مشكلات مع الأخ الأصغر!
في الأسابيع الأخيرة حضرت اكثر من تجمع علمي موضوعه اما مباشرة او يدور حول (تأثير تقنية التواصل الاجتماعي على المجتمعات العربية) و وجدت من المناقشات والأوراق المقدمة اننا امام شيء مرعب ! امام قزم في الشكل وفي الموضوع عربيا ، ولكنه يبدو للبعض فيلا او حتى اضخم !! ويعمل عمل الشياطين! فالمحتوى العربي و حجم الاستخدام لهذه التقنية الحديثة يمكن ان نصفها بانها ( قزم) من منظورين، الأول ان نسبة ما يستخدم منها عربيا، وهو في حدود ضيقة، بالمقارنة بما يستخدم منها في العالم، كما اننا في آخر صفوف الاستخدام العالمي ، وثاني قزميتها ، لأنها لا تتعدى بضع سطور تُكتب، بعضها لا يتعدى عددا محدودا من الاحرف ! ومع ذلك فان تأثيرها في ثقافتنا من العمق بما يفوق (قزميتها) في الحالتين، وتسبب تشويها في المجتمع لا يندمل ! السبب الرئيسي في تقدير لهذا التأثير الضخم ،هو ضعف المناعة لدى الجمهور العربي المتلقي، والذي هو في معظمه من الشباب العربي الذي يمثل ثلث عدد السكان العرب تقريبا .اما الأكثر ضررا فهو ( التوتير والواتس اب) وهما الأكثر انتشارا كما تفصح لنا الأرقام المتوفرة
واحد من أسباب فقدان وزير الاعلام والشباب الكويتي لمنصبه في الحكومة الأسبوع قبل الماضي ، ما عرض من ادعاء اثناء استجوابه في مجلس الامة الكويتي عن استئجاره لبضع مواقع في الاعلام الاجتماعي وتوقيعه عقود مع تلك المواقع ! ليس المهم هنا نفى الادعاء وهو غير حقيقي كما أرى ، بأكثر منه الإشارة الى ان (تويتر) دخل لاعبا في حلبة السياسة في الكويت، و أيضا الكثير من العواصم العربية بعض (المفردين) في عدد من الدول العربية تعرضوا اما للمسائلة او المحاكمة، بسبب الاستخدام السلبي او الخارج عن القانون او الأعراف الاجتماعية لهذه الوسائل الجديدة، بعضهم لا زال مطاردا من المؤسسات الرسمية، وملاحق من قوى وأحزاب ترى ان ما يكتب عنها هو تشويه، بل لقد اشتكى رؤساء دول مر الشكوى من تلك الوسائل !
رئيس اكبر دولة في العالم، السيد دونالد ترامب قرر ان يحارب الاعلام التقليدي في بلاده (غير الوطني وعدو الشعب) حسب تعبيره من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تلك، حيث يملك جهازا صغيرا يقول من خلاله كل ما يرغب في الوقت الذي يرغب!. بل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بدلا من ان تنقل من مؤسسات الاعلام التقليدية (الإذاعة والتلفاز والصحافة) انعكس الامر ان تقوم تلك الوسائل الاقدم بالنقل عن الوسائل الاحدث! فالخبر اليوم لا يجرى وراءه صحفي نشط، بل عليه فقط أن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبحت نشرات الاخبار في التلفزيون في الغالب تذكر في سياق اخبارها ما ينشر على تويتر بالذات. تلك الوسيلة وامثالها مثل واتس اب ، أصبحت وسيلة التخاطب العالمي أيضا بين الزعماء كبارهم وصغارهم في العالم ، وبين حتى النشطاء في المجموعات الإرهابية، و حتى افراد الاسرة الواحدة او مجموعات العمل او مجموعات الترفيه او الصحبة . لا يحصل العرب الا على النتائج السلبية او شبه السلبية من هذه الثورة التقنية الهائلة، فكل شركات الشبكات الناقلة و المنصات الدولية جميعا هي تحت سيطرة وإدارة وتحكم مؤسسات مالية واقتصادية عالمية كبرى ، تستطيع تلك المنصات ان ترسم في ملفاتها ( تعريفا) واضحا لأي مستخدم لتلك الوسائل، بل وتتوقع طريقة استجابته للمثيرات المختلفة وما يمكن له شراؤه من البضائع وكيف يمكن إقناعه برأي سياسي !. وسائل التواصل تلك تقطع التواصل بين الناس، وتشوه الأفكار وتحصرها في نطاق ضيق، بل اصيح هناك تعريفا صراعيا جديد اسمه ( حروب السوشيل ميديا) .
