معوقات وتحديات مشاركة المراة الخليجية في التنمية

منتدى التنمية 39
محمد الرميحي
فبراير 2019
قبل المقدمة
الى اي درجة تحناج النخب في الخليج الى اعادة زيارة و اعادة تقييم في الافكار والاحكام و ادوات البحث والاستنتاج التي ترسخت في العقود الاخيرة في اقترابنا لمشكلاتنا ، ومنها قضية المراة ،ودورها الاجتماعي والثقافي و الانمائي ! ما تدعو اليه هذه الورقة هو (نقد المسلمات ) واعادة الاقتراب من مشكلاتنا (الاجتماسيسية و الاجتماثقافية ) من اجل تبصر اكثر واعمق !
مقدمة :
ينقل لنا استاذنا لدكتور صالح العجيري انه في وقت ما ( ربما في بداية الخمسينات من القرن الماضي) توفت ابنه صغيرة لاحد معارفة تبلغ من العمر ثمان سنوات ، و كعادة ذلك المجتمع، تجمع اهل الحي للقيام بدفنها ، وعند انتهاء الدفن ( فرك الاب يديه من التراب الذي علق به ) وقال ( الحمد الله توفت قبل ان تدخل المعارف) ! تعبرا عن عدم رغبته في دخول ابنته الى المدرسة ، و قد تخلص من ( العار ) من وجهة نظره في موتها المبكر ! وفي قصة اخرى انه اول بداية تعليم الفتيات في الكويت جتءت بعثة من ثلاث معلمات من فلسطين، وكان معهم اخ ( محرم) و دخل تلك المدرسة عدد قليل من الفتيات ، بعد اسابع جاء درس التدبير المنزلي ، فشرحت المعلمة للطالبات (ترتيب السرير) قالت : يوضع علاف من القماش على المخدة !، و هنا ينام الرجل و هناك تنام المراة ! تضاحك البنات ونقولوا ما سمعو الى امهاتهن ، وكانت النتيجة ان حرمت بعضهن من العودة الى المدرسة . في اطار ثقافة المجتمع الذي سبق النفط ، ومع بداية خطوات الدخول الى مايمكن ان يسمى ( العصر الحديث) اي قبل ماءة عام او حولها في منطقة الخليج ، كان هناك دائما تيار ولو صغير يسمى ( الاصلاحي) ، وتيار اخر يسمى ( المحافظ) سواء في موضوع تعليم المراة، او التعليم ككل، او تعليم الانجليزية ،ولو بحثنا في الكتابات الاولى التي كتبت حول مجتمه الخليخ في الثلث وربما النصف الاول من القرن العشرن ،لوجدنا ان الاصلاح ومضاده المحافظة في كل نشاط اجتماعي \ اقتصادي\ سياسي ، من فتح ابواب السينما ، الى اخيرا قيادة المراة السيارة ! الاختلاف تجاه ( ادوات العصر و ما يتطلبه من سلوك او مؤسسات) هو سمة للمجتمعات بشكل عام ، و مجتمعات الخليج ليست استثناءا ،وياخذ مووع المراة مكانا مركزيا في هذه الصراح بين الاصلاح كما يسمى وبين المحافظة . وكلاهما مفهوم نسبي له علاقة بخلفية المتحدث او الكاتب او الناشط او رؤيته ، و كان المسرح في ( الاصلاح ضد المحافظة ) او التحديث ضد الجمود او العكس ، المسرح هو الفضاء الديني ، وقد ثار في الكويت ما عرف بخطبة الجمعة ( 23 مارس 2018) حيث شبه الخطيب النساء دون حجاب فقال بالنص ( الدهوة الى حرية المراة هي في حقيقة الامر دعوة الى انسلاخها من الاعراف و العفة والحياء و الى الانحلال والسفور ) كلمات محملة بالكثير من الاشارات السالبة و ( غشمنة) على مستوى العقل ، وخلط فاضح بين ( الدين والاعراف)! وعبارات معبئة بالاحكام المسبقة ، ولحق تلك الخطبة حملة ايضا من وزراة الاوقاف ( رسمية) عبارة عن اعلانات في الشوارع تحمل شعار (حجابي تحلو به حياتي) ولم يقل احد ان هذا الشكل من الحجاب هو ( اسلامي) لا علاقة لهاذ بذلك !
