الشباب ووسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة
محمد الرميحي
نحن نعيش في هذا العصر الرقمي في بيوت من زجاج ، بسبب الثورة غير المسبوقة في وسائط التواصل التقني،و لقد زاد انكشافنا بسبب واسائط التواصل الاجتماعي ، التي سببت تغيرا ضخما في علاقتنا الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية والصثافية ، فلاح نيجيري اليوم يقف على ضفة نهر كروس ، يتوفر له من القدرة على التواصل مع العالم ،ما لم يتوافر مثله منذ سنوات قليلة للرئيس الامريكي رونادلد ريجن، بيوت الزجاج هي في المكتب والبيت والسيارة والطائرة او في اي مكان تتوفر فيه اتصال بهذه الشبكة المسماة ( الانترنت)، لم يعد شبئ بخاف عن الاخر او يمكن كتمانه لفترة طويلة ، ان قرر احد معرة شيئ ما يستطيع ان يفعل فقط بكسبة زر . تلك الثورة تغيير جذريا الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية و الفن العسكري وحتى حياتنا في البيت واتصالنا مع الاخرين . منذ سنتين فقط ( فبراير 2013) شركة رقمية خاصة تسمى ( مانديانت) نشرت ان الجيش الاحمر الصيني يقوم بشكل منظم بسرقة معلومات تجارية وعلمية من شركات غربية ،في اغسطس 2012 تعرضت شركة ارامكو العملاقة الى تخريب رقمي هائل ، ثلاثون الف كمييوتر نزعت منها معلوماتها،ووجب التخلص منها حيث اصبحت غير نافعة! شؤننا المالية والصحية والمعرفة والشخصية كلها مبنية على الشبكة الرقمية، وكلها معرضة ان يطلع عليها اخرون او يسرقونها. على المستوى الشخصي تستمع الى قصص ان بطاقة الائتمان الخاصة بك قد صرفت مبالغ في نيويورك وانت مسلتقي في فراشك في الكويت ! لو لا الشبكة الرقيمة لما عرفنا ويكليكس وفضائحها على مستوى العالم . العالم الزجاجي له من جانب غواية ومن جانب اخر هداية ، هذه المعادلة الصعبة بين الغواية والهداية هي التي تواجه شبابنا اليوم وهو ملتصقون باجهزتهم الرقمية.
في عالمنا العربي نسبة الشباب من السكان تقارب سبعون في المائة ،وهم اليوم معرضون كل يوم وكل ساعة، اما الى غواية او هداية ، وتستخدم الدول التي تقوم بالتخطيط هذه الشبكة لتحقيق اهدافها من خلال معرفة علمية بالمجتمع ، سواء مجتمعها او المجتمع الاخر ، منذ سنوات قررت اسرائيل شن هجوم على معسكر جنيين الفلسطيني في الضفة الغربية ،وفي نفس الوقت برمجت فلما فاضحا للبث للشباب ، حتى يتسمر الشباب امام الشاشات، ويقوم الجيش الاسرائيلي بجريمته باقل مقاومة. العنف والجريمة الانحراف و شن حملات لقتل الشخصية والترويح السياسي او التجاري ، اصبحت كلها تستخدم هذه الوسائل من اجل حرف وعي او خلق وعي مختلف او بديل . يقابل ذلك نقص شديد في المناعة لدى شبابنا ،وهو نقص مناعة منهجية .بسبب عدم عناية بتثقيف هؤلاء الشباب و توفير المنهج العقلي لهم لفرز الصحيح من المزيف ، وتتوفر لدينا اليوم معلومات قام بجمعها اخرون تناقش المناهج والطرق التي تتبعها الحروب الثقافية المُشنة ضدنا والتي لا يتوفر لها مصل مضاد في ثقافتنا .نواجهها برب عائلة صامت، و مدرسة لا تعى الاشكالية التي تواجه ، و سياسة عامة تتوخي القشور لا الجذور وتراخ مجتمعي في خدر لذيذ .
