مشكلاتي مع الاخ الاصغر

شكلات مع الأخ الأصغر!

محمد الرميحي ;

840

طباعة المقال

في الأسابيع الأخيرة حضرت أكثر من تجمع علمي موضوعه أما مباشرة أو يدور حول (تأثير تقنية التواصل الاجتماعي على المجتمعات العربية) ووجدت من المناقشات والأوراق المقدمة إننا أمام شيء مرعب! أمام قزم في الشكل وفي الموضوع عربيا ، ولكنه يبدو للبعض فيلا او حتى اضخم!! ويعمل عمل الشياطين! فالمحتوى العربي وحجم الاستخدام لهذه التقنية الحديثة يمكن أن نصفها بأنها ( قزم) من منظورين، الأول ان نسبة ما يستخدم منها عربيا،وهو في حدود ضيقة، بالمقارنة بما يستخدم منها في العالم، كما أننا في آخر صفوف الاستخدام العالمي ، وثاني قزميتها ، لأنها لا تتعدى بضعة سطور تُكتب، بعضها لا يتعدى عددا محدودا من الاحرف ! ومع ذلك فإن تأثيرها في ثقافتنا من العمق بما يفوق (قزميتها) في الحالتين، وتسبب تشويها في المجتمع لا يندمل! السبب الرئيسي في تقدير لهذا التأثير الضخم ،هو ضعف المناعة لدى الجمهور العربي المتلقي،والذي هو في معظمه من الشباب العربي الذي يمثل ثلث عدد السكان العرب تقريبا .اما الأكثر ضررا فهو ( التوتير والواتس آب) وهما الأكثر انتشارا كما تفصح لنا الأرقام المتوافرة.

واحد من أسباب فقدان وزير الاعلام والشباب الكويتي لمنصبه في الحكومة الأسبوع قبل الماضي ، ما عرض من ادعاء اثناء استجوابه في مجلس الامة الكويتي عن استئجاره بضعة مواقع في الاعلام الاجتماعي وتوقيعه عقودا مع تلك المواقع ! ليس المهم هنا نفى الادعاء وهو غير حقيقي كما أرى ، بأكثر منه الإشارة الى ان (تويتر) دخل لاعبا في حلبة السياسة في الكويت، و أيضا الكثير من العواصم العربية بعض (المغردين) في عدد من الدول العربية تعرضوا اما للمساءلة أو المحاكمة، بسبب الاستخدام السلبي او الخارج عن القانون أو الأعراف الإجتماعية لهذه الوسائل الجديدة، بعضهم ما زال مطاردا من المؤسسات الرسمية، وملاحق من قوى وأحزاب ترى أن ما يكتب عنها هو تشويه، بل لقد اشتكى رؤساء دول مر الشكوى من تلك الوسائل!

رئيس أكبر دولة في العالم، السيد دونالد ترامب قرر أن يحارب الاعلام التقليدي في بلاده (غيرالوطني وعدو الشعب) حسب تعبيره من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تلك، حيث يملك جهازا صغيرا يقول من خلاله كل ما يرغب في الوقت الذي يرغب!. بل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بدلا من أن تنقل من مؤسسات الاعلام التقليدية (الإذاعة والتلفاز والصحافة) انعكس الامر أن تقوم تلك الوسائل الاقدم بالنقل عن الوسائل الاحدث! فالخبر اليوم لا يجرى وراءه صحفي نشيط، بل عليه فقط أن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبحت نشرات الأخبار في التليفزيون في الغالب تذكر في سياق اخبارها ما ينشر على تويتر بالذات. تلك الوسيلة وامثالها مثل واتس آب ، أصبحت وسيلة التخاطب العالمي أيضا بين الزعماء كبارهم وصغارهم في العالم ، وبين حتى النشطاء في المجموعات الإرهابية، و حتى أفراد الأسرة الواحدة أو مجموعات العمل او مجموعات الترفيه او الصحبة . لا يحصل العرب الا على النتائج السلبية او شبه السلبية من هذه الثورة التقنية الهائلة، فكل شركات الشبكات الناقلة و المنصات الدولية جميعا هي تحت سيطرة وإدارة وتحكم مؤسسات مالية واقتصادية عالمية كبرى ، تستطيع تلك المنصات ان ترسم في ملفاتها ( تعريفا) واضحا لأي مستخدم لتلك الوسائل، بل وتتوقع طريقة استجابته للمثيرات المختلفة وما يمكن له شراؤه من البضائع وكيف يمكن إقناعه برأي سياسي. وسائل التواصل تلك تقطع التواصل بين الناس، وتشوه الأفكار وتحصرها في نطاق ضيق، بل اصبح هناك تعريف صراعي جديد اسمه ( حروب السوشيل ميديا).

