الوضع السكاني في دول مجلس التعاون

إن معظم دول مجلس التعاون الخليجي تواجه خللاً مزدوجاً في التركيبة السكانية بدرجات متفاوتة، ويتمثل هذا الخلل في جوار إقليمي ذي كثافة سكانية كبيرة من جهة، وفي خلل داخلي من جهة أخرى حيث أصبحت العمالة الوافدة في بعض الدول تمثل أغلبية سكانية، وهذا يتطلب وضع سياسة اجتماعية وسياسة اقتصادية وإنسانية، مبنية على رؤية جماعية محلية لمعالجة هذا الخلل، حيث إنه من الصعب التغلب على جميع أبعادها في المديين القريب والمتوسط.

أولاً: مظاهر وأسباب الخلل السكاني في دول المجلس في الوقت الحاضر

إن من أهم مظاهر اختلال هيكل السكان وقوة العمل في دول مجلس التعاون الخليجي هو نمو عدد السكان في الخليج من 4 ملايين عام 1950 إلى حوالي 32.8 مليون نسمة في عام 2004، أي حوالي ثمانية أضعاف. وكان معدل نمو السكان في دول المجلس أكبر معدلات النمو في العالم. ومن العوامل التي ساعدت على النمو السكاني تحسن الخدمات الصحية وتحسن مستويات المعيشة بشكل عام، الأمر الذي أدى إلى خفض معدلات الوفيات بين الأطفال في الوقت الذي ارتفعت فيه توقعات الحياة. وكانت هناك حاجة للنمو السكاني المرتفع في المراحل الأولى لاكتشاف النفط في ظل الندرة الواضحة للسكان الوطنيين وتزايد الاعتماد على العمالة الوافدة، غير أن مستويات النمو الحالية أصبحت تمثل تهديداً واضحاً لاقتصاديات دول الخليج مع تراجع متوسط نصيب الفرد من الناتج وتزايد أعداد الداخلين الجدد لسوق العمل. إذ يترتب على النمو السكاني مزيد من الضغوط على الخدمات العامة ونفقات الرفاه الاجتماعي والبنى التحتية ودعم السلع الأساسية للسكان، وعلى قدرة تلك الاقتصاديات وبشكل خاص القطاع العام على توفير وظائف للداخلين الجدد.

إن العمالة الوافدة ما زالت تسيطر على أسواق العمل في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تمثل العمالة الوافدة حوالي ضعفي العمالة الوطنية في المتوسط، وفيما عدا المملكة العربية السعودية وعمان حيث تتساوى نسب العمالة الوطنية والوافدة في إجمالي قوة العمل تقريباً، فإن نسبة العمالة الوافدة تصل إلى حوالي 58.8 في المائة في البحرين وإلى 85.9 في المائة في قطر، وإلى 91.3 في المائة في الإمارات وإلى 80.3 في المائة في الكويت كما يتضح من الجدول رقم (1). وعلى الرغم من محاولات الحد من العمالة الوافدة وجهود إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، إلا أن العمالة الوافدة ازدادت بشكل عام في تلك الدول.

فالإمارات كما يتضح من الجدول رقم (1) في عام 2003 لم يعد يمثل مواطنوها سوى 21 في المائة من إجمالي السكان 8.7 في المائة فقط من قوة العمل. وقطر ليست أفضل حالاً حيث لا تتجاوز نسبة المواطنين 30 في المائة وفي قوة العمل 14.1 في المائة فقط. والكويت التي أتيحت لها في مطلع التسعينات فرصة إعادة ترتيب سياستها السكانية، عادت بسرعة إلى وضع أكثر اختلالاً. وحسب إحصائيات عام 2003، شكل الوافدون نسبة 61.9 في المائة من السكان و80.3 في المائة من قوة العمل. ويؤدي استمرار الخلل السكاني الراهن في دول المنطقة عامة، وفي الإمارات وقطر بشكل خاص، إلى مخاطر على الأمن الوطني والإقليمي والقومي للمجتمعات الأصلية ويهدد وجودها بالضياع بعد أن أصبح المواطنون مجرد أقلية.