لذلك دعى المجلس الوطني للثقافة والاداب في الكويت لعقد هذه الندوة ( يناير 2016) و جمع هذه النخبة المتميزة لنتدارس حجم الاستبداد الذي تقوم به تلك الواسائل في تشكليل ثقافة اجيالينا الحالية التي سوف تتسلم المسؤلية عما قريب ، و فضح كم التهميش لقطاعات واسعة من مجتمعنا ، و كم من جبال الوهم التي تحيط بنا لحرف اهدافنا ،ونحن نعتقد اننا مستورين وفي الحقيقة نحن مكشوفين، لعل مداولتنا في اليومين القادمين تشكل اول الجسر الذي نعبر به من ضفة الغواية الى ضفة الهداية . القارئ لهذا الكتاب سوف يجد الدليل على ان ما متحدث عنه حتى الان هو راس جبل الثلج وليس الجبل نفسه، فعلى مدى يومين تنافش الجميع من خلال هذه الاوراق التي بين يدى القارئ ليستكشفوا ( جبل الثلج الرقمي) فالرقمنة اليوم اصبحت تحاصرنا،وهي كما قيل في بعض اوراق هذا اللقاء، فقط بداية الثورة وليس كل الثورة، فالقادم من التقنيات سوف يحول المجتمعات الى صيرورة ثانية غير مسبوقة في تاريخ البشرية. لقد ركزت الندوة على الشباب كما استضافت مجموعة منهم كي نعرف كم التاثير عليهم من خلال واسئل التواصل الاجتماعي الحديثة و ما هي مشاركتهم في ذلك كله. لقد كانت الاوراق التي قدمت عميقة و مشبعة،ولكننا لا نستطيع ان نقول انننا قد استطعنا ان نحصر الاضرار و نتبين كل الايجابيات، فط وضعنا خطة طريق و رفعنا الصوت بخطورة واهمية ما نحن فيه وما نحن قادمون عليه من اشكلات اجتماعية\ سياسيةد اقتصادية .
التكوين المعرفي العربي مخترق !
حتى الان لم يتبين لنا نحن العرب ،كم نحن في غاطس معرفي عميق، وصل بنا الامر ان تصبح اوطاننا ملعبا في حين تحولت كل شعوب العالم الى لاعب مؤثر ، صغيرها وكبيرها له الاستقلال و التصرف والتاثير في عالم اليوم . الملعب الذي هو نحن، له مساحة وليس له قواعد للعب فيه ، فوسائل الاتصال الاجتماعي التي انبهر بها شبابنا وشيبانا قد اثر نتاجها في صلب تفكيرنا وكيفه ،حتى وصل الامر الى ان تقودنا في بعضها الى الشقاق ،الذي يشتت مواقفنا ليس كافراد او جماعات بل ودول ،اكثر منما هي مشتتة ويغري الاخرون بنا و بمقدراتنا .
خذ ( تويتر )وسيلة التواصل الاجتماعي الفذة ، وما يتركه من اثر بسبب بضع كلمات تقال على عوانها من رجال أونساء ليس لديهم خبرة او دراية كافية بالشأن العام ،او حتى تقدير تاثير ما ينشرونه على تلك الوسائل ، على حياة الاف الناس ومستقبلهم وخبز يومهم ، يتم ذلك بسبب نقص في الفهم والثقافة لدى كثيرون منا ، اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي آلة اغتيال دون صوت .
في الاسابيع الماضية حصلت مشاجرة بين عدد من الكويتين والمصريين في الطريق العام ، وهي مشاجرة تحدث امثالها في معظم ان لم يكن كل دول العالم لسبب او لاخر ، بين مكونيين اجتماعين او اكثر ، في الغالب مثل تلك الاحداث تبقى محصورة و قابلة للاحتواء من السلطات تحت سقف القانون ، وفي اكثرها لا تمت الى القطاعات الواسعة من المكونيين او الشعبين بصلة ، حدث مثلها في مدينة استنبول قبل اشهر بين مواطن تركي و مواطن سعودي ، و مثلها في نيويورك بين مكون اجتماعي واخر . تويتر في الحالة المصرية الكويتية اشعل ما لا يجب اشعاله، وهو النقد القاسي غير الموضوعي للعلاقة بين الشعبين . شخص واحد، بدأ وكأنه يكلم نفسه وهو لا يشعر ان كلماته سوف تصل الى عشرات الالاف من الناس ، اطلق الكثير من شعوره الشخصي السلبي الناتج من الحادثة والقاه على جمهور متعطش ، فقام له بعض من شاكلته في القصور ليرد عليه بقسوة ، وهكذا اشتعل الموقف دون دراية ولا حصافة ،كل يكيل للاخر الكلام السلبي الذي لا يقال في مجالس متحضرة،وقد عرض علاقة دولتين لهما تاريخ مشرف في العلاقات الحسنة الى الكثير من التجريح .
