في 21 – 3 – 2000
عنوان المحاضرة : الخليج العربي : معالم التغيير
في القرن الواحد والعشرين
يلقيها : الدكتور محمد الرميحي
الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة
والفنون والآداب في دولة الكويت
مقدمة لا بد منها :
القرن الواحد والعشرون هو قرن الغرب لا قرن الشرق ، لذا فإن التغييرات المتوقعة فيه هي تغييرات غربية أساساً ، ويبدو أن من أهم مكونات الحديث عن العلامات الفارقة في مسيرة الناس والشعوب أن تعرف هذه الشعوب أن ما تمر به من زمن هو علامة فارقة لا مسيرة أيام وسنين تتوال ، وفي الغرب هذا الشعور موجود وإن لم يكن مشاهد فهو متوقع ، أما في الشرق فإن الأيام والقرون ليس لها أهمية كبيرة لأنها لا تضيف جديداً .
ولكن هل الخليج من الشرق أو الغرب ؟ ذلك سؤال يستحق أن يجاب عليه ، فعلى الرغم من أن هناك شعوباً ومناطق في العالم تمر عليها السنين برتابة ودون تغيير يذكر ، إلا أن النصف الأخير من القرن الماضي شهد تحولاً شديد العنف والاختلاف في منطقة الخليج ، فهي منطقة أصابتها رياح التغيير من الغرب ، وهي بالتالي أصبحت جزء من ذلك التغيير القادم والمتوقع ، رغم وجودها في شرق عالم أوروبا المتقدم .
إن العولمة هي أحد أكبر القوى التي ستؤثر على منطقة الخليج ، لأن العولمة غربية ولأن الخليج بمعناه السياسي إن لم يكن الجغرافي سيكون من أهم المناطق المتأثرة بالعولمة .
مفهوم العولمة
شهد العقد الأخير من القرن العشرين أحداثاً متسارعة ربما جعلته واحداً من أكثر العقود صخباً وحراكاً في تاريخ الإنسانية ، ولكن أهم ما يميز هذا العقد هو بزوغ ظاهرة العولمة ، الظاهرة التي أصبحت الشغل الشاغل للمفكرين والباحثين ، فلأول مرة في التاريخ يصبح بوسع المرء بصرف النظر عن انتمائه أو لونه أو عرقه تلمس تأثير المتغيرات الدولية ، فهم يشاهدونها في وسائل الإعلام ويتذوقونها في طعامهم ويحسونها في المنتجات الاستهلاكية وفي تكنولوجيا المعلومات التي باتت مفاتيح التعامل مع العصر .
لم يكن ذلك العقد الأخير من القرن العشرين مواتياً للدولة الوطنية الصغيرة ، فقد وضعت العولمة وظائف الدولة الاقتصادية والأمنية بل وبعض سيادتها موضع التساؤل والشك ، كما فقدت حتى الدول المتقدمة قسطاً غير قليل من سيادتها الاقتصادية ، اتضح ذلك في يوم الأربعاء الأسود من شهر سبتمبر 1992 عندما انهار الجنيه الإسترليني بسبب المضاربة ، وكذلك ما شهدته اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا حيث أثبتت المضاربات الدولية المالية قدرتها على اختراق تلك الاقتصاديات الوليدة .
أصبحت الشركات فوق القومية بقدرتها الاقتصادية الهائلة وبإمكانياتها التقنية المتفوقة قادرة على الاختراق والتفوق على الدول ، مديرة لشؤونها واتفاقياتها الدولية .
العولمة مختلف على تحديدها بدقة ، فقد شبه دانيل دزنر الاختلاف عليها كخلاف حاد يثور بين مجموعة من الأطباء على نوعية المرض الذي يعاني منه المريض ، في الوقت الذي يتفقون جميعهم بهزات وقورة من رؤوسهم على أن المرض متقدم للغاية ، ويشبه جلال أمين وضع العرب والعولمة كمجموعة من المكفوفين يصفون الفيل ، كل يصفه أين يجسه .
هذه الاختلافات تعود في رأينا إلى أننا نعيش أول حالات العولمة وعندما تتقدم في هذا العقد أو الذي يليه لن يكون هناك ثمة خلاف كبير على توصيفها ، ولكن أيضاً حتى الخلاف على التوصيف اليوم لا يعني أن ليس هناك قضية أو مشكلة اسمها العولمة .
العولمة في رأي البعض عولمتان ، الأولى حدثت بعد الحرب العالمية الثانية كان دافعها في المجتمعات الرأسمالية والغربية محاربة الشيوعية ومحاربة النعرات القومية القاتلة ، كما حدث في قيام السوق الأوروبية المشتركة بعد الحرب الثانية ، أما العولمة الثانية فهي ما نشهده الآن.
العولمة الاقتصادية
من بين أكبر مائة اقتصاد في العالم هناك واحد وخمسون ليست تابعة لبلدان وإنما لشركات فوق قومية ، بينما لا تشغل أكبر 200 شركة في العالم من قوة العمل غير أقل من ثلاثة أرباع واحد في المائة من قوة العمل في العالم ، ولكنها تستحوذ في الوقت ذاته على 28 % من النشاط الاقتصادي العالمي ، كما تستحوذ 500 شركة عالمية على 70 % من التجارة العالمية ، وتشبه هذه الشركات المقاطعات الإقطاعية التي تطورت فأصبحت أمم في القرن الثامن والتاسع عشر في أوروبا .