إن إصلاح الخلل في التركيبة السكانية في حاجة إلى وقفة جادة وإعادة تفكير والقيام بتقييم السياسات والآليات والإجراءات التي فشلت في علاجه، بعد أن أصبحت ظاهرة الخلل السكاني إشكالية مركبة، تتطلب فهماً عميقاً لتعقيداتها وتعاملاً ذكياً مع شبكة المصالح المرتبطة بها. كما أن علاجها تدريجياً ومقاربة إشكالياتها، يتطلبان نمو إرادة مجتمعية لم تكن موجودة في السابق ولا هي على قائمة أولويات حكومات المنطقة ولا حتى في صلب اهتمامات أهلها.

ثانياً: آثار الخلل السكاني في دول التعاون

إن استمرار اختلال هيكل السكان وسوق العمل في المستقبل يحمل معه الكثير من المخاطر والآثار في دول مجلس التعاون، ويمكن تلخيص تلك الآثار في الآتي:

– الاعتماد شبه المطلق على قوة العمل الوافدة أدى إلى تراجع الدور الإنتاجي للمواطنين. لقد فاقت نسبة قوة العمل الوافدة أو ناهزت الثلاثة أرباع في الإمارات وقطر والكويت وعمان، وزادت على النصف في البحرين والمملكة العربية السعودية، وبذلك أزاح الوافدون قوة العمل المواطنة من سوق العمل.

– البطالة المتصاعدة التي أصبحت اليوم ظاهرة خطيرة بدول المنطقة لا سيما في الدول الكبيرة وذات الكثافة السكانية العالية. هذا إضافة إلى تفاقم ما كانت تعانيه المنطقة دائما من بطالة اجتماعية بين النساء بسبب ضيق مجالات العمل المتاحة لهن، إلى جانب بطالة مرفهة واجتماعية نتيجة لتدني المستوى الوظيفي المتاح أو الأجور المعروضة، عما يعتقد العاطل أنه المستوى الملائم لمكانته الاجتماعية والاقتصادية تجعله يفضل الانسحاب من سوق العمل بدلاً من منافسة الوافدين على وظائف غير مجزية الأجر.

– الحالة التي وصلت إليها مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي تنذر اليوم بتداعيات إضافية خطيرة على وجود هذه المجتمعات وهويتها الجامعة في وقت تتعرض فيه هذه الدول إلى متغيرات دولية وإقليمية جديدة لم تعهدها من قبل، وأن هذه الاختلالات تهدد مستقبل الاستقرار والأمن لتك الدول. ذلك أن التدهور الاقتصادي وانخفاض مستويات الرفاهية للسكان وانتشار البطالة تمثل بيئة خصبة لانتشار الجريمة بأشكالها المختلفة وانتشار الإرهاب والتطرف الديني ونمو التنظيمات المناهضة للنظم السياسية الحاكمة، حيث ترى تلك التنظيمات أن المؤسسات الحاكمة هي المسبب الأساسي لهذه المشكلات، وأن التخلص من تلك المؤسسات هو السبيل للإنقاذ والسبيل نحو مستقبل أفضل لجموع الشعب، وغيرها من الدعوات الهدامة التي قد تهدد الاستقرار الأمني والسياسي الذي تنعم به مجتمعات دول الخليج.

– إن زيادة نسبة السكان المهاجرين فرضت تبعات اقتصادية على دول المجلس وذلك بزيادة النفقات على البنى التحتية وخدمات التعليم والصحة بالإضافة إلى ما تمثله قوة العمل من هؤلاء المهاجرين من تدفق الأموال المحلية إلى خارج دول المجلس.

– إن زيادة معاناة دول مجلس التعاون من المشكلات الاجتماعية خاصة التي تتعلق بالأسرة والشباب بالإضافة إلى الزيادة التي حدثت مؤخرا في نسبة الإناث المهاجرات إلى دول المجلس قد ترتب عليها ارتفاع في ظاهرة الزواج من أجنبيات مما أثر سلبا في مكونات الأسرة الخليجية من ناحية ترابطها وثقافتها ( القيم، والعادات، وأنماط السلوك) وبالتالي ظهور جيل لهؤلاء الأمهات تفصله فواصل كبيرة عن تراثه وعاداته وقيمه، كما ساهم ارتفاع هذه الظاهرة في زيادة نسبة الإناث المواطنات في دول المجلس، اللاتي لم يتمكَّن من الزواج وبناء أسرة.

– تفشي البطالة بين خريجي الجامعات في دول المجلس، الأمر الذي يؤكد عدم وضوح للرؤية السكانية وتنمية القوى العاملة، فضلا عن عدم إدراك رأس المال البشري باعتباره أساس التطور الاقتصادي والاجتماعي.

