: لم يكن هناك نقص او قلة في الدراسات التي كانت تحذر من ( اليوم التالي) أي تراجع أسعار النفط[4] او إيجاد بدائل للطاقة، او اكتشاف احتياطيات غنية في أماكن أخرى من العالم، تقلل من اعتماد السوق العالمي على نفط الخليج ا ولكن الامر لم يكن يؤخذ بالجدية اللازمة لعدد من الأسباب، أولا الخرافة المعتمدة على تاريخية صعود الأسعار وانحسارها من ثم صعودها مرة أخرى، كما بينا سابقا ،والثانية لم يكن قد توفر ( القرار) لشد الاحزمة ،لان راس المالي السياسي لم يكن متوفرا او قادرا بشكل عام او راغبا في دول الخليج ان يتحمل سياسات مالية واقتصادية ترشيديه ، قد تزيد من مخاطر ( الصدمة) في المجتمع الممكن حدوثها عندما تتخذ تلك القرارات ،و قد تنتج توترا اجتماعيا ما لا قبل للدولة ، وكان الارجاء هو سيد الموقف ، فاصبح هذا القرار (الترشيد)غائب حتى الساعة بشكله المرجو علميا ! لقد قررت الدراسات الكثيرة ان حقبة ما بعد الاعتماد على النفط قادمة، حتى لو بدى ان هناك امل في إطالة زمن تأخيرها ، فهي إن لم تأتي عاجلة في مكان، فهي بالتأكيد قادمة أجلا في مكان آخر ،كما شكلت محاولات تنويع مصادر الدخل في الدولة الخليجية النفطية معضلة، سياسية\ اقتصادية ، وان كانت الفكرة جذابة، الا انها صعبة التنفيذ في الواقع العملي، بسبب محدودية الميزات النسبية المتوفرة للخيارات الاقتصادية الأخرى في دول الخليج ، وقدرتها المحدودة ( كدول منفردة) على المنافسة في الساحة العالمية في الكثير من النشاطات الاقتصادية ، وكذلك بسبب موقف (ثقافي) عام يمنع هذه المجتمعات اليوم من الدخول في اقتصاد خدمات حيوي [5].كما ان التحول الى الاقتصاد المعرفي، وان يكن نظريا متاح، الا ان عدم كفاءة التعليم من حيث المعرفة والعمق تقلل من الاستفادة من هذا العنصر [6]،لهذه الأسباب فان البعض يرى ان الدولة الخليجية الحديثة ( انتقلت من فشل نسبي في توزيع الثروة الى فشل نسبي في تنويع الثروة) لذلك نجد البعض من النخبة الخليجية تردد ( غرباء في الفائض، غرماء في العجز)
الأسباب الهيكلية في محدودية القدرة على التنوع الاقتصادي: احد اهم الأسباب الأساسية في عدم القدرة على التحول الى نشاطات انتاجية اقتصادية بعيدا عن النفط، هو أن الدولة في الخليج ( بشكل عام) سيطرت على السوق الاقتصادية، فالعملية الاقتصادية برمتها داخل حيز الدولة الخليجية النفطية احتكرت النشاط الاقتصادي ،بسب طبيعة الإنتاج النفطي الذي اضحى المصدر الأوحد للدخل في المجتمع ،وهو ملك للدولة![7] ، فكانت هي اما المنتجة للسلع والخدمات ( التعليم، الصحة، البنية التحتية)او المستهلكة للنشاطات الأخرى ( من خلال المناقصات) وحتى ملكت بعض المصانع الإنتاجية القائمة على مادة النفط، مثل معامل التكرير او الشركات القائمة على الصناعات التحويلية او الصناعات المصاحبة للإنشاءات، او حتى شبكات التوزيع ، هذه السيطرة جعل من القطاع الخاص اما تابع او معتمد على الدولة( من خلال المناقصات) فلم تتكون تاريخيا طبقة وسطى كبيرة وفاعلة ومستقلة تستطيع ان تقود التحول السياسي والاجتماعي وقبله الاقتصادي الى مكان ما يضع المجتمع في مرحلة ( الإقلاع) الاقتصادي المرجو ، حتى الشريحة الرقيقة من الطبقة الوسطى