بعض العادات التي قد تنافي الشريعة( ضبط اجتماعي)

العادات و التقاليد التي ( قد تكون ) مخالفة لفهم البعض للشريعة
المبحث الأول: العادات والأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية
تختلف العادات والأعراف الجاهلية القبلية وغيرها المخالفة للشريعة الإسلامية على حسب المجتمعات، والأزمان، والقبائل، والعشائر، ولكن مما عرفت، وذكر لي من هذه العادات، والأعراف المخالفة للشريعة الإسلامية: الأعراف والعادات الجاهلية الآتية:
أولاً: التحاكم من بعض القبائل إلى من يسمونهم (مقاطع الحق)، أو(العُرَّاف)، أو (مقارع الحق)، أو (القوادي)، أو (جوازع البطحاء)، أو (قول عارف)، أو (معقد الحق)، أو (الحق) على اختلاف تعبيراتهم.
ومقاطع الحق مثل القضاة القانونيين يلزمون الناس بحكمهم، فإذا حضر عند ذلك المقطع الأخصام؛ فإنه يأخذ عليهم قبل الحكم عهوداً وضمانات على أن يقبلوا بحكمه في تلك القضية، فيأخذ على ذلك كفلاء، أو يرهن بنادق الأخصام عنده، ثم يسمع منهم، ويحلفهم الأيمان، ويسمع شهادات الشهود –إن وجدوا -، ثم يحكم بعد ذلك، وإن لم يقبل حكمه أصبح خصماً لمن لم يقبل حكمه الذي حكم به، يحاكمه عند «مقرع حقٍّ» آخر أعلى درجة منه.
وهؤلاء الذين يعرفون (بالحق) – كما تقدم – ورثوا هذا الحكم كابراً عن كابر، وهم يحكمون في القضية بمالٍ، أو دم يهراق من الخصم، أو أيمان.. أو غير ذلك، وعندهم قوانين معينة تعارفوا عليها عن آبائهم، وأجدادهم، أو عن آباء وأجداد قبائل أخرى، وعندهم قوانين معينة لا يخرجون عنها في أكثر القضايا[2].
وهذا الذي قد نصب نفسه لهذا الحكم بالأعراف القبلية قد حكم بغير ما أنزل اللَّه على رسوله، واتصف باسم الطاغوت؛ لأن من رؤوس الطواغيت من حكم بغير ما أنزل اللَّه كما تقدم.
ومن تحاكم إليه فقد تحاكم إلى الطاغوت الذي أُمر بأن يكفر به، وسيأتي التفصيل في بيان حكم من حكم بذلك، أو احتكم إلى ذلك[3].
ثانياً: التعصب الشديد لمناصرة مقاطع الحق كما يزعمون:
ومما يبين ذلك ألفاظ المتعصبين الآتية:
1- يقول بعضهم: «إنه متمسك بعادات آبائه، وأجداده، وإن دخل جهنم».
2- يقول بعضهم: «لا أتخلَّى عن سلوم ربعي حلال كانت أم حرام».
3- – ويقول آخر: «الفرع أحسن من الشرع»، ويقصد بالفرع القبائل وقوانينهم.
4– وبعضهم يقول «النار ولا العار».
5– ويقول بعضهم: «الشرع لا ينصفنا».
6– ويقول بعضهم: «الشرع هندي».
7– ويقول بعضهم: «الشرع لا يعرف عاداتنا وتقاليدنا».
8– وبعضهم يقول: «حكم أعوج، ولا شريعة سمحة».
9– وبعضهم يقول: (شرع الرفاقة»[4].
وغير ذلك من الكلمات الخبيثة، الكفرية، والعياذ باللَّه تعالى، فلا يجوز لمسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً عبده ورسوله أن يقول هذه الكلمات، أو يرضى بها، أو يقرُّها؛ لأنها من القوادح في العقيدة، نسأل اللَّه العفو والعافية.
ثالثاً: المثارات: جمع مثار، وسمي مثاراً من الأخذ بالثأر:
ولشدة المطالبة به، والاندفاع الشديد في أخذه، والإصرار عليه، فأشبه فعل الثائر ثوران النار، والمتفجرات، والثأر هو: أخذ الرجل، وقرابته بالثأر، لقريبه، أو جاره، أو خويه، أو ضيفه، أو جيرته «وجهه»، أو قبالته، أو غير ذلك، والثأر يكون بسفك الدم، أو أخذ مقابل مال يدفع للمعتدى عليه، ولا يدخل في أرش الجناية، وإنما هذه عقوبة عاجلة، وللمثارات عدة أنواع، منها:
1 – مثار العاني، والمراد بالعاني: القريب من جهة الأم: كالخال وأبنائه، وأبناء الخالات، وصورة مثار العاني هي مثلاً: إذا كنت من قبيلة، وخالي من قبيلة أخرى، واعتدى أحد من قبيلتي على خالي، فلا بد أن أقوم بأخذ المثار لخالي.
والمثار عبارة عن دم يُنثر نصرةً لخالي، أو مبلغ مالي، أقوم بأخذه من الجاني، أو قبيلته، وأعطيه لخالي كرد اعتبار له، فإذا فعلت ذلك قال بيض اللَّه وجهك، علماً بأن هذا المبلغ، أو هذا الدم المسفوك لا علاقة له بأرش الجناية، ولا يعد صلحاً في القضية، بل للمجنى عليه بعد هذا المثار أن يصلح مع الجاني، أو يقتص منه، وإذا لم يقم بالمثار، فيعتبر أسود وجه، وتكتب عبارة سوّد اللَّه وجه فلان أوآل فلان في الأماكن العامة والطرقات.
2 – مثار الجار: وصورته مثلاً: لو اعتدى أحدٌ على جاري ولم أتمكن من نصرته بيدي بسفك الدم، فلا بد أن آخذ مبلغ مالي من الجاني أو أقاربه وأعطيه لجاري كرد اعتبار له ثم بعد ذلك له أن يصلح من الجاني أو يرفض.
3 – مثار الخوي: وصورته مثلاً: لو كنت مسافراً أو راكباً مع شخص، واعتدى أحد عليه، ولم أتمكن من نصرته بسفك الدم، فلا بد أن أدخل في الموضوع، وأطالب الجاني، وأقاربه بدفع مبلغ مالي لخويي، كرد اعتبار له، ثم بعد ذلك له أن يصلح من الجاني، أو يرفض.
4 – مثار الجيرة، أو «مثار الوجه»: وهو مثلاً لو استجارت قبيلة الجاني عند قبيلة أخرى من قبيلة المجني عليه، واعتدى المجني عليه، أو أحد أفراد قبيلته على قبيلة الجاني؛ فإن القبيلة المجيرة تقوم بأخذ المثار من هذه القبيلة التي اعتدت «على القبيلة المستجيرة عندهم»، ومن لم يأخذ بثأره فيعيَّر، ومن لم يأخذ بثأره؛ فإنه عندهم ناقص الرجولة، ويُقصر عنه النجال! والمثار هو سفك دم، أو غرامة مالية مغلظة، ويسمون هذا الاعتداء الذي حصل على القبيلة المستجيرة «بغضب العمد»، ويعتبرونه وصمة عار على القبيلة المجيرة، قال شاعرهم:
غضب العمد لا ترضى بصلحه
غضب العمد يدخل في البخوت
5- مثار القبالة: وهو إذا أُنهيت قضية سواء بصلح، أو بأحكام جاهلية اشترطت قبيلة الجاني على قبيلة المجني عليه أن يخرجوا لهم قبيلاً يضمن انتهاء القضية، وليت الأمر يتوقف عند هذا، ولكن هذا القبيل يعطونه قبيلة الجاني مبلغ مالي يسمى «بثوب القبالة»؛ فإذا اعتدى أحد من قبيلته على هذه القبيلة التي أعطته مبلغاً؛ فإنه يصبح أسود وجه حتى يثور: إما بسفك دم، أو غرامة مالية يأخذها من قبيلته، ويعطيها للقبيلة التي ضمن لهم انتهاء القضية[5].
6- مثار الضيف، وهو إذا اعتُديَ على الضيف، فيؤخذ له الثأر بسفك الدم من الجاني، أو أحد قرابته، أو يؤخذ له ثأر من المال من قبيلة الجاني، ويدفع لقبيلة المجني عليه.
7- مثار الدم، وهو إذا وقع المثار بإراقة دم الجاني، أو أحد قرابته، فيسمونه بمثار الدم.
8 – المثار الأسود(أو مثار الغضب)، وهو إذا وقع المثار بعد استجارة الجاني، وقرابته بقبيلة مجاورة، أو بعد تحديد القبيل في الحكم القبلي، فيسمونه بالمثار الأسود.
9 – المثار الأبيض،وهو: إذا وقع المثار، وأخذ به بالدم قبل استجارة الجاني وقرابته بقبيلة مجاورة، فيسمونه بالمثار الأبيض، سواء كان بالضرب، أو بإراقة الدم من الجاني نفسه، أو قرابته..
10- المثار الدسم،وهو: إذا تم المثار بقبول مال من قبيلة الجاني، وإعطائه للمجني عليه بواسطة حكم قبلي، يقال عندهم (المثار الدسم)[6].