فئة صغيرة تحتل جبهة العولمة هي هذه الشركات ورؤوس الأموال ، بينما الأقلية الساحقة من سكان الأرض فهي إما سوق لهذه الشركات أو هي غارقة في بيئتها المحلية .
الشركات فوق القومية ستبقى طليقة في العقود القليلة القادمة في أن تلقي خلفها بالحطام البيئي والاجتماعي الذي خلفته عملياتها المختلفة .
ويقبل اليوم مجتمع الأمم على نحو متزايد فكرة أن مقتضيات العصر تتطلب وجود تلك الكيانات فوق الوطنية ، ومع هذا القبول يأتي الاعتراف أن (الهوية الوطنية) كما عرفت يجب التخلي عنها ، على الأقل جزئياً لتلك الكيانات الاقتصادية الكبرى .
هناك شبه إجماع بين المتابعين على أن انتشار الرأسمالية الجديدة سوف يؤدي إلى ضمور وتآكل القوة الوطنية ، وقوة استقلالية الدولة الوطنية ، ويقول بنجامين باربر في كتابه (الجهاد ضد السوق الكونية) وهو كتاب ترجم إلى اللغة العربية ، بأن المستقبل مجسداً في صورة مفعمة بالحركة لقوى اقتصادية وتقنية وايكولوجية مندفعة تطلب التكامل وتفرق وعي البشر في كل مكان بطوفان الموسيقى السريعة والكمبيوترات السريعة والوجبات السريعة ، دافعة الأمم باطراد نحو حديقة ملاهي كبيرة وعالمية ووحدة متجانسة التكوين .
ويصف المجتمع العولمي كونه مجتمع يقتصر فيه ولاء مختلف أعضائه لمصالحهم الذاتية على حساب أي تصور للمصلحة العامة أو الخير المشترك ، أن الاستهلاك والربح هما قاعدتين للعولمة .
جوهر العولمة الاقتصادية هي انتقال مركز ثقل الاقتصاد العالمي من الوطني إلى الكوني ، من الدولة إلى الشركات والمؤسسات والتكتلات عبر القومية ، وهنا تفرض العولمة الاقتصادية منطقها الخاص حتى لو تعارض هذا المنطق مع رغبات أكبر الدول وأغناها ، لقد نمت الاستثمارات الأجنبية العالمية المباشرة إلى 120 مليار دولار أمريكي سنة 1999 بينما كانت 24 مليار دولار أمريكي سنة 1990 .
العولمة تفرض التناغم في القوانين وحرية انتقال السلع والبشر المرغوبين ، وتوحيد المعايير ونظم الجمارك ومعايير الرقابة على السلع وقوانين الطيران والهجرة وكل ما له علاقة بالنشاط التجاري غير الوطني ، ولكن النشاط التجاري لا يعيش في فراغ ، فهناك العديد من التبعات التي يجب أن تصاحب هذا العمل ، لها علاقة بالإنسان وبيئته ومعيشته وحرياته .
رافعة العولمة هي التقنية التي تزداد تطوراً وتسارعاً ، إنها الثورة العلمية والتقنية ، التي تدخل العالم في نسيج واحد تتلاشى المسافات فيما بينها ويتقلص الزمن وتنتقل رؤوس الأموال والسلع والمعلومات والمفاهيم والأفكار والأخبار والأذواق بسرعة وحرية غير معترفة برقابة حكومية أو غير حكومية أو بحدود وطنية أو إيديولوجية .
الصراع العالمي بين دول ديمقراطية صناعية وبين دول اشتراكية كان هو المحرك والدافع للإسراع بالعولمة كما نعرفها اليوم ، تقنياً اضطرت الولايات المتحدة مع حليفاتها لتحرير التجارة العالمية ، والدفع بالنمو الاقتصادي كوسيلة لمحاربة الشيوعية ، وكحليف لا يقدر بثمن ضد الشمولية التي أخذت في الانتشار بين شعوب عديدة وضد أفكارها وممارساتها ، وأدت هذه المحاولات الدؤوبة إلى تقليل متوسط التعرفة الجمركية في الدول الصناعية حتى وصلت إلى 5 % في سنة 1999 بعد أن كانت 40 % في سنة 1946 .
ويقوم موجهو عملية العولمة اليوم بتحسين وسائل وأنظمة الاتصال الدولية ، ويبتكرون تقنية وخدمات جديدة ويهيمنون على السوق الدولي للأفكار والخدمات ، وهو ما يؤثر على أسلوب الحياة والمعتقدات واللغة وكل مكونات الثقافة ، إن التقنية الحديثة لا تحدث تحولات في العالم
فقط ، بل تحدث أيضاً عالمها المجازي ، وتمكن أقمار الإرسال التلفزيونية وشبكة الانترنت الناس على طرفي الكوكب من التعاطي مع كم هائل من المعطيات الجديدة وفي نفس اللحظة، ظهرت إلى الوجود تعبيرات الواقع الافتراضي ، والتجارة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني والطب الإلكتروني بل والحب الإلكتروني !
