تاثير التقنية على المجتمع
محمد الرميحي
نحن نعيش في هذا العصر الرقمي في بيوت من زجاج ، بسبب الثورة غير المسبوقة في وسائط الاتصال التقني، وما حققه من ثورة في وسائل التواصل الاجتماعي ، و لقد زاد انكشافنا بسبب وسائط التواصل الاجتماعي المتعددة ،كما لم ننكشف من قبل لقد سببت هذه الثورة الرقمية تغيرا ضخما في علاقتنا الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية والصناعية ، فلاح نيجيري اليوم يقف على ضفة نهر كروس ، تتوفر له من القدرة على التواصل مع العالم ،ما لم يتوافر مثله منذ سنوات قليلة للرئيس الامريكي رونادلد ريجن في ثمانيات القرن الماضي ، بيوت الزجاج هي في المكتب والبيت والسيارة والطائرة او في اي مكان تتوفر فيه اتصال بهذه الشبكة المسماة (الانترنت) بل من خلالها نسطيع ان نطل على العالم في التو واللحظة ، لم يعد شبئ بخاف عن الاخر او يمكن كتمانه لفترة طويلة ، ان قرر احد معرفة شيئ ما يستطيع ان يفعل فقط بكسبة زر . تلك الثورة تغيير جذريا الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية و الفن العسكري، وحتى حياتنا في البيت واتصالنا مع الاخرين . منذ سنوات قليلة فقط ( فبراير 2013) شركة رقمية خاصة تسمى ( مانديانت) نشرت ان الجيش الاحمر الصيني يقوم بشكل منظم بسرقة معلومات تجارية وعلمية من شركات غربية عملاقة ،في اغسطس 2012 تعرضت شركة ارامكو السعودية العملاقة الى تخريب رقمي هائل ، ثلاثون الف كمييوتر نزعت منها معلوماتها، و وجب التخلص منها، حيث اصبحت غير نافعة! شؤوننا المالية والصحية والمعرفة والشخصية كلها موجودة على الشبكة الرقمية، وكلها معرضة ان يطلع عليها اخرون او يسرقونها. على المستوى الشخصي تستمع الى قصص ان بطاقة الائتمان الخاصة بك قد صرفت مبالغ في نيويورك، وانت مسلتقي في فراشك في الكويت ! لو لا الشبكة الرقيمة لما عرفنا ويكليكس وفضائحها على مستوى العالم . العالم الزجاجي له من جانب غواية ومن جانب اخر هداية ، هذه المعادلة الصعبة بين الغواية والهداية هي التي تواجه شبابنا اليوم وهو ملتصقون باجهزتهم الرقمية.
في عالمنا العربي نسبة الشباب من السكان تقارب سبعون في المائة ،وهم اليوم معرضون كل يوم وكل ساعة، اما الى غواية او هداية ، وتستخدم الدول التي تقوم بالتخطيط هذه الشبكة لتحقيق اهدافها من خلال معرفة علمية بالمجتمع الذي تخاطب ، سواء مجتمعها او المجتمع الاخر ، منذ سنوات قررت اسرائيل شن هجوم على معسكر جنين الفلسطيني في الضفة الغربية ،وفي نفس الوقت برمجت فلما سينمائيا فاضحا للبث للشباب من خلال محطة تلفاز عربية تشغلها ، وحتى يتسمر الشباب امام الشاشات، ويقوم الجيش الاسرائيلي في نفس الوقت بجريمته باقل مقاومة تذكر . العنف والجريمة الانحراف و شن حملات لقتل الشخصية (معنويا) والترويج السياسي او التجاري ، اصبحت كلها تستخدم هذه الوسائل من اجل حرف وعي، او خلق وعي مختلف او بديل . يقابل ذلك نقص شديد في المناعة لدى شبابنا ،وهو نقص مناعة منهجية .بسبب عدم عناية بتثقيف هؤلاء الشباب و توفير المنهج العقلي لهم لفرز الصحيح من المزيف ، وتتوفر لدينا اليوم معلومات قام بجمعها اخرون تناقش المناهج والطرق التي تتبعها الحروب الثقافية المُشنة ضدنا والتي لا يتوفر لها مصل مضاد في ثقافتنا .نواجهها برب عائلة صامت، و مدرسة لا تعى الاشكالية التي تواجه ، و سياسة عامة تتوخي القشور لا الجذور وتراخي مجتمعي في خدر لذيذ . او من خلال تشريعات قاسية تغذف ببعض المقرر بهم او ناقصوا الوعي الى السجون !!