وهذه العادات عادات محرمة، يجب منعها، والإنكار على من يعملها، أو يعمل بمقتضاها؛ لأن قتل غير القاتل، أو الاعتداء عليه، وإراقة دمه فيما دون النفس، وإن كان من أقرب أقربائه من عادات الجاهلية، ومن أشد أنواع الاعتداء؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[7]؛ ولقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ – عز وجل – مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمِ اللهِ، أَوْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ قَتَلَ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّةِ»[8].
ومعنى قوله: «أو قتل غير قاتله»: أي: قتل غير قاتل قريبه، ومعنى قوله: «أو قتل بذحول الجاهلية»، أي: قتل بجنايات الجاهلية»[9].
رابعاً: الحكم بأيمان مغلظة: دين الخمسة، أو العشرة، أو الخمسة والعشرين، أو دين الأربعين، أو غير ذلك، فهذه أيمان يحكم بها الطواغيت من مقاطع الحق، كما يقولون وغيرهم، وقد يخطُّون دوائر في الأرض، ويكلفون من حكموا عليه باليمين أن يدخل في هذه الدوائر، ولهم في ذلك صيغ كثيرة تختلف من مجتمع إلى مجتمع.
وإذا حكم مقطع الحق بدين الخمسة على قبيلة، ولم يوجد إلا واحد من هذه القبيلة؛ فإن مقطع الحق يكرر عليه اليمين خمس مرات، وقل مثل ذلك في دين العشرة، والخمسة والعشرين….
ومن الأيمان كذلك التي يحكمون بها دين «خطّها والمثل»، ويسمى بدين الوسية، وصورته: «أن يحلف المعتدي وأقاربه أنهم لو كانوا مكان المعتدى عليهم أن يصلحوا كما يحبون من المعتدى عليهم أن يصلحوا، ولهم في ذلك صيغ، منها: «واللَّه لو كنت بالمثل مثلك أن أخلص كما أريد منك أن تخلص. وصيغة ثانية: «واللَّه لو كُنَّا بالمثل مثلكم أن نبلع مبلعكم ونجزع مجزعكم»[10].
ومنها أنهم يحلفون: أنهم ما أهروا، ولا أغروا، ولا تمالوا، ولا رضوا بهذه الجناية، وهذا الفعل حكم عرفي جاهليُّ[11].
خامساً: الجيرة (رِدِّية الشان): وهي توفير الأمن والحماية من القبيلة المجوّرة للجاني، وقرابته من خلال تهديد وتوبيخ المجني عليه وقرابته، فتقوم قرابة الجاني بطلب الجيرة، والمنع من قبيلة أخرى تربطها بقبيلة الجاني، وبقبيلة المجني عليه قرابة محددة في هذا القانون، [فتذهب قبيلة الجاني، أو مجموعة منهم إلى قبيلة أخرى، فإذا وصلوا إلى هذه القبيلة، قالوا: «ترانا رادِّين فيكم الشأن من آل فلان]، فتقوم القبيلة المجوّرة بحمل السلاح، ومنع الجاني وقرابته، وتهديد المجني عليه وقرابته بعدم المساس بالجاني، أو بأي أحد من قرابته [وتقول هذه القبيلة المجوِّرة لقبيلة المجني عليه، أو جماعة منهم: «تراكم مقروعين قرعي الرجال للرجال عن آل فلان»]، وتكون لهذه الجيرة مدة محددة حسب الجناية، فتكون الجيرة سنة في جناية القتل، وستة أشهر في جناية الجروح والكسور، وثلاثة أشهر في جناية الضرب فقط، وإذا اعتدت قرابة المجني عليه على أحد من قرابة الجاني؛ فإن القبيلة المجوّرة تقوم بأخذ الثأر من قرابة المجني عليه، ومن أي فرد من أفرادها!! لاعتدائها على وجهها وجيرتها، ثم تطلب حكماً قبَليّاً يرد اعتبارها… وهذا ما يُعرف عندهم بمثار الجيرة أو الوجه.
ومن أنواع هذه الجيرة ما يسمونه جيرة الغضب، أو جيرة الأسود.