التي تشكلت ابان الاقتصاد التقليدي ( الغوص، الزراعة، التجارة) تأكلت واضمحلت بعد التوسع في خدمات الدولة النفطية ( دولة الرفاه) وبدأت تظهر بشكل مطرد طبقة اجتماعية متعددة الدرجات هي الطبقة ( المأجورة) او المعتمدة على الرواتب والمكافئات، التي تعطيها الدولة للمواطنين، منها ظهر استخدام مفهوم جديد في كتابات المتابعين سُمى ( الاقتصاد الريعي) وما ينتجه هذا الاقتصاد في الغالب من ممارسات اجتماعية وسياسية معتمدة اعتمادا كليا على الدولة، ومن سمات المجتمع الريعي ( وهو هنا معتمد على الميزانيات التي تقدمها الحكومات) مظاهر اجتماعية هي اعتماد المواطن كليا على الدولة، وضعف الإنتاج و سلوك استهلاكي واسع ،وقيم مناقضة للإنتاج ، و اصبح هناك شبه ( عقد اجتماعي غير مكتوب ( بين المواطن والدولة) قائم على تقديم خدمات وتسهيلات للمواطن من قبل الدولة، في مقابل تقديم المواطن الولاء السياسي ) وهذا العقد الاجتماعي غير المكتوب يمكن ان يتعرض اليوم او سوف يتعرض قريبا الى خلل في احد اطرافه، يقود الى خلل في الطرف الاخر، مما يخلق شيء من التوترات الاجتماعية التي تظهر بعضا من اشاراتها في المجتمع الخليجي اليوم، بدرجات متفاوتة، هذه التوترات تظهر على شكل تساؤلات حول ( شكل ونوع وطريقة توزيع الموارد، وشكل ونوع تحمل الاكلاف).[8] ودون النظر بجدية في دور الدولة في السيطرة والتحكم في ( العملية الاقتصادية) التي أصبحت قاعدة للإنتاج في دول الخليج مع معاناة موارد الدولة الى الشح في تتصاعد ملامة المواطنين مما يخلق عدم رضا .اما اعادة النظر في ذلك العقد غير المكتوب فتتطلب إصلاحات سياسية، لا يبدو ان الدولة الخليجية بعامة قادرة او راغبة في هذه الفترة بتقديمها، مما يضع قطار (الترشيد) و قطار ( الإصلاح) على سكة صدام محتمل!
توزيع الموارد : هناك الكثير من الملاحظات حول ( توزيع الموارد وادارتها) في الدولة الخليجية المعاصرة، فكثير من مصادر الدخل في بعضها غير محسوبة في الميزانية العامة، كما ان الدخل بشكل عام غير محدد بشكل مؤسسي، يعرف الناس على وجه العموم كم يبلغ سعر برميل النفط في البورصات العالمية ،ولكن لا يعرفون كم من النفط والغاز ينتج ويباع ، وكم من الأموال تدخل الخزينة العامة، وما نسب و أنواع التوزيع لتلك الموارد، غير ما يظهر في الميزانية العامة، هذا الغموض في بعض دول الخليج يثير الانتباه للمراقبين والدارسين، كما يتسرب الفضول الى الجمهور العام مع التوسع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة الوعي . ويقرا الناس اخبار مثل ان العائلة البريطانية تاريخيا لا تخضع للضرائب، او هي معفية منها بحكم التقاليد والعرف، ولكن ابان الازمة الاقتصادية في أوائل تسعينات القرن الماضي قررت الملكة اليزابيث ان تدفع الضرائب المقررة على ممتلكاتها بشكل طوعي، إحساس الإدارة العليا بالتحولات في المجتمع تجعلها تعيد النظر حتى في حق تاريخي متعارف عليه! وتنظر بجدية في توزيع الموارد والاعباء بشكل شبه متساوي بين المواطنين! مثل هذه الاخبار يجري التداول، كما تطرح أسئلة تشير بعلامات الاستفهام للمنح والهبات التي تقدمها الدولة الخليجية للأخرين، على أساس ان ما يستحقه البيت يحرم على الجامع!