التكوين المعرفي العربي مخترق !
حتى الان لم يتبين لنا نحن العرب ،كم نحن في غاطس معرفي عميق، وصل بنا الامر ان تصبح اوطاننا ملعبا في حين تحولت معظم شعوب العالم الى لاعب مؤثر ، صغيرها وكبيرها يتمتع بالاستقلال و التصرف والتاثير في عالم اليوم . الملعب الذي هو نحن، له مساحة وليس له قواعد للعب فيه ، فوسائل الاتصال الاجتماعي التي انبهر بها شبابنا وشيبانا قد اثر نتاجها في صلب تفكيرنا وكيفه ،حتى وصل الامر الى ان تقودنا في بعضها الى الشقاق ،الذي يشتت مواقفنا ليس كافراد او جماعات بل ودول ،اكثر منما هي مشتتة ويغري الاخرون بنا و بمقدراتنا .
خذ ( تويتر )وسيلة التواصل الاجتماعي الفذة ، وما يتركه من اثر بسبب بضع كلمات تقال على عوانها من رجال أونساء ليس لديهم خبرة او دراية كافية بالشأن العام ،او حتى تقدير تاثير ما ينشرونه على تلك الوسائل ، على حياة الاف الناس ومستقبلهم وخبز يومهم ، يتم ذلك بسبب نقص في الفهم والثقافة لدى كثيرون منا ، اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي آلة اغتيال دون صوت .
في وقت من عام 2017 حصلت مشاجرة بين عدد من الكويتين والمصريين في مكان عام ، وهي مشاجرة تحدث امثالها في معظم ان لم يكن كل دول العالم لسبب او لاخر ، بين مكونيين اجتماعين او اكثر ، في الغالب مثل تلك الاحداث تبقى محصورة و قابلة للاحتواء من السلطات تحت سقف القانون ، وفي اكثرها لا تمت الى القطاعات الواسعة من المكونيين او الشعبين بصلة ، حدث مثلها في مدينة استنبول قبل اشهر بين مواطن تركي و مواطن سعودي ، و مثلها في نيويورك بين مكون اجتماعي واخر . تويتر في الحالة المصرية الكويتية اشعل ما لا يجب اشعاله، وهو النقد القاسي غير الموضوعي للعلاقة بين الشعبين مصر و الكويت . شخص واحد، بدأ وكأنه يكلم نفسه وهو لا يشعر ان كلماته سوف تصل الى عشرات الالاف من الناس ، اطلق الكثير من شعوره الشخصي السلبي الناتج عن الحادثة والقاه على جمهور متعطش ، فقام له بعض من شاكلته في القصور في الطرف الاخر ليرد عليه بقسوة ، وهكذا اشتعل الموقف، وكانه ( بين دولة واخرى) دون دراية ولا حصافة من المشاركين في الجانبين ،كل يكيل للاخر الكلام السلبي الذي لا يقال في مجالس متحضرة،وقد عرض علاقة دولتين لهما تاريخ مشرف في العلاقات الحسنة الى الكثير من التجريح .
ليس هذه فقط ،بل افسد الاستخدام غير الحصيف لوسائل التواصل الاجتماعي في فضائنا العربي مجموعة واسعة من العادات والقيم والوسائل التي كانت السبيل الافضل للمعرفة ، فكثير من طلابنا اليوم تقهقرت عادات القراءة الورقية عندهم الى الخلف، واستعاضوا بتصفح تليفوناتهم الذكية ذات الملخصات المبتسرة بدلا من القراءة الجادة الموسعة ، بل تصدع مستوى التحصيل الدراسي لدى الطلاب العرب في بلاد تحتاج اول ما تحتاج الى علم جاد يخرجها من براثن التخلف . لقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة على انتشار الاشاعة السلبية كما لم تنتشر قط، وهي اشاعة اقتصادية، سياسية ، اجتماعية وبل حتى شخصية . في الوقت الذي اكتسب بعض شبابنا مهارات تقنية عالية بسبب استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة ، الا ان معظمها استخدم بشكل سلبي ، فان السلبيات التي تحققت من هذا الاستخدام تفوق تلك الايجابيات ، فهناك تقلص في الاهتمام بمذاكرة الدروس ، وغياب الانضباط المدرسي وتدني في مستوى اعداد البحوث او اتباع المنهج العلمي الدقيق الذي يقود الى المعرفة، كثيرون من الطلاب يلجؤن الى الشبكة العنكبوتية من اجل الحصول على المعلومة السريعة او حتى نقل البحوث المطلوبة منهم نقلا حرفيا ،و اعتبار ان تلك المعلومة المستقاة من الانترنت نهائية وحقيقية وغير قابلة للدحص ، وهي قد لا تكون كذلك.