وإذا لم يتجوّر الجاني وقرابته… فإن المجني عليه، وقرابته يرون ذلك إهانة لهم، وتقليلاً من شأنهم، فيطلبون التحاكم إلى مقطع حق لإنصافهم وردّ اعتبارهم!! وبعضهم يقول: الجيرة ردع للمطلق، وناموس للفسل، عبارة مشهورة يرددونها، حول الجيرة ومكانتها، فعلى هذا فالجيرة عندهم مظهر افتخار وكبرياء، فيرضى بها القوي الظالم، وينتفخ بها الضعيف العاجز عن الظلم[12].
والجيرة فيها عدوان، وإيواء للمحدث، وقد ثبت في الحديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدَثَاً»[13].[14]
قال العلامة بكر أبو زيد – رحمه الله -: «إيواء الجاني وحمايته، سواء كان ذلك مطلقاً أم لمدة محدودة، فبعض القبائل تعمد إلى إيواء الجاني، والدفاع عنه إذا دخل في حماها، ولاذ بها، وهذا منكر لا يجوز فعله، فيحرم إيواء الجاني، أو التستر عليه، بل الواجب الإبلاغ عنه، وتسليمه إلى السلطات المسؤولة»[15].
سادساً: الحكم وفض النزاع: هو تحديد الحقوق، وتقدير الشجاج وفض النزاع بين الخصوم وفق العادات، والسلوم، والقوانين القبَليّة، وعلى أيدي قضاتها القبَليِّين الذين عَرفوا، وأتقنوا مواد القانون القبَليّ، وعُرفوا بمسمى: الحق، أو مقطع الحق، أو العُرّاف.
وتبدأ المشاورات، وتحديد مشايخ القبائل العارفين بالسلوم، والقوانين القبَليّة، الذين سيحكمون في القضية، في الموعد المحدد، يحضر مشايخ وأعيان القبائل، ومعهم قبيلة الجاني، ويكون الجميع في موقف خضوع وتذلّل، وفي وضع امتهان خاص.
وتبدأ المداولات… وتدلي قبيلة المجني عليه بتظلمها، ومطالبتها بردِّ اعتبارها، وإملاء مطالبها، وطلبها أيمان قرابة الجاني.
ثم يبدأ بعدها مشايخ القبائل بمداولات الحكم، والمشاورات الخاصة بينهم، ثم يحكمون بأحكام، وأيمان ومبالغ مالية، وفق سلومهم، وما فيها من تقديرات، وأحكام قبَليّة سابقة.
وليس للخصوم إلا القبول بالحكم… وإذا لم يقبل أحد منهم بالحكم القبَلي، فإن قضاة الحكم القبَلي، يتحاكمون وإياه عند مقطع حق أعلى درجة منهم في هذا القانون[16].
وهذا من أخبث العادات الجاهلية، ومن التحاكم إلى الطاغوت الذي أُمر الناس أن يكفروا به، والذين يحكمون بهذا الحكم هم من رؤوس الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل اللَّه تعالى.
سابعاً: القبالة: هي اختيار قبيلة الجاني لرجل من قرابة المجني عليه، يضمن التزام قرابته بالحكم، وتنفيذ بنوده، وتبقى هذه القبالة في ورثته من بعده، فتختار قبيلة الجاني قبيلاً من قرابة المجني عليه، يضمن التزام قرابته بالحكم القبَليّ، ويعطونه مالاً يسمى ثوب القبالة، وسلاحاً يرمز إلى القوة، وتعلن قرابة المجني عليه قبول قبالة قريبهم عليهم.
ثم تنتقل الجيرة من القبيلة المجوِّرة إلى القبيل، تحت مسمى القبالة، وتبقى هذه القبالة في ورثته من بعده.