ما تتطلبه هذه الورقة هو الاقتراب من مجموعة مفاهيم اهمها اربعة في نظري :
المفاهيم الاربعة
ما تفرض هذه الورقة مناقشته و المفاهيم المفتاحية لها هي :
الثقافة
التنمية
المعوقات
التحديات
• الثقافة : بدات بالثقافة لانها المفتاح الاساس الذي يمكن ان يشرح لنا واقع المجتمع ، ووضع المراة فيه وطبيعة التغيرات التي حدثت او تحدث حوله ، فالثقافة ( اي المفاهيم والاعراف والعادات و القيم والسلوك و طبيعة الانتاج ) كلها تفرز اشكال من السلوك وتحدد في سلم ما ( مكانة) الاشخاص في المجتمع . المراة في تارخ الانسانية المكتوب كانت دائما في مكان ما خلف الرجل ، سواء اقتصاديا او اجتماعيا او غير ذلك . مثال لا اكثر حتى سبعينات القرن الماضي لم يكن يحق للمراة في اسبانيا مثلا ان ( تفتح باسمها حساب في البنك )! وحصلت المراة التركية على حق التصويت والانتخاب قبل ان تحصل عليه المراة الالمانية! ! ثقافة المجتمع في الخليج بشكل عام كانت تضع المراة في السلم الاجتماعي الادني ( لوكانت خروف ماعشتك) ! عبارة تقال تقليديا تعبرا عن استجابة الاب لطالب القرب منه في ابنته ، او الحاق كلمة (كرمك الله) عند ذكر اسم النساء ، او حرمانها بعد سن معين من الخروج الى الشارع ، او حق التصرف في حياتها ( غسلا للعار) وحتى سنوات اخيرة وربما حتى اليوم ، هناك احكام مخففة على من يفتل قريبة له ( غسلا للعار) و المراة في الخليج كانت في حالة (تعددية) اجتماعيا ، فهي في القرى الزراعية تساعد في الزراعة ،وفي مناطق الرعى تساعد ايضا في رعى الماشية، وفي المدن المستقرة كانت تقوم بالمساهمة في العملية الانتاجية في المنزل ( الخياطة ، بيع الالبان) وعيرها من النشاطات التي لها علاقة بالانتاج المنزلي ، اما حقوقها الاقتصادية والاجتماعية العامة فهي، وان تكن ناقصة من وجهة نظر ( الجيل الحديث) الا انها كانت راضية وقابلة بذلك الوضع ، فقد ادخل في وعيها ان ذلك هو ( السلوك الصحيح والمقبول) ان تقبل ما هي عليه ، واستمر هذا القبول حتى عصر التعليم ( منذ الثلث الاول من القرن العشرين) فكانت الكتب المدرسة تقرر ما تفعله المراة و ما يفعله الرجل و يدرس ذلك ، و تؤكد النصوص التي تستقطع من كتب التراث على ( دونية المراة ) كمعطى نهائي وقطعي ،ولعل قصة ( حرق البوشية والعباءة) في الخمسينات في الكويت توضح النقلة النوعية في (ثقافة الملابس) و قد ارسلت الدولة الدفعة الاولى الى الجامعات المصرية فعاد معظمهن متمرد على لبس العباءة ! لا زالت الثقافة السائدة تحمل (تناقضاتها ) تجاه المراة بل وقبلت المراة في (زمن الصحوة) في الثلث الاخير من القرن العشرين ان يعودون من جديد الى ( النقاب والحجاب) تااثرا بالصحوة و استجابة لفشل المشروع ( القومي)
• التنمية
التنمية مفهوم اقتصادي اجتماعي ثقافي قدم لنا في أدبيات ما بعد الحرب العالمية الثانية،وقد التقطه الكثيرون منا للحديث فيه من مدخلاته المختلفة للتدليل على تقدم المجتمع أو قدرته على النهوض ، وكان جل هذه الأدبيات منصبا في مدخلين اقتصادي و سياسي للبحث عن أسس وقواعد مساعدة على التنمية على التطور الاقتصادي والسياسي ، أما المدخل الثقافي كأحد العناصر الحاثة على التنمية ، فلم يكن مطروقا بشكل واسع في بدايات الحديث عن التنمية ، وقد تنبه أليه في الفترة الأخيرة.
وكان السؤال الكبير الذي يبحث عن إجابة من خلال التنمية هو لماذا تقدموا (هم) و تخلفنا (نحن)؟
وقد طرق هذا السؤال كثير من المفكرين العرب في جل سنوات القرن الماضي من شكيب ارسلان ألي طه حسين ومحمد عبده و الطهطاوي وقاسم أمين، مرورا بعشرات غيرهم من القرن الماضي وانتهاء بالمهدي المنجرة و عبد الله العروي و ياسين الحافظ و العفيف الأخضر.