موقف الدولة : لقد وضع الاعلام الجديد الدولة العربية في حيرة من امرها بين المنع والسماح، وبين وضع القوانين المقيدة او التوجه نحو الرقابة المسبقة ، بين اخذ المتهورين الى المحاكم و من ثم السجن ، وبين حقوق الانسان في التعبير عن نفسه ، الا ان الامر المؤكد اننا في عصر لا يمكن ان نقوم ب ( ضبط ) وسائل التواصل الاجتماعي و تحجيم تاثير الشبكة الاجتماعية على الراى العام من خلال اصدار القوانين فقط ، فمرحلة الضبط بالقوانين قد فات زمانها ، وكل الدراسات الحديثة تؤكد ان هناك طرق للحصول على المعلومة او بث الاشاعات او الاخبار الصحيح او غير الصحيح مباشرة او غير مباشرة ، لا يستطيع القانون ان يمنعه. في عام 2015 اضطر مدير المخابرات البريطانية الداخلية ام اي 6 ولاول مرة منذ انشاء الجهاز قبل 106 سنوات ان يظهر على وسائل الاعلام وهو في وظيفته ، ليدعوا شركات الانترنت للتعاون مع الجهاز لتتبع من يسى استخدامهم هذه الوسيلة ( التواصل الاجتماعي) لتنظيم عمليات الارهاب ، كمايرى اخرون ان تلك الشبكات تساعد على افشاء اعمال سلببية او افساد في المجتمع وتحضير لصفقات مشبوهة.
لن يجدي في القادم من السنوات وقف وسائل التواصل الاجتماعي او التقليل من تاثيرها السلبي على المجتمع، فقد اصبحت جزءا لا يتحزأ من العولمة الثانية التي نعيش . الحل هو في مكان اخر ، و هو تحصين الناس بادوات معرفية حتى تصبح لديها القدرة على مساعدة الافراد في فحص السيئ والسلبي من المعلومات ،و يستطيع الافراد من خلالها استخدام المنهج العقلي المتوازن للحكم الرشيد على ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي اي العانية بما يعرف ب ( المناعة المعرفية) . الفرق بين الشعوب الصناعية المتقدمة و الشعوب في طور النمو، ان الاولى لديها مناعة من نوع ما في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها قانونية في حدها الادنى، و معظمها له علاقة بالحصانة المعرفية ، اما شعوب العالم النامي والعرب منهم ، فان تلك المناعة \ الحصانة المعرفية ، هي في ادنى درجاتها ، كما ان الثقل العاطفي الذي تتميز به ثقافتنا ، يزيد لدى تلك الشعوب من استقبال الغريب والمثير، وتحول الاشاعة الى حقيقة ،ومن هنا فان المخاطر التي تستجلها وسائل التواصل الاجتماعي تحمل مخاطر ضخمة على النسيج الاجتماعي، وعلى الامن الوطني في آن معا . لقد حققت فتاة صغيرة في السن تعيش في الكويت ما لم تستطع تحقيقه وسائل تقليدية في الاتصال مثل الصحف او التلفزيون من بث الفرقة واثارة الناس (في الحالة السابقة من المثال الكويتي المصري) ، لانها ببساطة اعتقدت انها تخاطب نفسها ، وفي حموة الحماس، خلطت الامور خلطا جاء بالضرر على عشرات الناس لولا الحكمة و الفهم الصحيح لدى متخذي القرار في كل من مصر والكويت ، وعرضت بكلامها غير المنضبط مصالح الالاف من البشر ، عدى تسميم علاقة اتصفت منذ زمن بالتوافق والفهم المتبادل. اذا كانت ذلك الاستخدام من تلك الفتاة قد تم احتواؤه ، فمن يستطيع ان يضمن لنا في المستقبل ان لا تندلع شرارة مثل تلك، لتحصد الاخضر واليابس . لكل وسيلة مما اخترع الانسان ضوابط ، الا وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة حتى الان ،التي يستطيع اي شخص ان يقول اي كلام دون بوابة او مرجعية اوقيد ،وقد يضر مجتمعه و يضر علاقة دولته بدول اخرى و يعرض الامن الوطني الى الخطر . لقد ان الاوان الى التفكير في وسائل لمنع الاختراق المعرفي الذي فتح علينا من بوابات العالم الاربع الكثير من الحمم.