ويقولون في قانونهم: (القبيل نكَّاس حربة) تعبيراً عن سرعة مبادرته إلى إراقة الدماء، في حالة عدم التزام قرابته بمقتضى قبالته.
وإذا اعتدت قرابة المجني عليه على أحد من قرابة الجاني بعد تعيين القبيل وقبول قبالته، فإن القبيل يأخذ الثأر لقبالته من قرابة المجني عليه الذين هم قرابته، ومن أي فرد منهم، والثأر كما تقدم بسفك الدم، أو أخذ مال كثير طائل يُعطى لمن هم تحت قبالته، وتبقى الجناية لا علاقة لها بهذا الثأر[17].
وهذا عمل جاهلي قبيح، ومن أعمال الجاهلية المحرمة التي يجب على كل مسلم دفنها، والتوبة إلى اللَّه منها إن سبق وفعلها، وحكم بها، أو تحاكم إليها.
ثامناً: الغُرم: وهو حلف إلزام بين القرابة أو القبيلة، بالالتزام بحمل ما يترتب على القرابة، أو القبيلة من المثارات أو الديات، سواء بسبب حوادث، أو القتل الخطأ، أو الشجاج، أو قتل العمد، أو معونات القبائل.
فتقوم قبيلة الجاني بحمل مبالغ الأحكام القبَليّة، حيث يُجمع المبلغ من أفراد القبيلة، ثم يُدفع للمجني عليه وقرابته، ولا يستطيع أحد من أفراد قبيلة الجاني عدم الدفع، ومن يفكر في ذلك يتعرض للأذى الحسِّي والمعنوي، والتهديد بالقطع من القبيلة، وعدم الدفع معه في حوادثه بما فيها جنايات الخطأ، ويدخل في دفع هذا المال كل من بلغ وأخذ إثبات هوية، ولو كان طالباً يدرس، أو فقيراً، أو مصاباً.
وتقام المغارم في أماكن عامة للاستعانة بالقبائل الأخرى، في حالة عجز القبيلة عن دفع المبالغ المقررة في الحكم القبَليّ، ويعتبرون ذلك بمثابة الدَّين بين هذه القبائل[18]، فإذا حصل للقبائل مثل ما حصل لهم، فيلزم أن تقوم بالدفع، وإجبار قبائلهم على ذلك.
وهذا ظلم وعدوان، ومعصية للَّه ورسوله، وأكل لأموال الناس بالباطل، وإلزام لهم بما لم يوجب اللَّه عليهم، ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم -[19].
تاسعاً: إلزام الناس بدفع الأموال، فكل من حمل الهوية الوطنية يجبر على دفع ما يحدد عليه في المغارم، أو يجبر ولي أمره، وسواء كان حامل الهوية صغيراً يدرس، أو كبيراً، أو فقيراً، فإن امتنع هُدِّد بالمقاطعة، أو ولي أمره، وعدم الدفع معه إذا حصل له كارثة: سواء كانت عمداً، أو خطأ.
وهذا من الجرائم، والذنوب، وإلزام الناس بما لم يشرعه اللَّه تعالى، وأكل أموال الناس بالباطل، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»[20].
وهذا يدخل في الحكم بغير ما أنزل اللَّه، وإلزام الناس بما لم يلزمهم اللَّه، وإيجاب هذه الأموال عليهم، ولم يوجبها اللَّه[21].
وقد أفتى الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية، ورئيس قضاتها في عهده – رحمه الله – في بيانه حكم ما تناصرت عليه القبائل، وتكاتفت، وتعاونت في دفع الديات، وأرش جنايات العمد، فأفتى بأن: «… ذلك لا يجوز شرعاً؛ لمخالفته المقتضيات الشرعية؛ ولما فيه من مساعدة المعتدي، وتشجيعه على الاعتداء ما دامت قبيلته تساعده، وتناصره، وتعينه في دفع ما يترتب عليه»[22].
عاشراً: إكراه الناس، والضغط عليهم بقوة لطلب العفو في قتل العمد تقوم القبيلة التي منهم الجاني بطلب الأمراء، والوجهاء بالذهاب إلى قبيلة المجني عليه، ويحدِّدون يوماً يجتمعون فيه؛ ليقابلوهم، ويسألوهم العفو عن قتيلهم، فيأتي هؤلاء الذين منهم الجاني، ويقفون في الشمس، وبعضهم ربما زحف على وجهه، يحبو كالبهيمة، وبعضهم ربما يربط رجله بعقال كالجمل، وخاصة إذا كان بينه وبين المجني عليهم نسب أو قرابة، حتى إنه قد بلغني أن بعض الناس يسجد على وجهه، ويُمعِّر وجهه بالتراب، ويتقدم يزحف على وجهه إلى قبيلة المقتول، فقال بعض أهل الفطرة السليمة من الحضور: لا تسجد السجود للَّه، فقال بعض مشايخ القبائل الذين حضروا: هذا سجود للَّه، وبعض القبائل يحسرون عن رؤوسهم العمائم، والغتر، تذللاً، وخضوعاً لغير اللَّه تعالى، وغير ذلك من الأعمال الشركية، نسأل اللَّه العافية، ومقصدهم من ذلك استعطاف أهل المجني عليه حتى يرحموهم، فيعفوا عن قتيلهم.
وهذه الأعمال فيها معصية للَّه بالتذلل لغيره؛ لأن الذل، والحب، والخضوع للَّه وحده، وهو معنى العبادة؛ لأن العبادة: كمال الحب مع كمال الذل، فلا يصرف التذلل والخضوع إلا للَّه وحده، ومن صرفه لغير اللَّه فقد أشرك.
وبعض هذه الأعمال ردة عن دين الإسلام، فمن سجد لغير اللَّه، أو أقرّ السجود لغير اللَّه وهو يعلم، فقد كفر باللَّه – عز وجل.
الحادي عشر: أخذ ثلث الدم، وهو ما يُعرف بقانون «تثليث الدم»، وصورته: أنه إذا ضرب إنسان، وقدّر دمه بعشرة آلاف مثلاً؛ فإن صاحب هذا الدم لا يحصل إلا على ثلاثة آلاف فقط، وفقاً لقانون «تثليث الدم»، حيث يخصم منه ثلث لما يسمى بـ(الفراش عند بعضهم)، وهي الوليمة التي يجتمعون عليها، والثلث الثاني يهدر، والثلث الباقي يسلم لصاحب الدم، وهذا من الظلم والعدوان، وأكل أموال الناس بالباطل، ومن الحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى[23].
الثاني عشر: ضرب الرأس بالجنبية، فيحكمون على الجاني بأن يُضرب رأسه بالجنبية حتى يسيل الدم، ويستمر في الضرب والدم يسيل حتى يقول خصمه كلمة (أبيض)[24].
الثالث عشر: الحكم بثمن الجنابي، فيقولون نحكم بثمنها، ولا داعي للاعتراض، ولا للضرب بها، فتقدر الجنبية مثلاً بألف ريال، أو أكثر، أو أقل[25].
الرابع عشر: الحكم بما يسمى بـ(الأَسيَّة)، وهي أن يشرع لكل حادثة حكم، مثل: عليك يا فلان خمس من الغنم، أو ست جنابي، أو ثَمَنُها في حادثة من الحوادث، وغداً تقبل مني مثل هذا الحكم المذكور[26].
الخامس عشر: الحكم بما يسمى بـ(أيمان الوَسِيَّة)، وصورتها:
إذا اعتدى شخص على آخر في نفسه، أو ماله؛ فإن المعتدي، أو وليِّه، يحلف أنه لو كان محل المصاب، أو المعتدى على ماله أنه لا يطالبه بشيء.
وهذا إلزام بحكم لم يوجبه اللَّه، ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم -، فهو باطل شرعاً[27].
السادس عشر: (اللاذة)، أو (اللياذة) وهي: عند حصول خصومة بين طرفين في طلب حق، فإن الذي عليه الحق يستليذ بشخص آخر، فيقوم المستلاذ به بردع صاحب الحق، ويطلب منه ترك المطالبة بحقه، فإن عاد إلى المطالبة بحقه، فإن الملاذ به يثور باثني عشر رأساً من الغنم، يسلمها للائذ به، ثم يذهب إلى نائب القبيلة، فيلزم صاحب الحق بتسليم اثني عشر رأساً من الغنم، فيضيع حقه، ويغرم الغنم، وهذا ظلم مضاعف، وهو من أقبح الأعراف الفاسدة، وأشدها ظلماً، وتحريماً، نعوذ باللَّه من الجهل[28].
السابع عشر: اتفاق بعض القبائل بينهم على عدم التبليغ عن أحدٍ يعمل منكراً منهم، والسكوت على منكرات بعضهم، ومقاطعة ومجازاة من يفعل ذلك.
ولا يخفى ما في هذا العمل من الشر العظيم، إذ فيه التواصي بالسكوت عن المنكر، وهذا يجر بلاء وبيلاً على الأمة، وفيه إهمال لقاعدة عظيمة من قواعد هذا الدين، وهي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال اللَّه تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[29].
وقال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾[30].
وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[31].
وقبل هذه الآية جاء ذكر ضدهم، فقال تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾[32].
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ»[33]»[34].
الثامن عشر: (الخاتمة)، أو (الخاتمة العمياء)، أو (الكبارة)، أو (العتامة)، وصورها:
أن بعض القبائل تقوم بالحكم على المخطئ بمبلغ من المال، يعرف بأحد هذه الأسماء، يتم دفعه للمعتدى عليه، وهذا من التحاكم بغير ما أنزل اللَّه، فلا يجوز التحاكم به[35].