تأثير ذلك على ثقافتنا العربية بالغ الأثر و السلبية أيضا، انها تخلف ثلاث نتائج ، عزلة وسيادة وجهة نظر واحدة، وحروب اجتماعية بل أصبحت الدول، مثل الولايات المتحدة، تبحث في خلفيات استخدام مقدم الطلب للسفر اليها، من خلال تاريخه في التصفح على وسائل التواصل الاجتماعي! الأخ الأصغر هذا يقدم ما اصبح يعرف تعسفا ب(الحقائق البديلة) أو تزوير الحقائق التي يوفرها الفوتوشوب. شخصيا لي تجربة مؤخرا مع هذا المخلوق، فقد كتبت على تويتر نصا ذكره الفيلسوف جون ستيوارت ميل، الفيلسوف البريطاني والأكثر تأثيرا في الفكر الليبرالي حيث قال (لو أجمع الناس على رأي وأحد وخالفه فرد، لما كان من حقهم اخراسه، أكثر مما له الحق في اخراسهم لو استطاع) وجهة نظر واضحة في نظري على الأقل على أهمية ان تتاح الفرصة للمخالف ان يقول رايه، حتى لو لم يقبله البعض أو الكثرة، هذا القول ردد مثله الكثير من النبهاء في تراثنا العربي والإسلامي. فماذا وجدت من خلال ردود بعض المتابعين. قال أحدهم (أعتقد بهذا المنطق يصل أشخاص مثل ترامب الى السلطة!) لم أستطع إستيعاب تعليق المعلق على ذلك القول، هو في واد والنص في واد آخر، الا أن الإشارة هنا الى اننا كثيرا ما نتجاوز حقيقة ان الأفكار القصيرة الموجزة، تقع على عقول تفهمها بطريقة مخالفة لما نريد، في النقاش المباشر يمكن التفسير والاخذ والرد لشرح المطلوب، مع الأخ الأصغر هناك طريق واحد لا غير ، قل كلمتك واترك المكان! فيُبنى على القول تفسيرات ليس لها علاقة بالقول نفسه. آخر من المتابعين علق على نفس الموضوع بالقول (هذا يعارض مفهوم الديمقراطية وحكم الأغلبية)! والتعليق الأخير يعني ان فهم المعلق للديمقراطية ان تُسكت راي الاخر في الأقلية! اردت من هذين المثالين الواقعيين أن أقدم للقارئ شرحا مبسطا للمعضلة التي أشعر بها، وربما آخرون، إننا أمام وسائل التواصل الاجتماعي نواجه معضلة ،وكثير منها مغرق بالسفه أو مذنب بالغباء ، مفرغة من القيمة العلمية والمعرفية، ولكنها منصات متسارعة في التكاثر و في الكثير منها تسبب الإرباك وتشيع التعصب، بل تزيد من الفرقة المجتمعية في الكثير من الأوقات. أشهر ما صنع الفرقة هو المنصات الخاصة بالأعراق مثل (الفهود السود) في أمريكا، وتجمعات الأقليات المنتشرة اليوم على منصات الاعلام الجديد. محاولات صد أو تعويق آثار منصات التواصل عن طريق تغليظ القوانين والحجب المواقع هي كمثل محاولة انقاذ الغريق بدفعه في الماء، لقد اصبح اليوم متاحا للكثيرين تطبيقات تساعد على تجاوز الحجب والمنع. المخرج هم الاهتمام الجدي في مكان آخر، في التعليم وتجويده وصقله ،بحيث تعمل آلياته في المستقبل على تعظيم فيروسات، إن صح التعبير ، المناعة لدى قطاعات واسعة من الشعب العربي حتى لا يؤخذ الى المقصلة وهو يبتسم! .
لمزيد من مقالات محمد الرميحي ;

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.