في دول الخليج لا يوجد نظام عام للضرائب بالمعنى المتعارف عليه، هناك ضرائب على الشركات المملوكة للأجانب والعاملة في الدولة الخليجية ( في بعض الدول) و هناك بعض الرسوم و ( الطوابع) على بعض الخدمات التي تقدمها الدولة، كما تقدم الدولة خدمات أساسية اما مجانا او بأثمان مخفضة او (مدعومة) أي اقل من التكلفة، بعض الدول حتى تقدم بعض تلك الخدمات ( مجانا) سواء في التعليم او العلاج! وهو نوع من أنواع توزيع الموارد، الا ان الدولة الخليجية اليوم تفكر في إعادة النظر في هذا الامر ( من منطلق الترشيد او منطلق التشارك في تحمل الأعباء او حتى من منطلق المساواة) لان بعض الخدمات التي تقدم تساوي بين المواطن المحتاج و المواطن القادر على دفع التكلفة! الا ان هذه السياسات حتى وان اقرت في بعض الدول ، تواجه مراجعة بل ومعارضة[9] لقد ظهر جليا ان مؤشرات الاقتصاد الخليجي في قطاعات كثيرة تواجه التراجع ، فعلى سبيل المثال تراجعت سوق الإنشاءات الخليجية بشكل عام 19% في عام 2016 مقارنة ب2015 بنسب تراجع تتراوح بين 62% في ترسيه المشاريع ( في السعودية) الى سلطنة عمان 52% وتراوح بقية الدول بين الرقمين، حيث لم ينج من هذا التراجع أي بلد خليجي[10]، كما تتأخر الدولة في صرف مستحقات المقاولين الى درجة ان بعض العاملين الأجانب اضطر الى الاضراب عن العمل ! ذلك مؤشر من جملة مؤشرات تقول لنا ان الوضع الاقتصادي ( ليس مريحا) ولكن الخيارات حتى الان لم تطرح بجدية او تناقش بعمق ، رغم كل التحذيرات المعلنة .
ما العمل : ربما اول خطوات العمل المستحق هو ( الاعتراف بالأزمة) وعدم تجاهلها وتركها حتى تتفاقم تحت أي ظرف من الظروف ،و ليس امام الدولة الخليجية اليوم الا مواجهة هذه المصاعب، ووضع خطط متوسطة وطويلة الأمد، من اجل هدف عام هو (تنويع مصادر الدخل في الدولة الخليجية الحديثة) و لكن الامر سهل في القول، صعب في التطبيق، لان التطبيق يحتاج الى سياسيات تبدأ اليوم ولا نتنظر الى الغد، وهي مشكلة من حزمة اقتصادية\ سياسية\ ثقافية متسقة ومتزامنة, سوف اشير الى بعض الاقتراحات حولها، وهي في نظري ستة محاور أساسية:
التفكير في الخيارات الأخرى :
لا اشك ان لدينا في هذه المنطقة من العالم (عقول) تستطيع ان تقدم الحلول لما نواجه ، ولكن ما ينقص حتى الان هو ( الإرادة السياسية) التي تستطيع ان تتحمل الثمن السياسي للخيارات الممكن التفكير فيها ،وسوف اعرض هنا حزمة من التفكير بصوت عال لما يمكن ان يكون خيارا ممكن للعبور من الازمة، وهي خيارات قلت انها ( حزمة) الانتقاء منها قد يكون مضرا اكثر مما هو نافع. هذه الخيارات هي اقتصادية\ اجتماعية\ سياسية\ ثقافية (وهي عناصر مجتمعة يمكن ان تضعنا على سكة معقولة للخروج من الازمة) وهي في رايي ذات محاور ستة : مجملها كالتالي :
- تقليص اليد العاملة: كتابات كثيرة ودراسات منذ على الأقل خمسة عقود تتحدث عن ( الخلل في التركيبة السكانية في دول الخليج ) ولكن هذه التركيبة تزاد خللا سنة بعد أخرى ( في كل دول الخليج) وليس لان الدولة لا ترى هذا الخلل، ولكنه خلل بنيوي، سهلا الحديث عن إيجاد بدائل له، ولكنها صعبة التنفيذ، مثلا عدد الأجانب الذين يقودون السيارات الخاصة للعائلات في المملكة العربية السعودية( هو قطاع كبير) ولكن لان المرأة لا تستطيع ان تقود سيارتها، سوف يستمر وجود هذه الشريحة ( على سيبل المثال) تلك ظاهرة ثقافية، فان هذا العدد من السائقين لا يمكن ان ينقص! بمثل ذلك فان بعض الاعمال (البسيطة) يأنف المواطن الخليجي بشكل عام القيام بها ( عدى ما هو ظاهر الى حد ما في عمان والبحرين) فالعمال الأجانب يقومون بتلك الاعمال ( ظاهرة اقتصادية\ ثقافية) من جانب اخر فان شريحة كبيرة من العمال الأجانب