ليس هذه فقط ،بل خرب الاستخدام غير الحصيف لوسائل الاتصال الاجتماعي في فضائنا العربي مجموعة واسعة من العادات والقيم والوسائل التي كانت السبيل الافضل للمعرفة ، فكثير من طلابنا اليوم تقهقرت عادات القراءة الورقية عندهم الى الخلف، واستعاضوا بتصفح تليفوناتهم الذكية بدلا من القراءة الجادة ، بل تصدع مستوى التحصيل الدراسي لدى الطلاب العرب في بلاد تحتاج اول ما تحتاج الى علم جاد يخرجها من براثين التخلف . لقد ساعدت وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة على انتشار الاشاعة السلبية كما لم تنتشر قط، وهي اشاعة اقتصادية، سياسية ، اجتماعية وبل حتى شخصية . في الوقت الذي اكتسب شبابنا مهارات تقنية عالية بسبب استخدامهم وسائل الاتصال الاجتماعي الجديدة ، فان السلبيات التي تحققت من هذا الاستخدام تفوق تلك الايجابيات ، فهناك تقلص في الاهتمام بمذاكرة الدروس ، وغياب الانضباط الدارسي وتدني في مستوى اعداد البحوث او اتباع المنهج العلمي الدقيق الذي يقود الى المعرفة، كثيرون من الطلاب يلجؤن الى الشبكة العنكبوتية من اجل الحصول على المعلومة او حتى كتابة البحوث المطلوبة منهم ،و اعتبار ان تلك المعلومة المستقاة من الانترنت نهائية وحقيقية وغير قابلة للدحص ، وهي قد لا تكون كذلك.
لقد وضع الاعلام الجديد الدولة العربية في حيرة من امرها بين المنع والسماح، وبين وضع القوانين المقيدة او التوجه نحو الرقابة المسبقة ، بين اخذ المتهورين الى المحاكم و من ثم السجن ، وبين حقوق الانسان في التعبير ، الا ان الامر المؤكد اننا في عصر لا يمكن ان نقوم ب ( ضبط ) وسائل الاتصال الاجتماعي و تحجيم تاثير الشبكة الاجتماعية على الراى العام من خلال اصدار القوانين فقط ، فمرحلة الضبط بالقوانين قد فات زمانها ، وكل الدراسات الحديثة تؤكد ان هناك طرق للحصول على المعلومة او الاشاعة او الخبر الصحيح او غير الصحيح مباشرة او غير مباشرة ، لا يستطيع القانون ان يمنعه. منذ اسابيع قليلة اضطر مدير المخابرات البريطانية الداخلية لاول مرة منذ انشاء الجهاز قبل 106 سنوات ان يظهر على وسائل الاعلام وهو في وظيفته ليدعوا شركات الانترنت للتعاون مع الجهاز لتتبع واستخدامهم لهذه الوسيلة ( التواصل الاجتماعي) لتنظيم عمليات الارهاب كمايرى اخرون ان تلك الشبكات تساعد على افشاء اعمال سلببية او افساد في المجتمع وتحضر لصفقات مشبوهة.
لن يجدي في القادم من السنوات وقف وسائل الاتصال الاجتماعي او التقليل من تاثيرها السلبي على المجتمع، فقد اصبحت جزءا لا يتحزأ من العولمة الثانية التي نعيش . الحل هو في مكان اخر و هو تحصين الناس بادوات معرفية لديها القدرة على مساعدة الافراد في فحص السيئ والسلبي من المعلومات ، يستطيع الافراد من خلالها استخدام المنهج العقلي المتوازن للحكم الرشيد على ما ينشر في وسائل الاتصال الاجتماعي . الفرق بين الشعوب الصناعية المتقدمة و الشعوب في طور النمو، ان الاولى لديها مناعة من نوع ما في التعامل مع وسائل الاتصال الاجتماعي، بعضها قانونية في حده الادنى، و معظمها له علاقة بالحصانة المعرفية ، اما شعوب العالم النامي والعرب منهم ، فان تلك المناعة \ الحصانة المعرفية ، هي في ادنى درجاتها ، كما ان الاستخدام العاطفي الذي تتميز به ثقافتنا يزيد لدى تلك الشعوب من استقبال الغريب والمثير، وتحول الاشاعة الى حقيقة ،ومن هنا فان المخاطر التي تستجلها وسائل الاتصال الاجتماعي هي مخاطر ضخمة على النسيج الاجتماعي، وعلى الامن الوطني في آن معا . لقد حققت فتاة صغيرة في السن تعيش في الكويت ما لم تستطع تحقيقه وسائل تقليدية في الاتصال مثل الصحف او التلفزيون من بث الفرقة واثارة الناس ، لانها ببساطة اعتقدت انها تخاطب نفسها ، وفي حموة الحماس، خلطت الامور خلطا جاء بالضرر على عشرات الناس لولا الحكمة و الفهم الصحيح لدى متخذي القرار في كل من مصر والكويت ، وعرضت بكلامها غير المنضبط مصالح الالاف من البشر ، عدى تسميم علاقة اتصفت منذ زمن بالتوافق والفهم المتبادل. اذا كانت ذلك الاستخدام من تلك الفتاة قد تم احتواؤه ، فمن يستطيع ان يضمن لنا في المستقبل ان لا تندلع شرارة مثل تلك، لتحصد الاخضر واليابس . لكل وسيلة مما اخترع الانسان ضوابط ، الا وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة حتى الان ،التي يستطيع اي شخص ان يقول اي كلام دون بوابة او مرجعية ،وقد يضر مجتمعه و يضر علاقة دولته بدول اخرى و يعرض الامن الوطني الى الخطر . لقد ان الاوان الى التفكير في وسائل لمنع الاختراق المعرفي الذي فتح علينا من بوابات العالم الاربع الكثير من الحمم.