هل نعرف كيف يتغير العالم من حولنا ؟
الثورة الرقمية يمكن فهمها عندما نستعرض التطور التقني الهائل في غضون سنوات قليلة ، فقبل دخول القرن الواحد و العشرين بعامين فقط كانت شركة كوداك المعروفة باحتكارها لمجال واسع في اعمال التصوير تًشغل 170 الف عامل وعاملة في مصانعها ، وكانت تبيع 85% من كل ورق الطباعة الخاصة بالصور في العالم ،مع مرور سنوات قليلة فان نوع اعمال تلك الشركة الاقتصادي كله تبخر في الهواء وامثالها ، و أفلست الشركة والشركات التي كانت تزودها بالمادة الخام ، ولم يعد العالم يحتاج الى ورق لطباعة الصور عليها ؟ بل لم يعد العالم يحتاج الى ألالات كاميرا تقليدية، وكذلك اجهزة الفاكس التي لم تمعر اكثر من ربع قرن فقط ، ثم لاشت الحاجة لاستخدامها ، لقد حلت التقنية الجديدة بثورتها بدلا من الكثير من الشركات التقليدية، وحل جهاز التليفون الذكي الصغير المحمول في الجيوب ، من كل الانواع ،محل كل نلك العملية المطولة في التصوير او بعث الوثائق . هل يصدق أحد اليوم بسهولة أن كل مواقع التواصل الاجنماعي التي نعرف عمرها بالكاد عشر سنين او اكثر قليلا فقط ، وقد يخبئ لنا المستقبل القريب مفجئات اخرى . قبل ثلاثة عقود من الزمن كان الانتاج البريطاني يعتمد على الصناعة ، اليوم 80 % من الاقتصاد البربطاني هو إقتصاد خدمات ،في قلبة ( إقتصاد المعرفة) و قبل سبعين عاما او اكثر كانت الامبرواطورية البريطانية تنوح على فقدها للقارة الهندية بسبب الخسارة الاقتصادية التي توقعت ان تحل بها ، اليوم التبادل الاقتصادي بين الهند وبريطانيا يفوق ثلاث مرات في المكسب للشركات البريطانية عنها عندما غاردت بريطانيا مستعمرتها الهندية، ذلك كله بسبب تقدم التقنية .
في المانفسنو الانتخابي للرئيس الامريكي باراك اوباما في عام 2007 وعد الناخبين بالتخلص من استيراد النفط الخارجي للصناعة و الاعمال الامريكية في خلال عشر سنوات، وقد فعلها في خلال ثمان سنوات فقط، مرة اخرى بسب تقدم التقنية ! قبل سنوات قليلة كان المواطن ينتظر الاخبار من الراديو او التلفزيون، وتمر ساعات وفي بعض الاوقات ايام قبل ان يستمع الى خبر هام ينتطره ،اليوم اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المصدر للاخبار، حتى غدى رؤساء الدول والسياسيون في العالم يتسابقون على ايجاد مواقع لهم شخصيا على وسائل التواصل الاجتماعي للاتصال بجمهورهم ،بل اصبح الساسة في سعيهم الحثيث الى ( الحاجة للموافقة على افكارهم) يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن يستخدمو مؤسساتهم الاعلامية . وتنقل وسائل الاتصال التقليدية ( مثل التلفزيون او الاذاعة ) فورا تلك الاخبار من تلك المواقع، ويستطيع اي شخص في العالم ان يمرر خبر لم تعرف عنه وكالات الانباء العالمية. قبل سنوات فقط عندما ترغب ان تحول مبلغ من المال عليك ان تذهب الى البنك او تنتظر الصراف، وبعد ايام يصل ذلك التحويل الى اصحابه ، اليوم بكبسة زر وانت في بيتك او مكتبك تستطيع ان تشترى او تحول او تتبرع بمبلغ من المال في لحظات لا غير ،ويصل المبلغ قبل ان تغادر مكتبك الى وجهتك !