التاسع عشر: (المنصوبة): وهي ذبيحة، أو أكثر، تُفْرَضُ على المخطئ، ويّذْهَبُ بها إلى بيت المخطى عليه[36].
العشرون: عادة ما يُسمى بـ(البرهة)، وهي أن يفرض على صاحب الخطأ الأكبر ذبيحتان، أو أكثر، وعلى صاحب الخطأ الأقل ذبيحة واحدة، بالإضافة إلى بعض الأشياء، ويقوم كل واحد بذبح ما وجب عليه، ويحضر أكلها الجماعة، ومن حكم في القضية[37].
الحادي والعشرون: الحكم بما يسمى (عدالة)، وصورتها:
في حال طعن شخص بسكين، أو إطلاق نار عليه، يجلس الطرفان عند نائب القبيلة، فيحكم بفض النزاع، بعد أن يمسح الطرفان على لحاهم بقبول حكمه، فيصدر حكمه على الجاني بما يراه من الغَنَم من عشرة رؤوس إلى خمسمائة رأس، فيكون مقبولاً عندهما، وينفذ حكمه بينهما، وهذا حكم جاهلي، لا يجوز الحكم به، ولا الرضا به[38].
الثاني والعشرون: عادة إيواء الجاني، وحمايته، سواء كان ذلك مطلقاً، أم لمدة محدودة، فبعض القبائل تعمد إلى إيواء الجاني، والدفاع عنه إذا دخل في حماها، ولاذ بها.
وهذا منكر لا يجوز فعله، فيحرم إيواء الجاني، أو التستر عليه، بل الواجب الإبلاغ عنه، وتسليمه إلى السلطات المسؤولة[39].
وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا»[40].
الثالث والعشرون: أخذ القبيلة ثلث دية المتوفى بالقتل العمد أو الخطأ من أوليائه، بحجة أنه حق للقبيلة عليه، وبعضهم يجعلها في ما يسمى بـ(صندوق الجماعة أو القبيلة).
وهذا العمل من أكل أموال الناس بالباطل، فيحرم أخذ هذا المبلغ من الورثة، وما ذكر من الاحتجاج بحق القبيلة باطل لا أساس له في الشرع المطهر.
وقد تَعْمَدُ القبيلة إلى التفاوض في أمر القتيل مع الجاني، أو قبيلته، وإنهاء الأمر بالمطالبة بالقصاص، أو الدية، أو العفو مطلقاً دون اعتبار لرأي الورثة، وهذا خطأ، وظلم، واعتداء على حقوق الناس؛ فإن الشأن، والأمر لهم وحدهم، اللهمّ إلا أن يكلوا ذلك إلى غيرهم، كشيخ القبيلة، أو غيره، ويرضوا بذلك[41].
الرابع والعشرون: إلغاء الدية على العاقلة، وإلزام الجماعة، أو القبيلة ذات الحلف إذا كان عددها كثيراً بتحمل دية الخطأ عن ذات العدد القليل.
والمشروع أن عاقلة الجاني هي التي تتحمل عنه دية الخطأ، وهم: ذكور عصبته نسباً وولاء: قريبهم، وبعيدهم؛ حاضرهم، وغائبهم حتى عمودي نسبه، فهؤلاء هم الذين يتحملون عنه دية الخطأ، وليس غيرهم، فالزوج – مثلاً – والإخوة لأم، وسائر ذوي الأرحام لا يتحملون من الدية شيئاً شرعاً.
والحكمة في إيجاب دية الخطأ على العاقلة، لا على الجاني، هو أن القتل خطأ يكثر، فإيجاب الدية على القاتل يجحف به؛ ولأن العصبة يشدون أزر قريبهم، وينصرونه حتى استوى بذلك: قريبهم، وبعيدهم في العقل[42].
الخامس والعشرون: تعزير المعتدي، أو المخطئ بقدر ما ارتكبه من الاعتداء، أو الخطأ؛ تأديباً له، وتطييباً لخاطر المعتدى عليهم، بذبح شاة، أو شاتين للقبيلة، وهذا تأديب ممن لا يملكه شرعاً، ثم هو قدر زائد على العقوبات التعزيرية التي مردها إلى القضاء، لا الأعراف القبلية، فلا يجوز فعل ذلك[43].
السادس والعشرون: عقر الإبل، أو الغنم في عادات بعض القبائل، وصورتها:
إذا حصل منازعات بين قبيلتين أو أكثر، يذهب بعض المصلحين كما يزعمون إلى القبيلة المظلومة، أو إلى الجميع، ويحملون معهم رأساً من الإبل أو أكثر، أو من البقر، أو الغنم؛ فإذا وصلوا إلى الخصوم عقروها عندهم، تطييباً لخواطرهم، وهذا من الإثم والعدوان، ومن عادات الجاهلية، الذين يعقرون هذا العقر، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لاَ عَقْرَ فِي الإِسْلاَمِ»[44]، وذلك لإبطال أمر الجاهلية[45].
السابع والعشرون: (الملفى) على المعتدى عليه من عادات بعض القبائل:
وصورته: أنه إذا حصل مضاربة بين اثنين أو أكثر، وفيه دم، فيقوم شيخ القبيلة وأعيان القبيلة بما يسمى (الملفى)، وهو عبارة عن ذبيحة، أو ذبيحتين لتقديمها للمصاب وجماعته، ومعها بعض من النقود، فهذا العمل إذا كان من باب الإيجاب، والإلزام للمعتدي، وإن لم يرض عُدَّ ذلك خرقاً للعادات القبلية، فهذا أمر منكر، وإيجابٌ لشيءٍ لم يوجبه اللَّه على عباده[46].
الثامن والعشرون: غضب قبيلة قاتل العمد على قبيلة المقتول:
إذا أقيم على القاتل القصاص، ولم يعفوا عنه، فيحضرون ساحة إقامة القصاص، ويغشاهم التذلل لقبيلة المقتول، وربما بركوا على الرُّكب، وحسروا رؤوسهم، وسألوا أهل المجني عليه، فإذا لم يحصل العفو، ونُفِّذ القصاص، فإنهم يتلقون هذا القصاص بعدم الرضا بالحكم، وتسمع من بعضهم الكلمات التي تدل على سخطهم، فيقول بعضهم: «سوَّد اللَّه وجوهكم يا آل فلان»، ويهجرونهم، ويقاطعونهم، مقاطعة دائمة، ويعتبرون جميع القبيلة من أعدائهم، ولا يزوجونهم، ولا يتزوجون منهم في الغالب.
وهذا فيه اعتراض على حكم اللَّه بالقصاص إذا لم يعفُ ورثة المقتول، أو يقبلوا الدية، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[47].
التاسع والعشرون: العادات والأعراف القبلية برواية فضيلة الشيخ: أحمد بن سعد بن متعب القحطاني:
أخبرني الشيخ أحمد، وهو عندي من الثقات بكثير من العادات القبلية الجاهلية المخالفة للشريعة الإسلامية، فقال في سلوم القبائل: “هذه السلوم تطبق في كثير من قبائل المنطقة الجنوبية، ومن حولها، وهذه العادات والأعراف على النحو الآتي:

أولاً: مسمياتها:
1- سلوم القبائل. 2- عوايد القبائل. 3- أعراف القبائل.
4- عادات القبائل. 5- حقوق القبائل. 6- شرع الرفاقة.
7- القوادي (جمع قادي).
ثانياً: لكل قبيلة سلوم قد تشترك في بعضها، وقد يكون بينها اختلاف، وكلما قرب المكان توافقت السلوم.
فيقال مثلاً:
1- سلوم الحباب. 2- سلوم عبيدة. 3- سلوم الجحادر.
4- سلوم قحطان. 5- سلوم يام. 6-سلوم شهران.
وهكذا
.ثالثاً: مسميات من يحكم بها:
حقيقة هذه السلوم قوانين محفوظة ومعروفة، والذي يتحاكمون إليه، ويحكم بها عند النزاع يسمى:
1- حق.
2- مقطع حق.
3- مقرع حق.
4- العارف جمع عُرّاف.

[و]غالبهم من شيوخ، أو نواب القبائل، وهم عامة ليسوا من أهل العلم، ولا من طلبة العلم.

وحقيقة أمرهم: قضاة قانون قبلي؛ لذلك يقولون عند بداية التحاكم:
احكم بيننا يا قاضينا، يا اللي بالحق ترضينا.

ويقال لما يحكم به: «فرض»، أو «حكم».

قال أحد الشعراء [منهم]:
آل فلان أهل المدح جدا
شيخهم ما يجعل الفرض مايل

فسماه الفرض؛ لأن الممدوحين من قبيلة يكثر فيها الذين يحكمون بهذه السلوم، بل هذه السلوم مرجع لهم عند النزاع، ويسمونها شرع وشريعة.

قال أحد الشعراء [منهم]:
سنِّدوا تكفون بوجيه الركايب
للرجال اللي معرفتهم طبيعة
نوِّخُوا عند آل (فلان) الطيابي
للقبايل عندهم سلم وشريعة
مقطع الحق ابن (فلان) (الفلاني)
شيخته ما هي بتقليد وبديعة

فوصفهم بأنهم أهل سلم وشريعة؛ لأنهم مرجع في هذه السلوم لدى قبائلهم. ومصدر الحكم ومستنده هذه السلوم والقوانين، فينزل السلم المناسب على الواقعة المناسبة حسب ذلك القانون.