وتهيمن الولايات المتحدة على حركة المرور الكونية في مجال المعلومات والأفكار والبرامج التلفزيونية وبرامج الكمبيوتر ، وبالتالي فهي تؤثر في أذواق وحياة الناس ، بل وتخلق الطلب على نوعية من الحياة والأفكار ، منها قبول التعددية التي مارستها محطة سي ان ان حيث تعرض لثقافات مختلفة كما تبث بلغات مختلفة عبر الانترنت ، كما تخلق (الإيمج) الذي يحمل النتاج الثقافي الأمريكي ، ويجادل البعض أن أمركة الثقافة هي جزء من عولمتها أيضاً ، لأن الولايات المتحدة هي سوداء وصفراء ولاتينية أيضاً ، فهي إذاً تمتلك أداء المهمتين الوطنية والعالمية (الكونية) .
إن الرهان الاقتصادي هائل فيما يتعلق بالاستثمارات الضخمة التي سوف تنفق في السنوات القليلة القادمة على البنية النفعية العالمية للمعلوماتية ، وتقدر الحكومة الأمريكية أن الاستثمارات التي سوف تنفق في أمريكا اللاتينية تتجاوز ال 150 بليون دولار في السنوات العشر القادمة ، وتنفق الصين مبلغاً مماثلاً ، وكذلك الدول الأعضاء في رابطة جنوب شرق آسيا .
ومن المتوقع أن يتجاوز الاستثمار في سوق خدمات الاتصال تريليون دولار ، ستصرف على الشبكة الكونية للشبكات .
وتفرض العولمة التجانس من جهة والتعددية من جهة أخرى ، وسوف تفرز صراعات ثقافية واقتصادية ، وسوف تقوم بعملية تفكيك وإعادة تجميع ، وعمليات دمج وعزل .
العلاقات بين دول مجلس التعاون في ضوء العولمة
إذا انطلقنا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ، نجد أن هناك قوة عالمية هي بريطانيا العظمى ، سيطرت تدريجياً على دول الخليج وإماراته ، ثم امتدت للسيطرة على دولتين كبيرتين تحيطان بالخليج هما العراق وإيران ، فأصبحت هذه المنطقة تحت هيمنة بريطانيا ، ولقد تخلصت الدول الأكبر من الهيمنة المباشرة وأخذ ذلك وقتاً
طويلاً ، إلا أن ذلك لم يحدث للدول الصغيرة في الخليج إلا بعد السبعينات من القرن الماضي.
خلال هذه الفترة الطويلة كان ما يسمى (البرتش راج) هو الآمر الناهي ، وقد أشرفت الإدارة البريطانية بشكل ما على بدايات التنمية كما نعرفها في الخليج اليوم ، وخلفت أيضاً قواعد في التعامل البيروقراطي لا زال متبعاً في بعض المناطق الخليجية .
في الفترة القصيرة بين السبعينات والتسعينات ، وهو تاريخ الاعتداء العراقي على الكويت ، شهدت دول الخليج الصغيرة (إمارات الخليج) طفرة في التنمية وحصلت على الاستقلال من بريطانيا بشكله المباشر ، وتخلصت من السائد في العلاقات السياسية الخارجية لفترة طويلة من قبل ، إلا أن التسعينات أوجدت قوة أخرى مباشرة هي الولايات المتحدة الأمريكية ، وبسبب مصالحها وقوتها الدولية أخذت مكان (البرتش راج) وأكاد أسمي هذه المرحلة الأمريكية (الأميركن راج).
إلا أن الاختلاف بين (الراجين) إن صح التعبير ، هو اختلاف في المنطلق والأهداف كما هو اختلاف في الزمن والظروف المحيطة بالمنطقة ككل .
في الفترة القصيرة بين (الراجين) شهدت فكرة القومية العربية تراجع مشهود ، كانت قمته احتلال إسرائيل لأراضي شاسعة من دول عربية في حرب استمرت 6 أيام سنة 1967 ، ثم شهدت المنطقة بعد ذلك تراجع القوة العالمية الثانية التي اعتمدت عليها القومية العربية وهي الاتحاد السوفييتي ، ثم إقليمياً اندلاع الحرب العراقية الإيرانية ، ومن بعدها احتلال العراق للكويت حيث تفجرت كل الصراعات الكامنة .
كما حاولت دول الخليج إنشاء كيان سياسي يجمعها وهو مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي ظهر إلى الوجود في بداية الثمانينات ، في محاولة جادة لإبعاد دول الخليج الصغيرة عن تيارات الصراع الإقليمي الذي بدأ يدخل إلى حظيرة المنطقة الداخلية ، ولكن هذه الجهود لم تصل إلى غايات نهائية ، رغم بعض النجاح ، لأن بعض عناصر العولمة كانت تقوم بعملية تفكيك لمنطقة الخليج لصالحها .