ثالثاً: تقييم سياسات الدول في معالجة الخلل السكاني

(أ) تجربة دول مجلس التعاون الخليجي

إن هدف وسياسة مجلس التعاون الخليجي يكمنان في معالجة الخلل السكاني في الدول الأعضاء وترشيد استخدام العمالة الوافدة، والعمل على توطين الوظائف من خلال تشجيع عمليات الإحلال، كذلك فقد عمل المجلس على تنمية القوى البشرية في المنطقة من خلال الدعوة إلى إلزامية التعليم لكل من البنين والبنات، والاهتمام بالتعليم الفني والمهني، وفتح مجالات العمل أمام المرأة، والعناية بمراكز التدريب.

وقد استمدت الاستراتيجية السكانية لدول المجلس أهميتها – كما تشير وثيقة الإطار العام للاستراتيجية السكانية الصادرة عن الأمانة العامة للمجلس عام 1999 – من أربع حقائق هي:

– إن نجاح جهود التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي يتوقف إلى حد كبير على الترابط الوثيق بين السكان والتنمية، ذلك أن إدماج المتغيرات السكانية صراحة في الاستراتيجيات الاقتصادية والإنمائية من شأنه أن يؤدي إلى تسارع خطى التنمية المستدامة ويسهم في بلوغ الأهداف السكانية.

– إن دول المجلس قطعت شوطا في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن نمط التنمية الحالية في هذه الدول اعتمد اعتمادا كبيرا على قوة العمل الوافدة.

– إن الخلل في التركيبة السكانية يشكل تهديدا لجهود التنمية، ويفضي إلى تعثرها على المدى البعيد، ويتوقف إصلاح هذا الخلل على تبني استراتيجية سكانية تسعى إلى تعديل التركيبة السكانية لصالح مواطني دول المجلس بما يحقق توازنا بين السكان والموارد المتاحة.

– إن الواقع السكاني الراهن لدول مجلس التعاون الخليجي يحاكي المرحلة الثانية من مراحل نظرية التحول الديموغرافي التي تتصف بارتفاع معدلات الخصوبة والانخفاض المستمر في معدلات الوفيات بين المواطنين بفضل التقدم الصحي المطرد، كما أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها دول المجلس مثل التوسع في التعليم وتأخر سن الزواج ودخول المرأة الخليجية سوق العمل، وتحسين مستوى المعيشة، كل هذا سيؤثر في نمط النمو السكاني لدول المجلس.

وفي ضوء هذه المرتكزات تحددت أهداف السياسة السكانية لدول المجلس في الآتي:

1- تحقيق التوازن في التركيبة السكانية وهيكل قوة العمل .

2- تحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق في كل دولة بهدف الحد من الهجرة الداخلية إلى المدن.

3- تنمية رأس المال البشري من خلال توفير الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم والتدريب.

4- تطوير نظم ومناهج التعليم.

5- زيادة معدلات المشاركة الاقتصادية للمواطنين من الذكور والإناث.

6- إحلال العمالة الخليجية محل العمالة الوافدة.

7- تطوير الإحصاءات السكانية وبيانات سوق العمل ورفع مستوى دقتها وشمولها وتحديثها بصفة منتظمة.

دولة الإمارات العربية المتحدة:

تكشف المؤشرات السكانية في الإمارات عن أن معدل النمو الحضري يساوى ثلاثة أضعاف النمو الريفي، وأن نسبة الأجانب تتزايد بمرور الوقت، وأن العمر المتوقع عند الميلاد مقبول وفقا للمعايير الدولية، وأن الحكومة حتى الآن لم تضع سياسة سكانية محددة وواضحة المعالم، كما يتسم معدل الهجرة الوافدة بالارتفاع.

مملكة البحرين:

لا يختلف الوضع في البحرين كثيرا عن مثيله في الإمارات فلا توجد سياسات سكانية واضحة، كما يرتفع معدل نمو السكان في المدن مقارنة بالريف وذلك لارتفاع مستوى الخدمات الاجتماعية في الحضر فضلا عن عوامل الجذب السكاني الأخرى، مما يشجع الهجرة بنوعيها الداخلية والخارجية إلى المدن.