وعند الاختلاف في الحكم، أو الاعتراض عليه، يتحاكم ذلك العارف هو ومن اعترض عليه عند مقرع حق أعلى منه.

رابعاً: مصادر السلوم والعادات:
حقيقة ذلك: تمييز الحكم استناداً لتلك القوانين ليلزم به وينفذ.
من أين أتت، وكيف شرعت؟ [جاءت من هذه المصادر والطرق الآتية]:
1- الآباء والأجداد لذلك يقولون: «سلم أبوي وجدي».
2- السوالف والسوابق.
3- الاتفاق والتعاقد.
4- الخرافات والأساطير؛ لذلك يقولون: «الجوار في السماء» يزعمون أن نجماً اعتدى على نجم، وأجارته مجموعة منها…
خامساً: نماذج من تلك القوانين:
1- المثارات: جمع مثار، وهو دم، أو مال، ومنه: مثار أبيض، ومثار أسود: «مثار العاني» جمعه: عواني، أو مثار الخال.
• مثار الوجه، أو الغضب، أو الجيرة.
• مثار الخوي.
• مثار الضيف.
• مثار الجار.

2- الأيمان: ويسمون اليمين الدين، وهي أنواع، منها:
1- دين الخمسة.
2- دين الاثني عشر.
3- دين الاثنين والعشرين.
4- دين الأربعة والأربعين في حالة القتل.
5- دين المثل، أو خطها والمثل.
6- دين أو يمين عامة يحكم بها للتراضي، ولكن لا يقبلها إلا بعد حكم عارف.

صيغة الحلف، وكيفية أدائه:
يخط خطاً أو دائرة، فيدخل فيها من يريد أداء اليمين، ولهم صيغ في أداء القسم، منها:
• واللَّه قاطع المال، والذريَّة، والعصبة القويّة إنا ما أغرينا، ولا أهرينا، ولا دوّرنا، ولا تمالينا.

• واللَّه عالم الغيب والشهادة لو كنَّا بالمثل مثلكم أن نجزع مجزعكم، ونبلع مبلعكم.

والبعض لم يعد يطبق هذه الطريقة، وإنما يحلف مباشرة.

ولكن لا زال مبدأ التحاكم إليها، وطلب تنفيذها موجوداً كشرط يُملى عليهم ليتم الصلح، فيكون الصلح أحياناً مشروطاً بأداء مثل هذه الأيمان حسب نوع القضية.

3- القبالة: ويسمى من يحملها: (القبيل). ما هو دوره؟.
ودوره لو حصل خلاف ذلك ما الحكم المترتب؟ «مثار وجه»؟.
4- الجيرة: أو الجوار، ومن مصطلحاته: ثمان الأسود.
5- الغضب: وهو الاعتداء على المجار أثناء الجيرة، ويترتب عليه مثار الوجه، أو مثار الجيرة، وهو دم أو مال يحكم به عارف.
6- السواد: نوع من الشتم والسب عند التهاون في تطبيق السلوم حسب الواقعة، وقد يوجه لشخص بعينه، أو قبيلة بعينها، وله صيغ يكتب بها في أماكن عامة على الطرق والشوارع والصخور الكبيرة، وقد يرفع راية سوداء علامة على السواد، وقد ينادى به في أماكن عامة، كالأسواق ليسمعه الناس، ويترتب عليه مشكلات، وتشاحن، وتحاكم إلى مقرع حق، ومن صيغه:
• سوّد اللَّه وجه فلان.
• سوَّد اللَّه وجيه آل فلان.
• آل فلان سودان وجيه حتى يثورون، يعني: يفعلون المثار.
وهذه قد يقولها العارف أثناء التحاكم، فيقول:
آل فلان في سلومنا سودان وجيه حتى يفعلوا كذا وكذا.
ويقابل السواد البياض، ويكون بعد تطبيق السلم.
فيقول العاني بعد دفع المثار مثلاً: بيّض اللَّه وجه فلان، أو وجيه آل فلان.
7- الغرم: وهو حلف بين القبيلة الواحدة، أو الفخذ الواحد على التعاون بالسوية في دفع الديات.
وهذا الغرم يرأسه شيخ القبيلة، أو نائبها، وكل فخذ عليه نائب من مسؤوليته جمع القطات (أي المبالغ المالية)، وهو النصيب الواجب دفعه، ومن دخل معهم، وهو تعاقد على الالتزام بدفع أي مبلغ يترتب على أحدهم من الديات، أو المثارات، أو الحُمْلة، أو المعونات للقبائل الأخرى، ويعتبر هذا التعاقد ملزماً لأفراده، فيجب عليه الدفع في دية العمد، ودية الخطأ، والصلح، وغيرها في حق أو باطل، ولا يفرقون بين أقارب الجاني وغيرهم، ولا الفقير والغني، ولا الحاضر والغائب، إلا أن المرأة ليس عليها قطة، ولا على الصغير الذي لا يحمل البطاقة، بل أفراد القبيلة يدفعون بالسوية – حامل البطاقة – وهناك بعض القبائل يجعلون القطة على جميع أفراد القبيلة الذكور، حتى الرضيع، ومن لم يدفع، وامتنع، فيعتبر عيباً وعاراً، ويقولون له: تغرم معنا، أو نقاطعك بمعنى لا يقومون معه في الديات لو حصل عليه شيء، حتى لو كان ذلك يجب شرعاً كالعاقلة.

ويسمى الواحد (غرَّام)، ومن أراد الدخول في هذا الحلف من غيرهم، فيكون: «ذبح شاة الغرم».
ولهم اجتماعات يتداولون فيها الرأي، والبعض كوَّن صندوق مسبق [تجمع فيه الأموال].
ولها قوانين مثل: الثلثة: وتجب عند بعض القبائل على من أتاه دية أو أرش جناية، فيدفع ثلثها لصندوق الجماعة، أو مغرمهم حتى لو كان هذا المال لورثة المقتول، فثلثه للصندوق، وهذا عند بعض القبائل، وبعضهم ألغاه، وبعضهم خففه.
8- بعض العبارات، وتفسيرها:
• قطع القادي على ابن عمه: يعنون به من طلب منه التحاكم، أو الترافع إلى سلوم القبائل عند أحد أعرافهم، فرفض التحاكم إليهم.
• صلح أعوج، ولا شريعة سمحة: يعنون بالصلح الأعوج: الصلح حسب سلومهم وأعرافهم، ولو كان يشتمل على عقوبات شديدة، كالمبالغ الهائلة، والأيمان المغلظة، والجلاء من الديار ونحوه، مما قد يحكم به عراف القبائل.
ويظنون أن هذا الصلح الأعوج كما وصفوه خير وأحسن من التحاكم للشريعة الإسلامية السمحة.
9- السعي إلى إبطال الحدود بالشفاعات، والمشورات، وبذل الأموال الكثيرة: يقول العلامة محمد بن إبراهيم – رحمه الله -: «… ثم هناك مسألة تقع كثيراً، وهي أن بعض الناس قد يعتدي، ويقتل عمداً وعدواناً، ثم يلتجئ إلى أناس لا يمكن أنهم باللفظ يمنعون ما يجب عليه من حق القود، لكن يسعون بالشفاعات والمشورات، وبذل أموال كثيرة، وهم بلسان الحال كالممتنعين عن إقامة الحد، وهذا يحصل به فساد كبير، يعترضون اعتراضاً تاماً، فإذا كثر الشور الذي كالقهر، فينبغي أن يقابل بالرد، أما مطلق السعي أو الحاكم يشير بقبول الدية، فهذا خير»[48].
10- العاني: قد يتساءل بعض الناس ما هو العاني، وما هي العنوة، فهي عادات، وسلوم عند القبائل التي ما زالت تتمسك بالعنوة حتى الآن، وأقسام العنوة كثيرة، ومنها:
(1) الخال: وهو أخو الأم، سواء من الأب، والأم، أو من الأب دون الأم، أو من الأم دون الأب، أو من الرضاع، والخال يعتبر عانياً إذا كان من أخته أولاد، فهو عانٍ على قبيلتهم، وتشتمل العنوة أيضاً على:
(2) الجد.
(3) الجدة.
(4) الخالة.