في العولمة الأولى التي شهدتها منطقة الخليج ، وهي المرحلة الممتدة في معظم القرن العشرين (البرتش راج) كانت الدولة المهيمنة وحلفاؤها تحتاج إلى ما تحت الأرض من ثروة ، فكانت السياسة التفكيكية هي الأجدر بأن تتبع .
لذا قامت السلطات البريطانية بتحجيم القوى الخليجية المتوسطة والتي كان من الممكن أن تنمو في الخليج وحصرها داخل حدود رسمتها لها ، حدث ذلك لأكثر من قوة محلية كالسعودية وعمان ، كما فرضت الانقسام بين الكتل البشرية المتجانسة في الخليج من أجل تسهيل السيطرة الأمنية في البداية ، وبعد ذلك من أجل الحصول على امتيازات النفط .
هذه العملية الانقسامية أو العازلة سببت بعد ذلك خصومات على الحدود بين هذه الإمارات ، لا زال بعضها ظاهراً أو تحت السطح ، ولقد حل بعضها أخيراً كمثل الحدود بين السعودية وعمان ، وبين الإمارات وعمان ، بعد مفاوضات طويلة تدعو إلى القول أن مثل هذه القضايا يمكن حلها ثنائياً إذا توفرت الإرادة وبذلت الجهود ، إلا أن بعضها لا يزال عالقاً ومصدر قلق.
في العولمة الثانية التي نحن بصددها ، لم تعد المادة الخام هي المقصد للدول المسيطرة ، وبالتالي لم تعد عمليات التفكيك مناسبة للمصالح الجديدة ، ولا تألو جهداً قوى العولمة الجديدة إلى دفع إمارات الخليج على التقارب ، لأسباب أمنية وأسباب اقتصادية ، تناسب قوى العولمة الجديدة ، الشركات العابرة للوطنيات ومصالحها .
إلا أن عوامل التفكيك السابقة خلقت مصالحها وخلقت وعيها الخاص بها ، لذا نجد أن هناك عاملين متناقضين يسعيان للاستحواذ على السياسات العامة في الخليج إن حددنا العلاقات بين دول الخليج العربية ، عامل التجميع ، وعامل التفكيك .
بين هذين العاملين نستطيع أن نفسر الكثير من الظواهر السياسية المحيطة ، منها على سبيل المثال عدم قدرة مجلس التعاون حتى هذه اللحظة على الاتفاق على سوق داخلية تزول أو تخفف فيها القيود البينية ، بل إن هناك تنافساً غير صحي لجذب المشروعات الاقتصادية الدولية إلى كل إمارة بل كل منطقة إن تعددت المناطق في الإمارة الواحدة ، ولا زالت هناك قيوداً على الأعمال الاقتصادية البينية أو التي تمتلك من مواطنين خليجيين ، الأكثر ظاهراً هناك قيود على عمل المواطنين المطلق بين دول مجلس التعاون ، في الوقت الذي تتوفر فيه عمالة فائضة من جهة وندرة في العمالة من جهة أخرى بين هذه البلدان .
العولمة الجديدة التي وصفنا بعض مظاهرها سوف تفرض شروطها الاقتصادية وبالتالي بقية الشروط الأخرى للإدماج والتركيب ، فعلى الرغم من التنافس بين دول الخليج في المرحلة الأولى لجذب استثمارات عالمية ستضطر هذه الدول في المرحلة الثانية للتنسيق فيما بينها وربما بمشورة الشركات الكبرى التي يهمها أيضاً أن تحافظ على سعر وسوق لمنتجاتها معقول ومستمر ، كما أن هذه الدول سوف تكون مضطرة للتعاون للحفاظ على مصالحها الوطنية ومن أجل خلق قوة تفاوضية أفضل ، هذا سيقود إلى (الاندماج) في المدى المتوسط والطويل لأن تحرير التجارة الذي تطلبه العولمة الجديدة سيؤدي من غير شك إلى إطلاق قوى السوق وتقليل تدخل الدولة (السلطة) في تحجيم التنافس أو الترجيح غير الاقتصادي .
كما أن استتباب الأمن الداخلي والخارجي جزء لا يتجزأ من شروط العولمة الجديدة ، فالاستقرار السياسي والاقتصادي متطلب مسبق للدخول في السوق العالمي ، دونه لن تنال المنطقة ثمرة العولمة الاقتصادية ، والأمن يحتاج إلى تعاون أوثق في توحيد العقيدة القتالية
(السلاح) من توحيد المصطلحات إلى توحيد مصادر السلاح والتدريب أيضاً ، ثم القدرة بالتالي للدفاع بشكل متسق بين دول الخليج ضد أي تهديد خارجي ، خاصة أنه لا تتوفر لأي منها منفردة قدرة على الدفاع عن مصالحها تجاه الآخر العدو وهي منفردة .