سلطنة عمان:

على الرغم من ثبات معدل الهجرة الوافدة خلال الفترة من 1985إلى 2003 إلا أنه مرتفع، ولا يختلف الوضع عن الإمارات والبحرين كثيرا في ما يتعلق بالمؤشرات الأخرى للسكان، وتعتبر نسبة سكان الحضر والريف مؤشراً على التطور الاقتصادي والاجتماعي في أية دولة، وبالنسبة للسكان العمانيين فإن 71 في المائة (نحو ثلثي السكان) يسكنون الحضر، ويسكن الريف 29 في المائة.

دولة قطر:

تتجه معدلات الأمية نسبيا إلى الانخفاض، ولا ترى قطر مثل غيرها في النمو السكاني مشكلة جديرة بالاهتمام، ولذلك لا توجد سياسة سكانية معلنة. ويلاحظ ارتفاع نسبة الأجانب المقيمين في قطر مقارنة بالبحرين وعمان إلا أنها لا تختلف عن مثيلتها في الإمارات، كما يلاحظ تناقص معدل النمو السكاني بشكل كبير. ومن المتوقع أن يكون للسياسة السكانية الخاصة بتنمية الموارد البشرية دور في تراجع الإقبال على العمالة الوافدة، والتي ستتضح معالمها خلال السنوات القليلة المقبلة، والتي يتمثل إطارها العام في:

1- منح الأفضلية في العمل للعمالة القطرية والخليجية والعربية، وتشجيع القطريين على الالتحاق بالمؤسسات والشركات العامة والخاصة وتوفير فرص العمل لهم.

2- النهوض بمستويات التعليم والتدريب، ودعم مراكز البحث العلمي والتركيز على التعليم الفني والتقني.

3- الحد من استقدام العمالة الوافدة إلا للاحتياجات الفعلية، ووفق معايير تنظيمية كمية ونوعية، واتباع سياسة تقطير الوظائف والإحلال على أسس انتقائية.

4- تنمية فرص العمل أمام المرأة سواء في القطاع الحكومي أو الأهلي والتوسع في فرص تدريبها في مجال الخدمات التي تتناسب مع طبيعة عملها.
دولة الكويت:

لا يكاد الوضع يختلف في الكويت عنه في الإمارات أو قطر سواء من حيث التوزيع الجغرافي للسكان بين الريف والحضر أو معدل الهجرة الوافدة بما في ذلك معدلات الأمية. ويبلغ حجم السكان الكويتيين 884.550 ألف نسمة في منتصف عام 2002، وتبلغ نسبتهم بذلك 37.43 في المائة من إجمالي عدد السكان على أرض الكويت. ويعد معدل النمو السنوي للسكان الكويتيين من المعدلات المرتفعة، حيث بلغ متوسط معدل النمو السنوي 3.5 في المائة خلال الفترة من 1995 إلى 2002.

المملكة العربية السعودية:

تختلف السعودية عن دول الخليج من حيث ارتفاع معدلات الأمية، وانخفاض عدد الأجانب المقيمين بها، إلا أنها تكاد تشترك مع باقي دول الخليج من حيث المؤشرات السكانية الأخرى، وتشير المؤشرات العامة للتركيب العمري للسكان في المملكة ومناطقها الإدارية المختلفة إلى ارتفاع نسبة الفئة الصغيرة السن (أقل من 15 سنة) مثل سائر مناطق العالم النامي، وتتراوح هذه النسبة بين (33 في المائة-48 في المائة) من إجمالي السكان، في الوقت الذي لا تزيد نسبتهم في الدول المتقدمة على 20-33 في المائة.

ويمكن القول إجمالا أن هناك العديد من السياسات الصحية والتعليمية المتبعة في منطقة الخليج تسعى في مجملها إلى خفض معدل وفيات الأمهات، وتحسين صحة الأم، وخفض معدل وفيات الأطفال الرضع والأطفال دون سن الخامسة، وتحسن مستوى التغذية، وتعزيز دور المرأة في المجتمع وتمكينها من ممارسة دور فاعل على كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا أن السياسات ذات الصلة بالقضايا السكانية والحد من الهجرة الوافدة إلى دول

المجلس لم تنجح في الحد من الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن حيث اكتظت المدن والمناطق الحضرية في جميع دول المجلس وإن كانت بدرجات متفاوتة بالسكان للحد الذي أثر سلباً على مستوى الحياة وجودتها سواء تعلق الأمر بارتفاع نسبة التلوث البيئي أو تدنى مستوى الخدمات، أو زيادة حجم الضغوط الاجتماعية للأسرة المعاصرة.