باختصار العالم يتغير من حولنا بسرعة بسبب ثورة التقنية ، يرى الخبراء في التقنية الحديثة أن ما لدينا اليوم من معرفة تقنية ليس اكثر من رأس جبل الثلج ، والقادم أعظم واكبر . وأنا اكتب على جهاز الكبيوتر ، لا يفتح هذا الجهاز الا إذا وجد صورتي أمامه، اما غير ذلك فانه لن يفتح أبدا، سوف يبقى ما اكتب سرا لا يطاله أحد، مؤسسة الاستخبارات الامريكية دخلت في نزاع مع شركة منتجة للتليفونات الذكيه، لان الاخيرة لم تسمح لها بفتح جهاز لاحد المستخدمين المطلوبين للعدالة ، و قامت شركات التواصل منذ اشهر باعادة تشفير رسائلها المتبادلة بين المستخدين حماية لخصوياتهم ،في الغالب حتى تضمن السرية المطلقة وغير القابلة للاختراق ! ومع ذلك يتم الاختراق بقسوة وبكثرة من عابثين او مؤسسات رسمية ،التغير التقني هائل ، ادى حتى الى انخفاض اسعار النفط هو من اساس عيشنا في الخليد وبسبب تطور التقنية، فقد ساعدت على تحويل الصخور الى نفط ، واصبحت تنتج ما يسمى النفط الصخري بفضل التقنية المتقدمة وباسعار معقولة، تغني جزئيا عن النفط الاحفوري!!
الهند بها اليوم ثمان معاهد للتقنية IIT ، بدأت بواحدة ، اسسها المرحوم جواهر لال نهروا في الخميسنات من القرن الماضي، ثم انتشرت في الهند، واُسست على غرار ( المعهد التقني في ماستشوزت MIT ) في الولايات المتحدة ، وهي الان تدر على الاقتصاد الهندي عشرون بليون دولار كل عام! كما اصبح الفنين من الجنسية الهندية، وهم في الغالب خريجوا تلك المعاهد، من كبار المديرين في شركات التقنية الحديثة في الولايات المتحدة الامريكية. في هذا العالم الجديد نقطة الارتكاز لم تعد كما كانت في النظريات الاقتصادية القديمة، وهي الارض وراس المال و قوة العمل ، اصبحت النظرية الجديدة هي ما يسمى اقتصاد المعرفة، اي العقل البشري، لقد انتقل الاقتصاد في العصر التقني الى شيئ اسمه ( الابتكار) المفتوح للدول و المجتمعات المختلفة، هذا الاقتصاد المعولم تقوده التقنية . اكبر شركات التسويق على الانترنت هي شركة ( على بابا) الذي ابتكرها شخص صيني، اصبح اكبر ملياردير في قارة اسيا ،شركات مثل (ابل) و (جوجل) و(مايكروسوفت) تدر على الاقتصاد الامريكي اكثر من الدخل المُجمع من شركات الطيران او النفط ، لقد غيرت تطبيقات مثل ( ايربامب) و ( يوبر) و ( امازون) كل من صناعة الفنادق والسيارات و المولات الكبيرة على التوالي كما لم يحدث في تاريخ البشرية الاقتصادي من قبل ، كانت الافكار تلحق بالاستمثار, واصبح الاستمثار يلحق بالافكار من اي مكان قدمت.