ولعل الأمثلة الممكن تقديمها في هذا الصدد اثنان ، الأول هو اتفاق دول الخليج في قمة دول مجلس التعاون العشرون في الرياض سنة 1999 على أن يكون شهر مارس سنة 2005 موعداً لتنفيذ الاتفاقية الجمركية الموحدة ، بحيث تصبح 5 ،5 % للسلع الأساسية و5 ،7 % على بقية السلع ، أما المثال الثاني فهو حوار دول مجلس التعاون مشتركة مع أعضاء الاتحاد الأوروبي ، فقد شهد العامين الماضيين وهذا العام تحركاً للانتقال بالفكرة إلى حيز الواقع .
لقد بقيت دول مجلس التعاون لمدة 20 سنة تقريباً قبل أن تنجح في إيجاد إطار اقتصادي تكاملي ، غير أنها خطوة غير كافية حيث أن التكامل الاقتصادي يتطلب المزيد من العمل والتضحية ، ومن المنطقي أن التكامل سيؤدي إلى دعم الروابط السياسية والتعاون الأمني من منطلق أن المصالح المشتركة سوف تعمل على تشابك المصالح الأخرى وتعزيز التعاون ، ولعل المثال الأقرب هنا هو الاتفاق بين دولة البحرين والإمارات العربية على مشروع
مصنعي الحديد والصلب الذي وقع اتفاقه في أواخر العام الماضي على أن يتقاسم البلدين أنواع مختلفة من الإنتاج في هذا القطاع .
ولعل من شروط العولمة الجديدة تخلي الدولة عن الرعاية الكاملة للمواطنين من جهة ، والملكية الكاملة لوسائل (الإنتاج) بمعناه الاشتراكي القديم من جهة أخرى ، فقد أخذت الدولة في الخليج على عاتقها تاريخياً أن ترعى المواطن من المهد إلى اللحد ، وبرزت ظاهرة (الاقتصاد الاشتراكي) في دول تتبنى الفكرة الرأسمالية ، مما سبب أعباء ضخمة على الاقتصاد الخليجي عند أول انخفاض لأسعار النفط ، لذا بدأت فكرة (الخصخصة) تأخذ طريقها للممارسة السياسية في الخليج ، وقد شهدت عمان حتى الآن أكثر برامج الخصخصة نجاحاً ، وليست الخصخصة طريقاً لترشيد الإنفاق وخفض أعباء الدولة فقط ، بل هي طريق أيضاً لجذب رؤوس الأموال الخارجية للاستثمار في البنى النفعية ، وطريق لتغيير أسلوب أبناء المجتمع في الاعتماد على (ماما دولة) و(ثقافة القطاع العام) ، ولقد قامت أبو ظبي بأول مشروع مستقل لإسالة الماء وتوليد الكهرباء عن طريق القطاع الخاص ، ويقدر الخبراء أن تكلفة الإنتاج للكهرباء والماء في مشروع (الطويلة) ستقل بين 30 % إلى 35 % عن ما يكلف إنتاج الدولة .
تجاورت الخصخصة في الخليج بانبثاق (المناطق الحرة) وتقريباً في كل دولة خليجية ، الفرق هو في الدرجة وليس النوع ، ويشتكي البعض من ضعف في العلاقة بين المناطق الحرة بأشكالها المختلفة وبين السوق المحلية ، إذ لا تتوافر في السوق المحلية الكثير من مستلزمات واحتياجات الشركات العاملة في المناطق الحرة مما يحرم الاثنان من التكامل ، كما أن هذه المناطق لم تدمج في الاقتصاد المحلي خاصة فيما يتعلق بتشغيل العمالة المحلية ، إلا أن فكرة المناطق الحرة تشهد ازدياداً ملحوظاً ، ولعلها جزء من الاندماج في التجارة والاقتصاد الدولي.
إن أحد أهم متطلبات العولمة الجديدة هو تأمين التلاحم بين المناخ الاقتصادي الخارجي والسياسات الداخلية ، ولقد قدم هذا الدرس من دول جنوب شرق آسيا ، فقد بدأت الأزمة في نهاية التسعينات (1997) في القطاع المالي وامتدت لتصل إلى العملة النقدية ومنها انهيار الأسواق العالمية ، من هذا الدرس بدأ الاعتراف بأهمية كفاءة الإدارة الحكومية ونزاهتها، وأهمية حقوق الإنسان واستثمار الموارد البشرية استثماراً رشيدا ً، وتجويد التعليم والعناية بالصحة والحفاظ على البيئة ، كلها عوامل لا غنى عنها لتنفيذ استراتيجية تنموية متواصلة ومتصلة بالعالم، ثمة معنى عميق هنا وهو أن الديمقراطية والحوار وقبول الآخر والتعاون بين مختلف الحضارات، كلها عوامل لا تقتصر على دولة دون أخرى في هذا العالم الذي يتقارب.
علاقات الخليج مع الجوار :
أولاً العربي :
تحيط بدول الخليج (مجلس التعاون) دولتان عربيتان كبيرتان هما اليمن في الجنوب والعراق في الشمال، وكل لها مشكلاتها الداخلية والخارجية، ولهما أيضاً علاقاتهم التفاعلية بالخليج.