تعمل لدى القطاع الخاص ، بسبب عدم وجود بديل محلي ( رخيص) او مؤهل كما هو العامل الأجنبي، ذلك قطاع واسع من الاعمال الخاصة يقوم بها عمال ( موظفين) غير محليين، في قطاع العمل الداخلي ( في المنزل) نجد ان هناك ضغوط كبيرة من الاسرة الخليجية من اجل ان يعمل لديها ( منزليا) عدد يتراوح بين 2\5 فاكثر من العالمين في المنازل، وهي ظاهرة ثقافية اقتصادية, وليس من السهل ان تقدم حلول في هذا القطاع عشوائية او عاطفية، فان مثلا إحلال ثلث العمالة في الحكومة في الكويت( وهي غير محلية) يعني تضخم سلم الرواتب والأجور، كما ان إحلال عمال ( موظفين) في القطاع الخاص يرفع تكلفة الخدمات المقدمة ،ويصبح المشروع الاقتصادي غير تنافسي . من المهم هنا الاشارة الى تجربة الامارات العربية المتحدة ،وهي من دول الخليج ذات الخلل السكاني الواضح ، فقد تقررت منذ سنوات لإصلاح جزئي لهذا الخلل، تشغيل أوسع للمرأة الإماراتية في قطاعات كثيرة، حتى منها الاعمال العسكرية الكتابية، وبعد سنوات وجد، رغم ان الفكرة متميزة ، ان سن الزواج قد تأخر في المتوسط، كما ان عدد افراد الاسرة تناقص ( بسبب عمل المرأة و تأخر سن الزواج) فجاءت النتيجة النهائية ان عدد السكان المحليين تباطء في النمو! ذلك مثال على ان هناك عدد من (النتائج غير المحسوبة) لأي خطوة في محاولة تعديل التركيبة السكانية، ثم كيف يمكن ان نفعل ذلك وبعض الدول تقوم بتشجيع المشروعات السكنية الكبرى (مدن جديدة) من اجل بيعها على ( الأجانب)! ذلك عامل واحد من المشهد الاقتصادي\ الاجتماعي الذي لا يبدو ان حلا ممكنا له، مع استنزافه لموارد ضخمة، ولكنه أصبح (مزمنا)!بسبب تضارب في السياسات الكلية للدولة الخلجية!
- ترشيد الإدارة:
احد اهم الإصلاح المبتغى في إدارة الموارد في دول الخليج (الاقتصادية والإنسانية) اصلاح الإدارة، وهي إدارة تحمل مشكلاتها، فهي (تقليدية\ و حديثة) في نفس الوقت ، بمجرد ان ظهرت مداخيل النفط الأولى حتى ( اقترحت) بريطانيا التي كانت مهيمنة على الامن في الخليج وتربطها علاقات تعاقدية مع دول الخليج ( ما عدى المملكة العربية السعودية) اقترحت على الحكام في أوقات مختلفة، تمتد من العشرينات حتى الاربعينات من القرن الماضي ، تعين مستشارين او خبراء اداريين وماليين بريطانيين للمعاونة في رسم سياسيات إدارة ومالية للدول الخليجية[11] كان هناك بعض الإصلاحات، الا ان الإدارة قد تطورت بعد الاستقلال ( ستينات وسبعينات) القرن الماضي والتجأ معظم الدول الى الاستعانة بالأنظمة والقوانين المصرية ، وليس هناك عيب في ذلك، الا ان القوانين المصرية مستندة على وجود فائض بشري ، وفي الخليج هناك نقص بشري، فكثيرة القوانيين و الأنظمة تضاربت مع بعض الأفكار السائدة قبل الدولة ، وتسرب الفساد الى قطاعات كثيرة جراء احتمال الدولة عبى التنمية (الانفجارية) ان صح التعبير ، فاصبح الفساد بمظاهرة المختلفة ( ظاهرة) مقلقة للمجتمع[12] الى درجة انه في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، اضطرت معظم الدول الخليجية لخلق مؤسسات سميت هيئات ( مكافحة الفساد) بسبب تعثر الإدارة العامة عن القيام بما يتوجب القيام به، ربما بسبب أيضا عدم وضوح في المهمات العامة و انتفاء وجود، او ضعف في مؤسسات المتابعة والرقابة، أصبحت الدولة النفطية الخليجية و مجتمعاتها تشتكى من الإدارة البيروقراطية التي تسمح بتجاوز الخلل، حيث القوانس تسن ويسن معها دون تمحيص تجاوزاتها من خلال ما يعرف بالاستثناءات ! المتروكة كليا لهوى واقتناع البيروقراطي نفسة، دون خطوات لترشيد الادارة ، اصلاح الإدارة او ( ترشيقها) احد عوامل الإصلاح المرجو من اجل التحول الاقتصادي الناجح واطلاق مبدأ التنافس والجودة في الخدمات.