لا زال العرب مع الاسف في مربع النظريات الاقتصادية القديمة ، الادخار و الاستمثار و تشغيل العمالة غير الماهرة، في الوقت الذي يساهم معظم العالم في التفكير الابتكاري. وبيع تلك الافكار الى العالم، دون فتح حساب في البنوك ولا استئجار محلات او حتى دفع رواتب موظفين في كثير من الاحيان . يجتاح العالم بسب التقدم التقني تغيرا هائلا في العلاقات الاجتماعية ، وفي علاقات السوق والتجارة، وفي العلاقات السياسية، وفي الخطط الحربية ،و في استمالة وتغير افكار الجماهير وفي النظر الى المرأة و في طرق التعليم والتًعلم والتدريب و طرق الاعلان والتسويق، وفي ارتكاب الجرائم و في التنمر ، وحتى السفر و المواصلات، بل اصبح الحصول على اتصال مع الشبكة الدولية للانترنت من الحقوق الاساسية للانسان، في حال حجبها تتعرض الدول الى المقاطعة و المسائلة. طبعا لا بد من الحديث عن المخاطر التي تصاحب هذا الانفجار المعرفي، وهي مخاطر شخصية و ابضا وطنية ،تبدأ بما عرف بمرض ( الادمان) على الانترنت، الى التعرض للابنزاز وحتى السرقة أو الغواية،وهي مخاطر يمكن حسابها وتوقيها في المجتمعات الواعية. الا ان الامر الاكيد اننا كعرب لا زلنا ننظر الى هذه الابنكارات باعجاب ودهشة ، وقليل منا يدعو الى احتضانها في مدراسنا و جامعتنا وسياساتنا ،فنحن لا زلنا ان اردنا قضاء حاجة علينا البحث عن واسطة وتوقيع اوراق لا لزوم لها ،ثم ياني الجواب (مر علينا بكرة)!! اننا نشهد ثورة لها الكثير من التداعيات ما سبقة هو بعضها فقط ونحن على الاكثر ( غافلون) .
الخلاصة
(ما في الفخ اكبر من العصفور ) مثل خليجي !
الذي يٌعرف من اسرار هذا القضاء الرقمي حتى اليوم جزء يسير ، وتعرف الحكومات العميقة ، خاصة في الغرب، اضعاف ما يعرف في العلن ،ولكن ايضا المخاطر على الافراد و المؤسسات و الدول اكبر مما يتوقع كثيرون . لم يعد العالم يدار بالأسلحة او الطاقة او المال، ولم تعد الجاسوسية تخطى حدود الاخر او استخدام الفتيات الجميلات ، العالم يدار اليوم بالاحاد و الإصفار . الإثارة التي يبعثها الحديث حول الحرب في الفضاء السيبراني موثقة او بعضها على الأقل بعمق في كتاب عالم المعرفة الصادر شهر مارس 2019 ، و هو بعنوان ( المنطقة المعتمة : التاريخ السري للحرب السيبرانية) الفه فرد كابلن وترجمته سلسله كتاب عالم المعرفة الذي يصدرهاشهريا المجلس الوطني للثقافة في الكويت، معاناة المؤلف في جمع المادة و التي شرحها بشكل مفصل لافته ، فلم يترك المؤلف حجرا في اسرار هذا الفضاء في الولايات المتحدة الا و قلبه ، ومع ذلك يعترف ان ما قدمه للقراء هو فقط رأس جبل الثلج الذي يشكل هذا العالم الاحادي الصفري . قراءة الكتاب تقدم نظرة واسعة لهذا العالم الخفي و المعارك التي تدور في الولايات المتحدة من اجل تطوير النظام الرقمي العالمي و ايضا من اجل حمايته، و اللاعبون حوله من جماعات التدخل غير البرئ (الهكرز) وعصابات السرقة ومافيا المال وجماعات المصالح و الدول كثيرة ومتعاضمة ، أصبحت الحرب بالأرقام حربا حقيقية لم يعد النصر من نصيب من لديه ذخيرة اكثر ،بل من يُسيطر على المعلومات . يغوص الكاتب في تجربة الولايات المتحدة،وهي ربما التجربة الاعرض ، ويشرح بالوثائق الصراع بين المدرسة القديمة في التفكير و المدرسة الحديثة في اوساط متحذي القرار الامريكي ، وكان متخذ القرار يحتاج الى ازمة كبرى كي يسمح بتطوير تلك الانظمة ، مثل هجمة سبتمبر 2001 او تفجير اوكلاهوما ابريل 1995 ، يقول الكتاب انه لا بوش الاب و لا وزير دفاعة دك شيني قد تعاملوا في حياتهم مع كمبيوتر ! . لم تعد عملية سرقة بنك تحتاج الى حفر تحت الارض او أسلحة و أقنعة وسيارات سريعة كما شاهدت اجيال تلك العمليات في السينما ، فقط يحتاج السارق الى كمبيوتر صغير ولوحة مفاتيح ، فأي متخصص ( هاكر) في اي مكان في العالم يمكنه ان يدخل على اي نظام مالي او تشغيلي (محطات كهربا محطات نووية ، معلومات موظفين اسرارهم المالية والصحية ) اي اي شىء يدار باجهزة رقمية يمكن للمتدخل ( شخص او دولة) ان يسرق او يعبث او يدخل معلومات خاطئة يحمل دول ان تتخذ قرارات سريعة وخاطئة مبنية على معلومات مدسوسة في النظام . يروي الكتاب الصراع الطويل والمنهك بين مؤسسات الولايات المتحدة الرسمية والعسكرية والأمنية لملاحقة تلك التطورات و القادمة اساسا من الشركات الخاصة او من هواة يطوروا أنظمة قابلة للبيع بأستخدام اصول متواضعة ، كان يعملوا من مكتب صغير او مرآب سيارة في البيت .