في الفترة الأخيرة بدأت كتابات عديدة تحاول أن تتبين معالم هذا الطريق،هل أسباب التخلف ( عكس التنمية) استعداد فطري لدي البشر، أو بشر بعينهم، أم هو محض ثقافي له علاقة ببعض العناصر الثقافية في المجتمع المعني؟
استقر رأى ثقاة من الباحثين على أن التخلف ليس هو بسبب مناخ أو تضاريس أو حتى نظام حكم، قد تكون هذه أسباب ساعدت في عدم دخول أبواب التنمية، بالمعنى الشامل ولكن السكوت عن بعض قيود البيئة الاجتماعية هو سكوت عن عمد لتجاهل بعض معوقات التنمية، وقد اعترف به في المرحلة الحالية كواحد من أسس التخلف، فالمعوق الكبير لتحقيق التنمية هو الثقافة السائدة في مجتمع بعينه، وخاتصة نظرته ت الى المراة ، وبمعنى آخر للوصول إلى ما وصلت أليه البلدان و المجتمعات الأخرى لتحقيق ( المعجزة) الاقتصادية ، لا بد أولا من درس ونقد الثقافة السائدة في المجتمع، للبحث في عناصرها، وفرز المعوق منها.
التطور و النمو في المجتمعات هو سلعة تاريخية نادرة وهو الاستثناء و ليس القاعدة،ولا غني عن مجموعة من الشروط الاقتصادية و السياسية ولكن أيضا الثقافية كي يتحقق،والتي لا تجتمع بسهولة كما يعتقد البعض، ومعرفتها تتطلب سبرا تاريخيا طويلا لمعرفة العام و الجوهري في الثقافة السائدة وما هو ثابت منها و ما هو مؤقت وما هو مقبول استمراه وما هو اجب التخلص منه واحلال مفهايم اخرى بدلا عنه .
التطور أو النمو بشكل عام غير قابل للتقليد من آخرين بحذافيره، و غير قابل للتنفيذ من جهة أخرى إلا بفعل تحول داخلي في المجتمع المعني، يبدأ بتغيير في الثقافة،فالثقافة هي مقدمة لبيعنا السلع و الخدمات وقبولنا او رفضنا لنوع معين من السلوك الاجتماعي او المؤسسات السياسية .
بل لقد كشفت بعض البحوث الاجتماعية و الأنثروبولوجية عن وجود ملامح سلوكية وفكرية مشتركة بين فقراء مجتمعات عديدة، كما دلل عالم اجتماع هو أوسكار لويس الذي قام بعدد من البحوث المقارنة في كل من قارة أمريكا اللاتينية و آسيا، وجد بعدها أن الفقر ليس ظاهرة اقتصادية تتمثل في انخفاض مستوى الحياة المادية، إنما هو ( ثقافة) كاملة لها قيمها وأخلاقياتها وسلوكياتها و أنماطها الفكرية التي يتمسك بها الفقراء، ويقاومون أية محاولة لتغييرها، وان هذه الثقافة التي أطلق عليها أوسكار لويس ثقافة الفقر لها علي هذا الأساس قدرة فائقة على الاستمرار في الوجود، والانتقال من جيل ألي آخر شان أية ثقافة أخرى
ربما كانت مثل هذه المدرسة من التفكير قد ذهبت بعيدا في ماسة الفقر و التخلف، ولكن المشاهد أن التغيير في الثقافة السائدة في المجتمع، وتبني أفكار ثقافية جديدة هي التي تساعد المجتمع على النهوض، المثال الأوضح هو الصين، من نظام علاقات ثقافية شبه إقطاعية ألي نظام ( ثوري) حديث، ولكن المثال يأخذنا ألي أمثلة عديدة، فاليابان هي أحد الأمثلة الواضحة، و كذلك جنوب شرق آسيا و تقدم مجتمعاتها صناعيا و خدميا بعد أن طورت في ثقافتها التقليدية السائدة.
انما السوؤل الذي يوجهنا ماهو المطلوب من المراة الخليجية ، ماذا نريدها ان تفعل او لا تفعل ، تعتنقد او لا تعتقد تسلك اول تسلك في المجتمع ، وما الموقف المطلوب منها ولها في (شكل التنمية) التي يراد للمجتمع الخليجي ان يقوم بها .؟ ربما نقدم مفهوما اخر غير ( مفهوم التنمية التي تعودنا على ترديده) و ذلك المفهوم الاخر هو ( الحداثة) اي معايشة العصر ، و سباق الحداثة لا يمكن ربحه ما دامت المراة تنظر الى نفسها وينظر اليها المجتمع وكانها (مواطن من الدرجة الثانية) التحرر من فكرة ( العبودية المختارة) اهتدى اليها توفيق الحكيم في ( شهرزاد) اذا عنما يخشى العبد ان يقتله الملك اساله شهرزاد
– هل تعرف كيف يُقتل العبد ؟
– كيف …..؟
– بتحريره …!