- محاربة الفساد:
ترشيد الإدارة مرتبط ارتباط مباشر مع ضبط معدلات الفساد في المجتمعات الخليجية ، وهي آفة تعطل من الاستفادة الكاملة من الثروة المادية والبشرية المتاحة ،فبجانب هدر الموارد، وتضاعف كلفة الخدمات، يساعد الفساد على تخريب المشاريع المهمة للدولة الخليجية، واضعاف الهمم، بل انتشار التوتر في المجتمع ، ويقف امام محاربة الفساد (هلامية القوانين) والاستنسابية في تطبيقها، وطبيعة الإدارة ( التي تحبذ الولاء في الغالب قبل الخبرة) و قدرة البعض من أصحاب النفوذ على التهرب من المسائلة القانونية، عدى تخريب الذمم، مما يترك انطباعا لدى المواطن العادي ان الثورة الوطنية هي بمثابة (مشاع) للقادرين للحصول على اكبر نسبة منها . وتعج الصحف في الخليج وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي بما تعتبره (فضائح) مصدرها الفساد [13]
- تجويد التعليم :
من الطبيعي ان لا يمكن العبور الى مجتمع منتج دون تجويد وترقية التعليم بشكل عام في الخليج، وقد كتب الكثير عن هذا الموضوع، الذي يعبره البعض عقبة كؤود في سبيل التطور الاقتصادي \ الاجتماعي ،وتشير الكثير من الدراسات التي يطلع عليها المسؤولون في الخليج الى ان الأمم ( في الشرق والغرب) لم تستطع ان تصل الى مرحلة ( الإقلاع) الاقتصادي الا بعد ان نظرت بجدية الى تطوير نظمها التعليمية ، هناك فرق شاسع بين ( الكم) الذي حققته هذه الدول في حجم التعليم، وبين(الكيف) المبتغى للخروج من نفق التعليم التقليدي الى مرحلة التعليم المُجود، الذي ينتج في النهاية قوة عمل قادرة على مواجه الصعاب السياسية والاقتصادية القادمة.
- مشاركة مجتمعية:
المشاركة المجتمعية ( أي ان يقوم الشعب من خلال ممثلين له) بالتخطيط و المتابعة و الرقابة على العمل العام، سوف يبقى المواطن متفرج في الغالب و غاضب في الكثير من الأحيان لما يراه من تراجع في قدرته الاقتصادية، ومن خلال (شكل من اشكال المشاركة) يمكن ان يعرف الجمهور العام حجم المشكلات التي يوجهها المجتمع، ويتحمل ما يتوجب عليه من الأعباء وهو على معرفة بالأثمان المستحقة لملاقات تلك الأعباء، الا ان تجربة المشاركة تحتاج الى ثقافة اجتماعية\ سياسية، حتى الان لم تشرع الدولة الخليجية في العمل تجاهها.
6-حل المشكلات المجاورة:
يستهلك جزا من الدخل في الدولة الخليجية ليوجه الى الأعباء العسكرية والأمنية في الدولة الخليجية، نتيجة الاضطراب الهائل في الجوار، وهو امر من الممكن ان يستمر لفترة قد تطول، من هنا فان تلك الأعباء المادية الناتجة من تلك المشكلات، سوف تبقى معنا وتقلل من القدرة على تمويل البرامج الاجتماعية والتنموية الأخرى ,وهنا لا بد من التفكير لاستخدام الذراع الديبلوماسي و العلاقات الدولة للتقليل من المخاطر الناجمة في الجوار! حيث ان استمرارها سوف يزيد الضغوط على ميزانيات دول الخليج التي بدأت تستشعر العجز الحقيقي.