ويقوم الرجل دون عانيه على شرط أن الخطأ عليه، وليس منه، فإذا كان الخطأ عليه قام دونه، وإذا كان الخطأ من الخال طلبوا المخطى عليهم من عانيه تقديمه للحق حسب السلوم، والعادات المتفق عليها بين القبائل، ومما قال بعض الشعراء[49] في هذا الموضوع في قصيدة طويلة وقديمة:

سلومنا يا ناشدٍ عن سلومنا
بين العرب بالعز تم اشتهارها
منها إلى جا المعتدي ضد خالنا
لو كان من الادنين نأخذ بثأرها

11- الجيرة: هي تعني الأمن والحماية المتعارف عليها بين أفراد القبيلة والقبائل الأخرى، والجيرة تحمي بها القبيلة أفرادها، ومن لجأ إليها من القبائل، ومدتها تختلف حسب المتعارف عليه ثلاث فترات:
أولاً: (سنة وشهران) أربعة عشر شهراً، وهذا في قضية القتل.
ثانياً: (ستة أشهر) في ما دون القتل مثل الكسور والجروح الكبيرة.
ثالثاً: (ثلاثة أشهر) في قضية الضرب وغيره.
والجيرة من العادات القديمة الموروثة عند القبائل منذ قرون عديدة جداً.
12- رد الشأن: وهو من يقوم بطلب الحماية للمعتدي وقبيلته، ويكون في وقت القضية، وبعد ذلك يصبح جوير للقبيلة التي لجأ إليها يعني رد فيها الشأن.
13- المجوِّر: وهو من يقوم بالحماية باسم قبيلة، ويكون هو المكلف بأخذ المثار إذا حصل اعتداء على من استجار به.
14- القرعي: هو منع وإيقاف الاعتداء على من طلب الحماية، ويقوم به أفراد القبيلة، وإذا حصل من الخصم على خصمه، فإن القبيلة الحامية تقوم بالثأر، ويسمى الاعتداء الغضب.
15- المثار: هو رد اعتبار وانتقام، تقوم به القبيلة الحامية لمن اعتدي عليه، وهو في حمايتها، وهو نوعان:
(1) (مثار دم): وهو الأخذ بالمثل أدناه الضرب، وأعلاه القتل.

(2) (مثار دسم):وهو عبارة عن تعويض مادي يدفعه من اعتدى، وهو يعلم أن المعتدى عليه في حماية القبيلة، وتحدده القبيلة الحامية.
16- المجليات (جيرة الأسود): المجليات هي حماية قصيرة جداً، ومدتها ثمانية أيام بلياليها، وتعطى الخائف الذي ليس له جيرة، أو من اعتدى على آخر، وهو في حماية القبيلة فسموها المجليات، حيث يذهب بها من بلاد الخوف إلى بلاد الأمان.
17- الجوير: هو من طلب الحماية سواء من الأفراد أو من القبائل، ويسمى جوير، حيث إنه في حماية هذه القبيلة التي طلب منها الجيرة.
18- الإغضاب: هو من قام بالاعتداء، وهو يعلم أن المعتدى عليه في حماية قبيلة أخرى [أي في جيرتها].
19- اليمين: دين الخمسة، أو دين اثني عشر، أو دين أربعة وعشرين حالف، وهو يمين يؤخذ على من قام بالاعتداء إذا أنكر أنه يعلم أن المعتدى عليه في حماية القبيلة، ويكون عند الحق المرتضى [الذي يحكم بذلك حكماً ملزماً].
20- الحق: هو رجل معروف بين الناس بقدرته على تطبيق السلوم، والقوانين القبلية، ويلزمهم بها، وإذا لم يقبلوا حكمه (فرفضوه) حاكمهم إلى حق آخر، أعلى منه درجة (وفي الحقيقة هذا قاضي قبلي يحكم بالسلوم القبلية).
21- القبيل: هو أحد الرجال الموثوق فيهم [قبلياً]، وهو قبيل على الصلح بين الأخصام، أو الأطراف المتنازعة، حيث ينتخبونه قبيل لهم [أي ضمين] في ما تم الاتفاق عليه، ويترتب على ذلك عدم النقض أو الاعتداء، ويعطى القبيل ثوب القبالة، وهو مبلغ من المال، أو هدية ثمينة مقابل قبالته [وقد تكون في الأزمان المتأخرة سيارة فخمة قد يزيد ثمنها على ثلاثمائة ألف، وخاصة في قضايا قتل العمد]، ويعطى بندقية ترمز إلى قوة منزلته وتخويله باستعمال القوة، في حالة نقض الصلح، والحكم، أو اعتراضهم عليه.
قلت: وهذه العادات كلها مخالفة للشريعة الإسلامية، والحكم بها حكم بغير ما أنزل اللَّه، ومن حكم بها فهو من رؤوس الطواغيت الذين أمر اللَّه بالكفر بهم، ومن تحاكم إليها فقد تحاكم إلى الطواغيت.
سادساً: عادات وأعراف قبلية تطبق في تهامة في الجنوب الغربي للمملكة العربية السعودية:
أخبرني الشيخ أحمد عن عادات قبلية تطبق في تهامة، ذكر منها:
1- ما يعرف بقانون (تثليث الدم)، وصورته: أنه إذا ضُرب إنسان، وقُدّر دمه بمبلغ من المال؛ فإن صاحب هذا الدم لا يحصل له إلا ثلث ذلك المبلغ، حيث يخصم منه ثلث ما يسمى (بالفراش)، وهي الوليمة التي يجتمعون عليها، والثلث الثاني يهدر، والثلث الباقي يسلم لصاحب الدم.
2- ضرب الرأس بالجنبية: وهو أن بعضهم يحكم على الجاني بأن يضرب رأسه بالجنبية حتى يسيل الدم، ويستمر في الضرب، والدم يسيل حتى يقول خصمه كلمة (أبيض).
3- الحكم بثمن الجنابي: فيحكم المقرع بثمنها، ولا داعي للاعتراض، فتقدر الجنبية بثمن.
4- الأسيّة: وهي أن يشرع لكل حادثة حكم، مثل: عليك يا فلان كذا، وكذا.
5- أيمان الأسيّة: وهي يمين المثل، أو يقولون يحلف على خطها والمثل[51].
6- اللاذة أو اللياذة: وهي عند حصول خصومة بين طرفين في طلب الحق؛ فإن الذي عليه الحق يستليذ بشخص آخر، فيقوم المستلاذ به بردع صاحب الحق، ويطلب منه ترك المطالبة بحقه، فإن عاد إلى المطالبة بحقه؛ فإن الملاذ به يثور.