اليمن بلاد كبيرة وخطيرة ، خرجت لتوها من مجمل حروب أهلية متواصلة، وصراع سياسي لازالت تعاني من نتائجه ، واليمن اقتصادها بسيط وشبه بدائي ، تتحكم في علاقتها السياسية الداخلية القبلية والمناطقية، وهي بشرياً مستودع خرجت منه هجرات عديدة ولا تزال.
ومنذ أن تحوَلت التجارة تاريخياً عن اليمن منذ عهود بعيدة أصبحت اليمن في شبه عزلة عربية وعالمية، فأصابها ما يصيب المجتمعات المعزولة من تخلف.
لليمن مشكلات حدودية مزمنة مع أحد أكبر دول مجلس التعاون وهي المملكة العربية السعودية، وقد نشبت نزاعات وشكَلت لجان ولكن هذا الموضوع لازال معلقاً، لم يبت فيه نهائياً، ويشمِل واحد من الخلافات التي يمكن أن تنفجر لأسباب مختلفة وبالتالي تشغل المنطقة وتستنزف مواردها، وتعيق التنمية في كل دول المنطقة .
من المهم أن نتعرف على اليمن، التي تنتابها اليوم حركات جذرية عن قرب ونحاول جاهدين أن نقيل بعض عثراتها، لأن الخيار الآخر في اليمن خيار صعب، بل إن اليمن لو تركت دون عناية يمكن أن تتحول إلى ما يشبه (أفغان عربية) في جنوب الجزيرة، حيث التركيبة الاجتماعية متشابهة والقوى القبلية قابلة للانقسام والاختلاف تحت شعارات راديكالية، تصيب الاستقرار في الخليج في مقتل، كما أن الوضع الاقتصادي المتردِي لا يسمح بتنمية معقولة إن انفصلت في جنوبه التنمية عن شماله.
أما العراق فمنه مخاطر عديدة، وفيه إمكانات واسعة، والمؤسف أن السياسة الحالية في العراق ليست مواتية لا للجيران ولا للشعب العراقي نفسه، فمن جهة يرزح الشعب العراقي وقواه الحية تحت نظام لم يتعرف بعد على المتغيرات الدولية، وربما يعيش آخر أيام الحرب الباردة غير واع إلى أنها انتهت منذ زمن، لقد سيطر الإذعان أو عدم الإذعان للقرارات الدولية على أغلب سنوات العراق في العقد الماضي وهي مرشحة أن تسيطر عليه سنوات قادمة، وتضع سياسات العولمة والسياسات العراقية على خط نقيض ومتصادم.
ولا تزال الولايات المتحدة في حيرة من أمرها تجاه العراق، ففي الوقت الذي يعاني منه الشعب العراقي بفئاته المختلفة وضعاً مأساوياً، تظل السلطة العراقية غير قابلة للتحرك بعيداً عن شعاراتها، إلا أن الخطوط الحمراء التي وضعت أمام العراق في الوقت الحالي، ومن الواضح أن نظام العراق واع لها وهي ثلاث، عدم تهديد أية دولة مجاورة له، عدم مهاجمة الأقلية الكردية في الشمال، عدم العودة إلى تشغيل برامج أسلحة نووية أو كيماوية أو بيولوجية.
لقد أصبح الملف العراقي هو الملف المشترك بين دول عربية وإقليمية وعالمية، وفي الوقت الذي تتحرك فيه ملفات عديدة في الشرق الأوسط، يبدو أن الملف العراقي بات راكداً لأجل مسمَى، ولكن تأثيراته على الخليج ستظل كجرح نازف.
وهناك الآن حديث يدور حول إعادة النظر في العقوبات تجاه العراق بشكلها الشامل للعودة إلى (العقوبات الذكية) التي تستهدف بعض المتسببين في هذه المأساة الفظيعة، ويدور جدل حول إمكانية رفع الحظر الجزئي على الصادرات النفطية العراقية فيما مضى، ونجح النظام في تحويل جزء من الدخل النفطي، رغم رقابة الأمم المتحدة، لخدمة أهدافه الخاصة .
العراق واليمن شكَلا في نهاية ثمانينات القرن الماضي نوعاً من الطوق ( مع مصر والأردن) على الخليج بعد أن تشكَل مجلس التعاون العربي من الدول الأربع، فيما بدا أنه رد على تشكيل مجلس التعاون الخليجي، كما شكَلا في وقت ما تحالف سياسي لفترة إبَان الاحتلال العراقي للكويت، ممَا فسِر وقتها وكأنه اعتراض على نوعية الحياة التي يحياها أبناء الخليج، ولازال طعم ذلك الموقف في الحلوق وإن خفَت حدته.
المشكلات العالقة بين العراق وإيران لازالت تشكِل أحد بؤر التهديد الكامن، فقد كان العداء بين الدولتين قد وقف حجر عثرة لأي تنسيق إقليمي، حيث فشل مؤتمر مسقط سنة 1975
عندما حاولت دول الخليج أن تسد الفراغ الناشئ من انسحاب بريطانيا بتعاون أمني شامل، كانت المنافسة العراقية الإيرانية وقتها هي التي جمَدت المشروع وفشل المؤتمر.