الخلاصة
لا يستطيع عاقل ان يتجاوز الحقيقة الشاخصة ان هناك نقص في التمويل للمشروعات التنموية في دول الخليج، وان الدولة تحاول اليوم جاهدة لتمويل بعض تلك البرامج من خلال الاقتراض الخارجي[14]، من اجل التقليل من النتائج السلبية على برامج التنمية والانسان في الدول الخليجية قاطبة، وهي تختلف في هذا الموضوع في الدرجة وليس في النوع ، ودون التفكير بطرق جديدة وغير تقليدية لمواجهة احتمال قائم بان تبقى أسعار النفط متدنية، فان الازمة الاجتماعية الاقتصادية يمكن ان تتفاقم، وتخلق في ذيولها توترات اجتماعية\ سياسية، هي الان تطل براسها على الجميع، يمكن ان نجد في القريب ان ( المشروعات التي يمكن ان تسمى الفيل الأبيض) معطلة، فنجد عمارات دون سكان، و مدارس دون مدرسين، وعطشى دون ماء [15]،وطرق دون سيارات مع خلل كبير في العقد الاجتماعي التقليدي، الحلول المطروحة ( خطط التنمية طويلة الاجل ) مكتوبة لكل دول الخليج بشكل جيد، الان الخطط التفصيلية والاعباء الاجتماعية المطلوب تحملها، حتى الان لم تناقش[16] .
[1] انظر على سبيل المثال تصريحات وزير المالية السعودي في مطلع يناير شهر يناير 2017 (دخل النفط لا يكفي حتى لتغطية الرواتب) جريدة الديار اللبنانية 8 يناير موقع الشرق الأوسط الجديد 9 يناير 2017
[2] عدد من الدراسات ….
[3] هناك دول عربية أيضا اعتمدت اما على المساعدات من دول النفط العربية أو من تحويلات مواطنيها العاملين في منطقة الخليج لتعضيد اقتصاداتها، ورفدها بالعملة الصعبة!
[4] انظر دراسة مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، جامعة الكويت، الخروج من دفئ النفط، الحلقة النقاشية (عقدت في 15 مايو 2016) كتيب مطبوع ومتاح على موقع الدكتور محمد الرميحي Rumaihi.info
[5] كمحدودية تشغيل المرأة ، او السماح نشاطات خدمية قد تظهر انها مخالفة ( للعادات التقاليد)
[6] المرجع السابق ص 13
[7] في بدايات انتاج النفط ( كان الدخل كله يذهب الى خزينة الحاكم) و تطور وضع الميزانيات العامة تدريجيا في الدولة الخليجية النفطية.
[8] انظر ورقة (Oxford Analytica 2017 ) ( Kuwait anti-expat rhetoric deter incomers) ورقة غير منشورة كتبها نيل باترك ، صحفي و اكاديمي بريطاني
[9] رفت أسعار البنزين أسعار المياه و الكهرباء في الكويت تحت ضغط تراجع أسعار النفط الا انها تواجه معارضة من أعضاء مجلس الامة ( 2016)تحت ذرائع مختلفة! انظر جريدة الانباء اليومية 25 يناير 2017 .
[10] انظر تفاصيل الدراسة في جريدة القبس الكويتية 1 ابريل 2017 الصفحة الأولى ، نقلا عن ميد المتخصصة في متابعة المناقصات
[11] انظر في تفاصيل ذلك الكتاب الهام (الكويت في عهد عبد الله السالم: بريطانيا وال الصباح والنفط) تأليف سايمون سي سميث، ترجمة بدر ناصر المطيري، الكتاب بالإنجليزية من منشورات هتشتون \ لندن 1990
[12] تعريف الفساد لدى الكتاب هو (استخدام سلطة لتحقيق مصالحة)
[13] في الأسبوع الممتد من 5 \10 ابريل شهدت الصحافة الكويتية (ومعها وسائل التواصل الاجتماعي) ما سمته القبض على احد الشخصيات الكويتية في لندن التي كانت مسؤولة عن جهاز هام، واحتمال تسليم تلك الشخصية للكويت! بسبب ادهاء العبث بالمال العام!
[14] بعض دول الخليج أعلنت انها تتوجه للاقتراض الخارجية، وكان السبب المعلن حتى لا تسيل أصول مدرة مملوكة لها في الخارج.
[15] انظر الدراسة التي اتمها منتدى التنمية في الخليج ( حتى لا يعطش الخليج) وليد زباري واخرين، طبعت في كتاب صدر ان دار افاق في الكويت 2017 تشير الدارسة الى الكارثة المحتملة لنفص موارد المياه في دول الخليج!
[16] انظر في ذلك دراسية الكتاب لمؤتمر الخليج \ الدوحة \ديسمبر 2016 ( بدائل التنمية في الخليج)