تأثير ذلك على ثقافتنا العربية بالغ الأثر و السلبية أيضا، انها تخلف ثلاث نتائج ، عزلة وسيادة وجه نظر واحدة،و حروب اجتماعية بل أصبحت الدول، مثل الولايات المتحدة، تبحث في خلفيات استخدام مقدم الطلب للسفر اليها، من خلال تاريخه في التصفح على وسائل التواصل الاجتماعي! الأخ الأصغر هذا يقدم ما اصبح يعرف تعسفا ب(الحقائق البديلة) او تزوير الحقائق التي يوفرها الفوتوشوب. شخصيا لي تجربة مؤخرا مع هذا المخلوق، فقد كتبت على تويتر نصا ذكره الفيلسوف جون ستيوارت ميل، الفيلسوف البريطاني والأكثر تأثيرا في الفكر الليبرالي حيث قال( لو اجمع الناس على راي واحد وخالفه فرد، لما كان من حقهم اخراسه، اكثر مما له الحق في اخراسهم لو استطاع) وجهة نظر واضحة في نظري على الأقل على أهمية ان تتاح الفرصة للمخالف ان يقول رايه، حتى لو لم يقبله البعض او الكثرة، هذا القول ردد مثله الكثير من النبهاء في تراثنا العربي والإسلامي. فماذا وجدت من خلال ردود بعض المتابعين. قال احدهم (اعتقد بهذا المنطق يصل اشخاص مثل ترامب الى السلطة!) لم استطع استيعاب تعليق المعلق على ذلك القول ، هو في واد و النص في واد اخر، الا ان الإشارة هنا الى اننا كثيرا ما نتجاوز حقيقة ان الأفكار القصيرة الموجزة، تقع على عقول تفهمها بطريقة مخالفة لما نريد، في النقاش المباشر يمكن التفسير و الاخذ والرد لشرح المطلوب، مع الأخ الأصغر هناك طريق واحد لا غير ، قل كلمتك واترك المكان! فيُبنى على القول تفسيرات ليس لها علاقة بالقول نفسه. آخر من المتابعين علق على نفس الموضوع بالقول ( هذا يعارض مفهوم الديمقراطية وحكم الأغلبية)! و التعليق الأخير يعني ان فهم المعلق للديمقراطية ان تُسكت راي الاخر في الأقلية! اردت من هذين المثالين الواقعيين ان اقدم للقارئ شرحا مبسطا للمعضلة التي اشعر بها، وربما اخرون، اننا امام وسائل التواصل الاجتماعي نواجه معضلة ،وكثير منها مغرق بالسفه ، او مذنب بالغباء ، مفرغة من القيمة العلمية و المعرفية، ولكنها منصات متسارعة في التكاثر و في الكثير منها تسبب الارباك وتشيع التعصب، بل تزيد من الفرقة المجتمعية في الكثير من الأوقات. اشهر ما صنع الفرقة هو منصات الخاصة بالأعراق مثل ( الفهود السود) في أمريكا، و وتجمعات الأقليات المنتشرة اليوم على منصات الاعلام الجديد. محاولات صد او تعويق اثار منصات التواصل عن طريق تغليظ القوانين والحجب المواقع ، هي كمثل محاولة انقاذ الغريق بدفعه في الماء، لقد اصبح اليوم متاحا للكثيرين تطبيقات تساعد على تجاوز الحجب والمنع. المخرج هم الاهتمام الجدي في مكان آخر، في التعليم وتجويده وصقله ،بحيث تعمل آلياته في المستقبل على تعظيم فيروسات، ان صح التعبير ، المناعة لدى قطاعات واسعة من الشعب العربي حتى لا يؤخذ الى المقصلة وهو يبتسم! .