إن الأوضاع السكانية الخاصة بدول مجلس التعاون جعلت تركيز هذه الدول على السياسات التي تهدف إلى خلق التوازن بين السكان الأصليين والوافدين وأيضا بين العمالة المحلية والوافدة. وفي الوقت نفسه لم تغفل هذه الدول كل ما من شأنه تحسين الخصائص السكانية وربط برامج الصحة والتعليم والأمومة والطفولة بالخطط التنموية عامة إلا أن مثل هذه المحاولات لم تحقق النتائج المأمولة ومن ثم لم تتمكن دول المجلس من حصاد الفرص الممكنة للنافذة السكانية.

وهكذا يمكن القول إن التوسع في التعليم والاستثمار في رأس المال البشري، وارتفاع مستوى النمو الاقتصادي، وزيادة أعداد الخريجين سواء من التعليم الجامعي أو ما دونه لم يحقق الهدف المطلوب منه بالدرجة الكافية، ولذلك أصبحت الحاجة ملحة بدول المجلس لتطوير سياسات سكانية تقوم على الربط العضوي بين سياسات التعليم بكافة أبعادها وسياسات التشغيل والعمالة والتوطين.

رابعاً: مستقبل الأوضاع السكانية في دول مجلس التعاون

هناك حاجة ماسة وأهمية استراتيجية عاجلة لتصحيح الخلل السكاني بدول مجلس التعاون الخليجي وذلك من أجل إيقاف مسار ضياع مجتمعات المنطقة الأصلية، بعد أن أدى إلى خلخلتها وشل قدرة المواطنين فيها وأضعف قدرتهم الجماعية على تقرير مصيرهم والدفاع عن مصالحهم المشروعة وتأمين مستقبلهم، بحيث أصبحت تلك البلدان أقرب إلى معسكرات العمل منها إلى المجتمع بالمفهوم العلمي للمجتمع. وتدل مؤشرات التركيبة العمرية للسكان إلى زيادة الفئة العمرية الشابة، بما يعني أن عدد الشباب من الذكور والإناث المؤهلين عمرياً على الأقل لدخول سوق العمل في تزايد مستمر، ويشير ذلك إلى وجود فرص قابلة للاستثمار من خلال حسن التعامل مع القوى العاملة المواطنة في دول الخليج، لكن التحدي لا يزال قائما لأن هذه الفئة العمرية الجديدة والتي تتزايد نسبتها بمرور الوقت لا تزال بحاجة إلى المهارات التي يتطلبها سوق العمل الجديد، وتبني سياسات تعليمية وسياسات للبحث العلمي تستوعب المتغيرات الجديدة التي تشهدها دول المنطقة.

وفي ضوء ما طرح من آثار وتحديات الخلل السكاني لابد من طرح بعض المقترحات الآتية كاستراتيجيات للتعامل معها والتي يمكن أن تحقق درجة من إمكانية تحقيق النتائج المرغوبة بأسلوب علمي:

– بناء سياسات سكانية تربط بين قضايا السكان والتنمية والعمالة وتدمج بين الخصائص السكانية وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

– صياغة سياسة موحدة لقضايا العمالة الوافدة في علاقتها بالعمالة المحلية تنبثق منها خطط وبرامج قابلة للتنفيذ، وتستجيب للقوا سم المشتركة بين دول الخليج مجتمعة وفي الوقت نفسه تشبع الاحتياجات الخاصة لكل دولة على حدة.

– بناء شبكة للمعلومات السكانية الخليجية مبنية على دراسات للحاضر والمستقبل تساعد على وضع سياسات للسكان والتوطين.

– التكيف مع التحولات الدولية المعاصرة في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا، وحقوق الإنسان ووضع السياسات السكانية التي تستفيد من الفرص المتاحة في هذه التحولات وتقلل من المخاطر الكامنة فيها.

– إقامة شراكة بين الدولة والمجتمع المدني في كافة مراحل بناء السياسات السكانية لضمان استمرارية البرامج ونجاحها.

– تحقيق مشاركة أوسع من كافة فئات المجتمع في بناء التصورات المستقبلية من خلال حرية الإعلام في معالجة قضايا السكان وفتح باب الحوار أمام القضايا الخلافية.

– إدماج قضايا حقوق الإنسان في كافة السياسات السكانية، فلا سياسات سكانية ناجحة تقوم على أساس هدم حقوق الفرد والأسرة باعتبارهما أساس المجتمع.