في عيد العمال : هل نعرف كيف يتغير العالم من حولنا ؟
قبل دخول القرن الواحد و العشرين بعامين فقط كانت شركة كوداك المعروفة باحتكارها لمجال واسع في اعمال التصوير تًشغل 170 الف عامل وعاملة في مصانعها ، وكانت تبيع 85% من كل ورق الطباعة الخاصة بالصور في العالم ،مع مرور سنوات قليلة نوع الشركة الاقتصادي ذالك كله تبخر في الهواء وامثالها ، و أفلست الشركة والشركات التي كانت تزودها بالمادة الخام ، ولم يعد العالم يحتاج الى ورق لطباعة الصور عليها ؟ بل لم يعد العالم يحتاج الى ألالات كاميرا تقليدية، لقد حلت التقنية الجديدة بثورتها بدلا من الكثير من الشركات التقليدية، واصبح جهاز التليفون الذكي، من كل الانواع ،محل كل نلك العملية المطولة في التصوير . هل يصدق أحد اليوم بسهولة أن كل مواقع التواصل الاجنماعي التي نعرف عمرها بالكاد عشر سنين او اكثر قليلا فقط . قبل ثلاثة عقود من الزمن كان الانتاج البريطاني يعتمد على الصناعة ، اليوم 80 % من الاقتصاد البربطاني هو إقتصاد خدمات،في قلبة ( إقتصاد المعرفة) و قبل سبعين عاما او اكثر كانت الامبرواطورية البريطانية تنوح على فقدها للقارة الهندية بسبب الخسارة الاقتصادية التي توقعت ان تحل بها ، اليوم التبادل الاقتصادي بين الهند وبريطانيا يفوق ثلاث مرات في المكسب للشركات البريطانية عنها عندما غاردت بريطانيا مستعمرتها الهندية، ذلك بسبب التقنية . في المانفسنو الانتخابي للرئيس الامريكي باراك اوباما في عام 2007 وعد الناخبين بالتخلص من استيراد النفط الخارجي للصناعة و الاعمال الامريكية في خلال عشر سنوات، فعلها في خلال ثمان سنوات فقط، مرة اخرى بسب تقدم التقنية ! قبل سنوات قليلة كان المواطن ينتظر الاخبار من الراديو او التلفزيون، وتمر ساعات وفي بعض الاوقات ايام قبل ان يستمع الى خبر هام ينتطره ،اليوم اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المصدر للاخبار، حتى غدى الروساء والسياسيون في العالم يتسابقون على ايجاد مواقع لهم شخصيا على وسائل التواصل الاجتماعي للاتصال بجمهورهم ،بل اصبح الساسة في سعيهم الحثيث الى ( الحاجة للموافقة على افكارهم) يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن يستخدمو مؤسساتهم الاعلامية . وتنقل وسائل الاتصال التقليدية ( مثل التلفزيون او الاذاعة ) فورا تلك الاخبار من تلك المواقع، ويستطيع اي شخص في العالم ان يمرر خبر لم تعرف عنه وكالات الانباء العالمية. قبل سنوات فقط عندما ترغب ان تحول مبلغ من المال عليك ان تذهب الى البنك او الصراف، وبعد ايام يصل ذلك التحويل الى اصحابه ، اليوم بكبسة زر وانت في بيتك او مكتبك تستطيع ان تشترى او تحول او تتبرع بمبلغ من المال في لحظات لا غير ،ويصل المبلغ قبل ان تغادر مكتبك الى وجهته !