وظل الصراع بين الدولتين هامداً حتى بدأ يتفجر بصراع سافر في بداية الثمانينات في حرب شعواء بين البلدين خسر فيه الإقليم الكثير من موارده، وقد خسر أيضاً أية إمكانية للاعتماد الجماعي على قرض الأمن الإقليمي.
إيران والخليج :
السياسة الموحَدة تجاه إيران خليجياً يمكن أن تستقى من بيانات قمة مجلس التعاون المتكررة، فقط في القمة الأخيرة في الرياض نهاية العام الماضي، يشعر المراقب أن البيان الصادر عنها قد ترك مكاناً ومساحة معقولة للوفاق الإيراني الخليجي، وقد استقبلته الصحافة الإيرانية بترحاب لأول مرة منذ إنشاء مجلس التعاون، لابد من التذكير أن مجلس التعاون قد شكَل لجنة ثلاثية تكوَنت من السعودية وعمان وقطر لتقريب وجهات النظر حول الجزر، كما قدَم سفير الإمارات (خليفة شاهين المرِي) أوراق اعتماده في فبراير الماضي، بعد غياب لسفير الإمارات عن طهران لفترة تجاوزت الثلاث سنوات، وهي خطوة لها دلالة أن الإمارات لازالت حريصة على الالتزام بمبادئ حسن الجوار و البحث عن حلول سلمية للمشكلات العالقة.
والواقع يقول لنا أن العلاقات الخليجية مع إيران ليست متسقة، فهناك إمارات لها علاقات قريبة من طهران وأخرى بعيدة عنها، وإيران دولة مهمة في الخليج تطل على أطول مسافة لشواطئه كما تربطها به علاقات تاريخية ضاربة في القدم، وعلى العلاقة بإيران يتوقف الكثير من السلم والوفاق الإقليمي.
هوية الخليج محل نزاع عربي إيراني منذ فترة طويلة، ولقد كانت المصالح الدولية في العولمة الأولى هي التي حدَدت مناطق حمراء كي لا يتعدى النزاع على الهوية المخاطرة من الجانب الإيراني، ولقد استطاعت الدبلوماسية أيضاً وضبط النفس أن ينجحا في حل قضية كانت محط نزاع بين الجانب العربي والإيراني وهي استقلال البحرين وعروبتها، إلا أن مناطق النزاع لازالت قائمة في أكثر من جانب الأول هو الجزر في الخليج، وهي جزر لازالت متنازع عليها، وتسمم العلاقات الخليجية الإيرانية، وبعد ذلك وجود القوات الدولية، خاصةً الأمريكية في الخليج واعتراض إيران على ذلك، وإن كان الأمر الثاني قد قبل بشيء من الفهم وعلى
كثير من المضض، لازال الأول (الجزر) عقبة بين أي وفاق كامل بين الدول العربية المطلة على الخليج وبين إيران.
إيران تمر بمرحلة تغير، لا يستطيع أحد أن يراهن ما إذا كانت باتجاه محصَلة إصلاحية أو محافظة (على ما في المصطلحين من غموض) والدارس لتاريخ إيران الحديث يعرف كم دفع الشعب الإيراني من ثمن نتيجة تدخل الدول الكبرى ذات المصالح في شؤونه الداخلية، ويعرف وربما يقدِر المقاومة التي يبديها الإيرانيون اليوم (للخارج) خاصةً القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
لذا فإن أحد مناطق الاحتكاك الإيرانية الخليجية يمكن أن تنبع من عدم الثقة في الفارق في المفاهيم بين أن تبحث دول الخليج عن حلفاء لمساعدتها في استتباب أمنها في الخليج، ووجود قوى تعتقد إيران أنها ذات طبيعة غير متعاطفة مع السياسات الإيرانية، ويمكن أن تشكِل خطراً عليها.
لذا نجد أن المفارقة في السياسة الإيرانية أنها تفزع من أي حديث عن تعاون خليجي مع دول عالمية أو مناورات مشتركة تحدث بين دولة خليجية ودولة كبرى، في الوقت الذي لا يضيرها وجود قوى تنازع الدولة الإيرانية العداء السافر مثل مجاهدي خلق في العراق ، كما أن المفارقة الثانية تكمن في العلاقات الاقتصادية، فعلى الرغم من مشكلة الجزر بين الإمارات وإيران، فإن دولة الإمارات هي أكبر شريك تجاري في دول مجلس التعاون مع إيران (يصل مستوى التبادل التجاري سنوياً إلى حوالي مليار دولار).
لا تستطيع إيران مهما انتظرنا من وقت إلا أن تعود إلى سياسة إزالة التوتر وتعزيز الثقة، حيث أن برنامجها الإنمائي يعتمد كثيراً على الأمن والتعاون، وإذا سارت الأمور كما هو متوقع لها فإن الثقة في التعامل مع قوى العولمة الجديدة ستجعل من إيران أقرب إلى التعامل مع دول الخليج بطريقة أفضل مما تمَت حتى الآن.
النفط ذلك المعلوم المجهول :
في السنوات الأخيرة (الربع الأخيرمن القرن العشرين) لم تتقلب أسعار سلعة استراتيجية كما تقلَبت أسعار النفط، ولم تؤد أسعار سلعة استراتيجية إلى كثير من الحمَى السياسية كما حدث للنفط، ولم يشر إلى عامل واحد كمساهم في الاضطراب الاقتصادي وبالتالي السياسي كما هو النفط.