– تمكين المرأة وتوظيف قدراتها ومشاركتها في الحياة العامة لتصبح عضوا فاعلا في المجتمع.

– التطوير النوعي لسياسات التعليم والبحث العلمي والتطوير لتمكين الخريجين من فرص العمل الجديدة التي يفرزها اقتصاد المعرفة، للدرجة التي يمكن معها تطبيق سياسات الإحلال من دون الإخلال بجودة الأداء.

– من الممكن فتح باب منح الجنسية للجاليات العربية من أصحاب الكفاءات التي تتمتع بثقافة جامعة وقواسم وطنية مشتركة مع أصحاب البلد الأصلي.

– يتطلب إصلاح الخلل السكاني في كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تبني وتطبيق استراتيجية سكانية وفق برامج وخطط وإجراءات كافية وصارمة ذات أهداف كمية ونوعية قابلة للمتابعة والقياس والتقييم الموضوعي، وذلك من أجل أن يصبح المواطنون الأغلبية الآمنة والفاعلة ذات الدور الرئيسي في المجتمع في المدى المتوسط ( 2010-2020)، وأن يصبح المواطنون أغلبية متزايدة تعتمد عليها قوة العمل. وتكون نسبة العمالة الوافدة في إجمالي عدد السكان لا تتعدى 10 في المائة في المدى البعيد (2015-2035) ونسبتهم في إجمالي قوة العمل لا تتعدى 20 في المائة. والجدير بالذكر أن هذه النسب المقترحة تعتبر من أعلى النسب في العالم حتى في الدول التي تأسست على الهجرة.

– على دول مجلس التعاون الخليجي أن تتبنى تشريعات وقوانين تتولى فيها تحديد أعداد العمالة الوافدة ونوعيتهم المهنية ومتطلباتهم الثقافية.

– العمل على بلورة إرادة سياسية والضغط على متخذ القرار مباشرة، ولهذا لا بد من التعاون أيضا مع الأجهزة التنفيذية المسؤولة عن السياسة السكانية وعن الهجرة واستقدام العمالة وتوطين الوظائف ومتابعة أدائها ومساعدتها بالرأي والنصيحة والوقوف معها ضد ضغوط المنتفعين من استقدام العمالة ومن تصديرها أيضا.

– لمعالجة الخلل السكاني في المدى البعيد (10-20 سنة) لابد من تبني استراتيجية تتضمن تعبئة كامل قوة العمل المواطنة المتاحة وتوجيهها إلى وظائف إنتاجية بعيدا عن البطالة المقنعة.

أما بالنسبة لاستراتيجيات وسياسات المرحلة الانتقالية فيجب أن تراعي العوامل التالية:

– الحد من الإنفاق الاستهلاكي والسيطرة على حجم الإنفاق العام والخاص وتركيبهما في القطاع العام والخاص عن طريق أدوات السياسة المالية والاقتصادية والتجارية.

– إحكام قيود الهجرة وقيود الاستقدام وإناطة ذلك بالدولة المسؤولة عن سوق عمل واحدة في البلد الواحد، تغذيها بالعمالة المواطنة المناسبة من خلال التعليم والتعبئة والتدريب وتستكملها بالاحتياجات المهنية الناقصة وفق سياسة هجرة واضحة المعالم ومحسوبة التأثير والنتائج.

– تنمية الحوافز والروادع الذاتية لدى صاحب العمل والمواطنين أفرادا وجماعات ومؤسسات ولدى الوافدين أيضا من أجل الانسجام مع متطلبات تحقيق الأهداف الكمية والنوعية للسياسة السكانية.

– توظيف التقنية والاتجاه إلى النشاطات الإنتاجية والخدمية ذات الكثافة الرأسمالية والاعتماد على التعليم والتدريب والتطوير أثناء العمل لإعداد كامل قوة العمل المواطنة والوافدة أيضا للوظائف ذات المحتوى التقني العالي.

– رفع مستوى المهارة والمسؤولية لدى متخذي القرارات التنفيذية والاهتمام بتوجهاتهم الوطنية.

وأخيراً أود أن أشير إلى أنه آن الأوان لدول المجلس أن تضم كافة البرامج التي تعنى بقضايا السكان تحت مسمى واحد وتحت إشراف جهاز مجلس خليجي يكون مسؤولاً عن وضع السياسات وتطبيقها وتقييمها، ويستند المجلس في أعماله إلى شبكة معلومات تربط بين قضايا السكان والهجرة والعمالة والتنمية، والتعليم بحيث تتاح الفرصة الحقيقية لدمج الخصائص السكانية في قضايا التعليم والتنمية.