باختصار العالم يتغير من حولنا بسرعة بسبب ثورة التقنية ، يرى الخبراء في التقنية الحديثة أن ما لدينا اليوم من معرفة تقنية ليس اكثر من رأس جبل الثلج ، والقادم أعظم واكبر . وأنا اكتب على جهاز الكبيوتر الان، لا يفتح هذا الجهاز الا إذا وجد صورتي أمامه، اما غير ذلك فانه لن يفتح أبدا، سوف يبقى ما اكتب سرا لا يطاله أحد، مؤسسة الاستخبارات الامريكية دخلت في نزاع مع شركة منتجة للتليفونات الذكيه، لان الاخيرة لم تسمح لها بفتح جهاز لاحد المستخدمين المطلوبين للعدالة ، و قامت شركات التواصل منذ اشهر باعادة تشفير رسائلها المتبادلة بين المستخدين ،في الغالب حتى تضمن السرية المطلقة وغير القابلة للاختراق ! التغير التقني هائل ، حتى انخفاض اسعار النفط هو من جراء تطور التقنية، فقد ساعدت على تحويل الصخور الى نفط ، واصبحت تنتج ما يسمى النفط الصخري بفضل التقنية المتقدمة باسعار معقولة، تغني جزئيا عن النفط الاحفوري!!
الهند بها اليوم ثمان معاهد للتقنية ، بدأت بواحدة ، اسسها المرحوم جواهر لال نهروا في الخميسنات من القرن الماضي، ثم انتشرت في الهند، واُسست على غرار ( المعهد التقني في ماستشوزت MIT ) وهي الان تدر على الاقتصاد الهندي عشرون بليون دولار كل عام! كما اصبح الفنين من الجنسية الهندية، وهم في الغالب خريجوا تلك المعاهد، من كبار المديرين في شركات التقنية الحديثة في الولايات المتحدة الامريكية. في هذا العالم الجديد نقطة الارتكاز لم تعد النظريات الاقتصادية القديمة وهي الارض وراس المال و قوة العمل ، اصبحت النظرية الجديدة هي ما يسمى اقتصاد المعرفة، اي العقل البشري، لقد انتقل الاقتصاد في العصر التقني الى شيئ اسمه ( الابتكار) المفتوح للدول و المجتمعات المختلفة، هذا الاقتصاد المعولم تقوده التقنية . اكبر شركات التسويق على الانترنت هي شركة ( على بابا) الذي ابتكرها شخص صيني، اصبح اكبر ملياردير في قارة اسيا ،شركات مثل (ابل) و (جوجل) و(مايكروسوفت) تدر على الاقتصاد الامريكي اكثر من الدخل المُجمع من شركات الطيران او النفط ، لقد غيرت تطبيقات مثل ( ايربامب) و ( يوبر) و ( امازون) كل من صناعة الفنادق والسيارات و المولات الكبيرة على التوالي كما لم يحدث في تاريخ البشرية الاقتصادي من قبل ، كانت الافكار تلحق بالاستمثار, واصبح الاستمثار يلحق بالافكار من اي مكان قدمت.
لا رال العرب مع الاسف في مربع النظريات الاقتصادية القديمة ، الادخار و الاستمثار و تشغيل العمالة غير الماهرة، في الوقت الذي يساهم معظم العالم في التفكير الابتكاري. وبيع تلك الافكار الى العالم، دون فتح حساب في البنوك ولا استئجار محلات او حتى دفع رواتب موظفين في كثير من الاحيان . يجتاح العالم بسب التقدم التقني تغيرا هائلا في العلاقات الاجتماعية ، وفي علاقات السوق والتجارة، وفي العلاقات السياسية، وفي الخطط الحربية ،و في استمالة وتغير افكار الجماهير وفي النظر الى المرأة و في طرق التعليم والتعلم والتدريب و طرق الاعلان والتسويق ، وحتى السفر و المواصلات، بل اصبح الحصول على اتصال مع الشبكة الدولية للانترنت من الحقوق الاساسية للانسان، في حال حجبها تتعرض الدول الى المقاطعة و المسائلة. طبعا لا بد من الحديث عن المخاطر التي تصاحب هذا الانفجار المعرفي، وهي مخاطر شخصية و ابضا وطنية ،تبدأ بما عرف بمرض ( الادمان) على الانرنت الى التعرض للابنزاز وحتى السرقة أو الغواية،وهي مخاطر يمكن حسابها وتوقيها في المجتمعات الواعية. الا ان الامر الاكيد اننا كعرب لا زلنا ننظر الى هذه الابنكارات باعجاب ودهشة ، وقليل منا يدعو الى احتضانها في مدراسنا و جامعتنا وسياساتنا ،فنحن لا زلنا ان اردنا قضاء حاجة علينا البحث عن واسطة وتوقيع اوراق لا لزوم لها ،ثم ياني الجواب ( فوت بكرة)!!