فنحن أمام سلعة لا كغيرها من السلع العالمية، بل متفردة، في تأثيراتها على المنتج والمستهلك على حد سواء، منذ فترة قصيرة لا تزيد على الثلاث سنوات كان منتجو النفط يعضون على أصابعهم وهم يرون أسعار هذه السلعة في تدهور ، وأخذت الحكومة خطوات قاسية لضبط الإنفاق وشد الأحزمة ، وبعد فترة وجيزة تداعت المعاهد المتخصصة في الغرب المستهلك للنفط لتدرس تأثير ارتفاع أسعار النفط للمستهلك ، والنفط هو أحد السلع التي تحصل منها الحكومات في الدول المستهلكة من المال غير المباشر أكثر من ما تحصل عليه حكومات الدول المنتجة.
ويدخل في تسعيرة أسعار النفط (العامل النفسي) فكثيراً ما تتدخل القوى المختلفة للضغط بطريقة أو بأخرى للتأثير على أسعار النفط، كالإعلان عن مصادر جديدة أو احتمال شح عالمي.
والنفط هو أحد محاور الاحتكاك بين دول الخليج والعولمة الجديدة، ففي الوقت الذي تريد فيه هذه العولمة أن تحل قوى السوق والعرض والطلب على السلع والخدمات لتقرر أسعارها، وبسعى المنتجون إلى (تقنين) العرض للحفاظ على أسعار مناسبة تساعد ميزانيتها للنهوض بأعبائها.
يعتمد على أي التقارير تقرأ لتقرر بأي اتجاه سوف تتطور الأمور في أسعار النفط في الأشهر والسنوات القليلة القادمة، فهناك من (الخبراء) من يقول أن السعار الحالية لا يمكن الحفاظ عليها أو على قريب منها لأن الدول المنتجة سوف تحاول أن ترفع من إنتاجها لتحصل على دخول إضافية بعيداً عن الاتفاق العام داخل منظمة الأوبك أو خارجها، وذلك لأسباب اقتصادية ولضغوط سياسية، وهناك من يقول أن أسعار النفط بقليل من التكاتف بين المنتجين يمكن أن تظل معقولة نسبياً للسنوات القليلة القادمة ومحققة لأهداف المنتجين التنموية، لأن الشركات
العالمية النفطية قد أحجمت عن الاستثمار في مناطق جديدة بسبب انخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة من القرن العشرين.لعله في نهاية المطاف سوف تعود الشركات الكبرى المنتجة للنفط عن طريق العولمة للحصول على حصة الأسد من النفط، لسببين الأول الاندماج الحاصل فيما بينها أسوة بما تفرضه العولمة الجديدة، والسبب الثاني أنها بهذه القوة سوف تحتكر التقنية الجديدة، التي سوف تعجز الدول المنتجة عن منافستها، ولكن هذا الطريق قد يجعل من المرجَح في المدى المتوسط والبعيد أن تستقر أسعار النفط بدرجة تجعل من الطرفين المنتج والمستهلك في وضع أكثر راحة حفاظاً على مصالحهم المتبادلة.
الخليج والسلام في الشرق الأوسط :
يبدو من المنظور الاستراتيجي أن السلام بين العرب وبين إسرائيل قادم، والأمر لا يحتاج إلا إلى زمن قصير لتحقيقه، وليس المطلوب هنا تحليل ماهية السلام وشروطه، بقدر تحليل ما هي المتطلبات العائدة على دول مجلس التعاون من هذا السلام.
هناك نظرية أو وجهة نظر شعبية تقول أن السلام سيقود إلى اندماج واعتماد خليجي اقتصادي على إسرائيل، وبالتالي فإن الدول العربية سوف تصبح هامشية في هذه العلاقة الجديدة، وهو قول مبالغ فيه ولأسباب عاطفية لا علمية، فالخليج إن احتاج إلى سلع وخدمات في مرحلة العولمة سوف يجدها في الأرخص و الأجود في السوق العالمي، وليس بالضرورة أن يكون سوقاً إسرائيلية، كما أن الواقع يقول لنا أن بعض دول الخليج لها علاقة ما اليوم بإسرائيل، وهي علاقة سياسية أكثر منها اقتصادية.
ما سيفرضه السلام على الخليج هو ما أسميه تمويل عملية السلام، وربما من جانبها العربي، فهناك مؤشرات تقول أن مبالغ طائلة لابد أن تصرف في البنية النفعية العربية للدول المشرقية الداخلة في عملية السلام، وأن السلام والفقر لا يتفقان خوفاً من استقلال غير منطقي لمشكلات الفقر سياسياً فتقود إلى تقويض السلام.
من هذا الجانب فإن العولمة الجديدة سوف تفرض في حالة السلام على الخليج المساهمة الاقتصادية في التنمية الإقليمية، وهو أمر يلمِح إليه البعض من بعيد وينادي به البعض بصورة علنية.