وعند تقييم التجربة السكانية نجد أن دول مجلس التعاون الخليجي بدأت متأخرة في وضع سياسة سكانية إلا أن ذلك لا ينفي البتة وجود سياسات لتنمية السكان صحياً وتعليمياً واجتماعياً ولتمكين المرأة وتشجيعها على دخول سوق العمل، فضلاً عن محاولات وجهود منتظمة منذ فترة طويلة للتعامل مع اختلال التركيبة السكانية واختلال تركيبة قوى العمل…إلخ. ويتبين من تقييم تجربة مجلس التعاون الخليجي أن دول المجلس لم تترجم السياسات السكانية بعد إلى آليات وبرامج واضحة المعالم فضلاً عن غياب قواعد البيانات التي يمكن أن تقدم مؤشرات على معدلات التقدم في هذا المجال.

(ب) على مستوى كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي

إن دول مجلس التعاون الخليجي في مسيرتها التنموية مرت في عدة نماذج وتجارب في الإدارة الاقتصادية والسياسية، مروراً لا يتسم أحياناً بالعمق والجدية ساعدها في ذلك بصفة أساسية إيراداتها خلال فترة الطفرة النفطية التي أخفت الكثير من أوجه القصور في النموذج الاقتصادي والسياسي. ولكن مع تراجع أسعار النفط عبر السنوات، فمن المؤكد أنه ينبغي إعادة التفكير بصورة استراتيجية في موضوع الخلل السكاني الذي سجل خلال الفترة من 1950 إلى 1980 نمواً مرتفعاً للسكان نتيجة في الأساس للقاعدة الصغيرة. بيد أنه، مع ازدياد عدد السكان فإن معدلات النمو انخفضت على الرغم من أنها مازالت عالية بالمقاييس العالمية.

ومن جهة أخرى يمكن القول إن دول الخليج تتمتع بمخزون جيد للقوى العاملة في المستقبل القريب، مما يؤهلها للاستفادة من الفرص الممكنة للنافذة الديموغرافية كما سبقت الإشارة، فنتيجة لانخفاض معدل المواليد، وزيادة السكان في سن العمل، سوف يزيد العرض من القوى العاملة في المستقبل، خاصة إذا تم تبني السياسات التعليمية التي تزود قوى العمل المحتملة بمهارات ومؤهلات سوق العمل.

والواقع يشير إلى أن دول المجلس لم تعتمد سياسات سكانية واضحة المعالم قبل صدور الوثيقة الأساسية لأمانة مجلس التعاون والخاصة بالسياسات السكانية في العام 2003، حيث تعاني دول المجلس من نقص في السكان الأصليين مقارنة بالوافدين، ومن ثم تسعى في معظمها إلى معالجة الخلل في التركيبة السكانية بها من خلال زيادة حجم الأسرة والزواج المبكر (أي الزيادة الطبيعية). ولتحقيق الزيادة الطبيعية في حجم السكان تتبنى دول المجلس خططاً وبرامج، وإن كانت لا تندرج في معظمها ضمن إطار سياسات سكانية معلنة أو معتمدة من حكومات هذه الدول إلا أنها لا تخرج عن كونها سياسات تسعى في نهاية الأمر إلى الارتقاء بالخصائص السكانية في إطار خطط تنموية طموحة تحقق فرصا أوسع من تكافؤ الفرص، وتقوم أيضا على مفهوم تمكين المرأة وتوظيف قدراتها وتشجيعها ليس على المشاركة في سوق العمل فقط، بل في الحياة السياسية والاجتماعية عامة.

3 comments

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اني طالب من العراق قسم الجغرافية مرحلة رابعة نهاية
    بحث تخرجي بعنوان
    تحليل التركيب السكاني لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
    اريد بيانات عن كل ما يخص السكان للدول الست وشكرا

    إعجاب

    1. بالنسبة لطلبك يمكنك البحث عبر جوجل تحت عنوان منتدي التنمية الخليجي ستجد دراسات كثيرة حول موضوع بحثك ويمكنك أيضا البحث داخل الموقع ستجد ما يفيدك ايضا

      إعجاب

اترك تعليقًا

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.