7- الخاتمة: أو (الخاتمة العمياء)، أو (الكبارة)، أو (العتامة)، ومن صورها:
أن بعض القبائل تقوم بالحكم على المخطئ بمبلغ من المال يعرف بأحد هذه الأسماء، يتم دفعه للمعتدى عليه.
8- المنصوبة: وهي ذبيحة أو أكثر، تفرض على المخطئ.
9- البرهة: وهي أن يفرض على صاحب الخطأ الأكبر ذبيحتان أو أكثر، وعلى صاحب الخطأ الأقل ذبيحة واحدة، بالإضافة إلى بعض الأشياء، ويقوم كل واحد بذبح ما وجب عليه، ويحضر أكلها الجماعة، ومن يحكم في القضية.
10- أخذ الثأر من قبيلة الجاني بقتل أحد منهم: ثم يحكم في القضية (رجٌل برجل).
11- عدالة وصورتها: في حالة طعن شخص بسكين، أو إطلاق نار عليه يجلس الطرفان عند شيخ القبيلة، فيحكم بفض النزاع، بعد أن يمسح كل واحد منهما على لحيته بقبول الحكم.
12- أخذ القبيلة ثلث دية المتوفى [المقتول] من أوليائه بحجة أنه حق للقبيلة عليه[52].

قلت: وهذه العادات والأعراف الجاهلية مخالفة للشريعة الإسلامية، ومضادة لها، والعمل بها عمل بأحكام الطواغيت، والحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[53]، فمن حكم بها فهو من رؤوس الطواغيت، ومن تحاكم إلى من يحكم بها فقد تحاكم إلى الطاغوت الذي أُمر أن يكفر به؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾[54].
فمن قال: إن الحكم بهذه العادات، أفضل وأحسن من الحكم بالشريعة الإسلامية، أو أنها مثل الشريعة الإسلامية، أو يجوز الحكم بها؛ لأن الشريعة الإسلامية لا تحل المشكلات بين الناس، فهو كافر باللَّه رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلاَّ باللَّه[55].
المبحث الثاني: الأدلة الساطعة على تحريم الحكم بالأعراف، والعادات الجاهلية القبلية
الدليل الأول: قول اللَّه – عز وجل -: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا﴾[56].
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: «هذا إنكار من اللَّه – عز وجل -، على من يدّعي الإيمان بما أنزل اللَّه على رسوله، وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب اللَّه وسنة رسوله»، ثم ذكر – رحمه الله – سبب نزول الآية، ثم قال: «والآية أعم من ذلك كله؛ فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هاهنا»[57].
وقال السعدي – رحمه الله -: «يُعجِّبُ تعالى عباده من حالة المنافقين. ﴿الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ﴾ مؤمنون بما جاء به الرسول، وبما قبله، ومع هذا ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾، وهو كل من حكم بغير شرع اللَّه فهو طاغوت.
والحال أنهم ﴿قد أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾، فكيف يجتمع هذا والإيمان؟ فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع اللَّه، وتحكيمه في كل أمر من الأمور، فمَنْ زعم أنه مؤمن، واختار حكم الطاغوت على حكم اللَّه، فهو كاذب في ذلك، وهذا من إضلال الشيطان إياهم؛ ولهذا قال: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا﴾ عن الحق»[58].
الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾[59].
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: «قوله: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، قال مجاهد، وغير واحد من السلف: أي: إلى كتاب اللَّه وسنة رسوله.
وهذا أمر من اللَّه – عز وجل – بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾[60]، فما حكم به كتاب اللَّه وسنة رسوله، وشهدا له بالصحة، فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أي: ردّوا الخصومات والجهالات إلى كتاب اللَّه وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾، فدلّ على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمناً باللَّه، ولا باليوم الآخر.
وقوله: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ أي: التحاكم إلى كتاب اللَّه، وسنة رسوله، والرجوع في فصل النزاع إليهما خير ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ أي: وأحسن عاقبة ومآلاً…»[61].
وقال العلامة السعدي – رحمه الله -: «…أمر – سبحان وتعالى – بردِّ كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى اللَّه وإلى رسوله – صلى الله عليه وسلم -، أي: إلى كتاب اللَّه، وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما، أو عمومهما، أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه؛ لأن كتاب اللَّه، وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما.
فالرد إليهما شرط في الإيمان؛ فلهذا قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾، فدلّ ذلك على أن من لم يردّ إليهما مسائل النزاع؛ فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها ﴿ذَلِكَ﴾ أي: الردّ إلى اللَّه ورسوله ﴿خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾؛ فإن حكم اللَّه ورسوله أحسن الأحكام، وأعدلها، وأصلحها للناس في أمر دينهم، ودنياهم، وعاقبتهم»[62].
الدليل الثالث: قول اللَّه تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا﴾[63].
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: «يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكِّم الرسول – صلى الله عليه وسلم – في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً؛ ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ أي: إذا حكَّموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليماً كُليّاً من غير ممانعة، ولا مدافعة، ولا منازعة، كما ورد في الحديث: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَــبَعًا لَمَّا جِئْتُ بِهِ»[64]»[65].
وقال العلامة السعدي – رحمه الله -: «… أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي: في كل شيء يحصل فيه اختلاف، بخلاف مسائل الإجماع، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن.
فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان، فمَن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها، فمَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له، فهو كافر، ومَن تركه، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين»[66].
الدليل الرابع: قوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[67].
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: «ينكر اللَّه تعالى على من خرج عن حكم اللَّه المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شرٍّ، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة اللَّه، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم [جنكيز خان]، الذي وضع لهم السّياق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية، والنصرانية، والملة الإسلامية، وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره، وهواه، فصارت في بنيه شرعًا مُتَّبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب اللَّه، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم اللَّه ورسوله، فلا يُحكِّم سواه في قليل ولا كثير، قال اللَّه تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾، أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم اللَّه يعدلون. ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أي: ومن أعدل من اللَّه في حكمه لمن عَقل عن اللَّه شرعه، وآمن به، وأيقن، وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء»[68].
وقال العلامة السعدي – رحمه الله -: «﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ أي: أفيطلبون بتوليهم، وإعراضهم عنك حكم الجاهلية، وهو كل حكم خالف ما أنزل اللَّه على رسوله، فلا ثَمَّ إلا حكم اللَّه ورسوله، أو حكم الجاهلية، فمن أعرض عن الأول ابتلي بالثاني المبني على الجهل، والظلم، والغي؛ ولهذا أضافه اللَّه للجاهلية، وأما حكم اللَّه تعالى فمبني على العلم، والعدل والقسط، والنور والهدى.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.