• المعوقات
 خلط الديني بالسياسي بالاجتماعي
في صراع التحديث والمحافظة يميل التيار الاخير الى خلط الديني بالسياسي بالاجتماعي ، و هو امر يظهر لنا في كثير من الساحات، السياسية و الفكرية والتعليمية و الموقف من المراة من بينها ، فهناك خطاب يركز على مجموعة من القيم على انها (قيم صلبة) و (قيم دينية) كمثل شكل الملابس الخارجية او (التعليم المشترك) او العمل المشترك ، يخلق ذلك الجو ( شبه الارهابي) للتخويف من قيم الحداثة والمعاصرة ، واضح ان البعض من المحافظين يعيشون في زمن افتراضي خارج الواقع ، فمنع المارة من التعامل مع الرجل، خارج الاسرة او العائلة ، مع وجود وسائل التواصل الاخذه بالتطور ، فان ذلك المنع هو خيالي على اقل تقدير !!
 التعليم
أي عدم تحقيق التعليم( نهضة اجتماعية) في دول الخليج وفشله في تكوين (راس المال البشري) الذي يمكن ان يعول عليه ، على الرغم من وجوده بشكله ( المنظم) منذ قرن تقريبا في بعض مجتمعات الخليج ، هو اول التحديات ، والإشارة إلى أهمية التعليم لها علاقة أيضا بتأكيد نوع من الهوية الجديدة و القيم الجديدة . وعلى الرغم من أن ميزانيات التعليم مجزية بشكل عام في( دول الخليج الست)إلا أن محتواه و مخرجاته في نظر كثيرين، اقل من القيمة المضافة المتوقعة ،ولقد تحدث كثيرون من المهتمين عن علاقةسلبية (بين التعليم والثراء المحقق من الموراد الطبيعية ) ولعلها فكرة ناقصة ، ما ينقص الاستفادة من التعليم (هو ضعف الإدارة السياسية) لتشكيل راس مال بشري ،والتي لم تتبين أو لم ترد أن ( تفعل التعليم) من اجل مجتمع أفضل، فسلمت العملية التعليمية في بداية الأمر ولفترة بشكل عام( إلى الجماعات المحافظة ) كما إن الاهتمام بتدريب المعلمين كان منخفضا أيضا وحتى وقت متأخر لم يستطع السلم التعليمي في الخليج إنتاج معلمين أكفاء خاصة لتدريس العلوم البحتة و التطبيقية عدم الاهتمام بالتعليم يظهر في( الموقف المتراخي) من فضيحة تزوير الشهادات على مختلف درجاتها ، بل ترك أولئك المزورين يقوموا بتدريس الأجيال المقبلة ، وفي مكان أخر هناك حوالي ستون جامعة في الخليج ،نصفها جامعات أهلية ، عليها رقابة ضعيفة مما يوجهها الى التعليم التجاري في الغالب . هموم التعليم كبيرة لدى المهتمين ،وهم أقلية، و في أخر اولويات متخذ القرار في نفس الوقت ربما ان ( التعليم الجديد) قد ياكل من الولاء السياسي المطلوب
 المساواة القانوينة
سواء في العمل المتساوى والاجر المتساوي ، او حق المراة الخليجية في توطين ابناءها ( من زوج غير مواطن) او حقها في السفر الحر غير المرتبط باذن مسبق او غيرها من الحقوق التي تدخل اليوم في الاطار العام لحقوق الانسان .
• التحديات
 شكل التنمية في المجتمع الخلجي
علينا ان نعيد التفكير في واقع ( التنمية) في الخليج ،وما نشهده هو في الواقع (نمو) وليس تنمية ومحقق من خلال دخل ( يزيد او ينقص) من الموراد الطبيعية ، وكل الجهد المبذول فكريا من النخب لم يصل الى ان يتحول الى سياسات لجعل الهدف ( التنمية) تدريجيا خارج اطار ( المواد الطبيعية) لذلك فان قيم مثل العمل ، الوقت ، الانجاز ، التجويد ، المبادرة ، هي قيم لم ترسخ في هذا المجتمع (الريعي)
 النقطة العمياء
الجهد المبذول في التحديث في المجتمع الخليجي ( هو في الغالب) خارجي ويعتمد الى ( اليد العاملة الاجنبية) و تشوبه الكثير من ( الامراض الاجتماعية\ الثقافية) مثل ، تزوير الشهادات ، و الباطنية الاجتماعية ، القيمة القليلة لمفاهيم الانتصار للحق والحريات .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.