في اكتوبر ٢٠١٣ شن شلون أدلسون في مقابلة تلفزيونية هجوما لاذعا على الجمهورية الايرانية وطالب بمعاقبتها باشد العقوبات الممكنة ، وذاعت تلك المقابلة على اليوتيوب بشكل واسع و حصدت ملايين المشاركين ، أدلسون يملك أغلبية اسهم شركة لاس فيجاس ساندز العملاقة وهي مالكة لنوادي قمار و منتجعات سياحية ضخمة دورتها المالية بالبلايين من الدولارات ، وبعد اقل من ثلاث اشهر من تصريحه شن قراصنة هجوما على مخدمات الحواسيب لشركة لاس فيجاس ساندز، دمر الهجوم مئات من محركات الأقراص الصلبة والحواسيب في الشركة والحواسيب المحمولة للعاملين فيها والمتصلة حواسيبهم بالمركز العام للخدمة الحاسوبية، وسرقة ارقام بطاقات الائتمان لآلاف العملاء ، فضلا عن اسماء موظفي الشركة وأرقام بطاقات الضمان الاجتماعي الخاصة بهم . عزاء المتخصصون بعد ذلك ان مصدر الهجوم هو الجمهورية الإسلامية الايرانية عقابا كما يظهر لتصريحات أدلسون. وقتها تحدث الرئيس الامريكي باراك اوباما على ان تلك الهجمة التي كلفت الشركة ملايين الدولارات و عرضت امن المتعاملين معها الى الخطر ، على انه هجوم على ( حرية التعبير ) ولم تكن ماكينات الولايات المتحدة العميقة بغافلة عن مثل تلك الهجمات، ولكنها كانت تعرف ايضا ان امر منعها سواء جاءت من متدخلين ( أشخاص ) ( هاكرز ) او من دول، عملية شبه مستحيلة . كوريا الشمالية لها نصيب من التدخل، ففي أواسط ٢٠١٤ أعلنت شركة سوني بكتشر انها سوف تطلق في نهاية العام فلما يروى محاولة للمخابرات الامريكية لقتل الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون ، مباشرة اصدرت الحكومة الكورية الشمالية تحذيرا يقول انها ( سوف تدمر بلارحمة) كل من يجرؤ على ايذاء القيادة العليا للبلاد . نجح الابتزاز حيث كان هناك سوابق تدخلت فيها مجموعات من كوريا الشمالية لتدمير اجهزة حاسوبية لشركات اخرى في كوريا الجنوبية ، فالقت الشركة إطلاق الفيلم ، الامر الذي علق عليه اوباما علنا من جديد، ان الشركة لو سالته لنصحها بعدم الخضوع للابتزاز ! إنما الحادثة دلت على كيفية ان تؤثر دولة بعيدة و قليلة القدرة نسبيا على خيارات شركات ضخمة تتعامل مع صناعة الراي العام . أصبحت البرمجيات الحديثة قادرة على على اختراق اي حاسوب خاص والتحكم فيه عن بعد للتجسس على كل ضغطة زر يقوم بها المستخدم على لوحة المفاتيح ، او لتغيير ملفاته او إبعادة عن شبكة الإنترنت . على الرقم من. التعاون الوثيق في تمرير معلومات و تبادلها في هذا المجال بين ما يعرف بالعيون الخمس ، اي تلك الدول الناطقة بالإنجليزية ، الولايات المتحدة و كندا وبريطانيا وأستراليا و نيوزلندا ، الان هذا التعاون الوثيق للعيون الخمس في كثير من الاوقات يفشل في توقع ما يمكن ان يحدث من هجمات سبرانية او شخصية ، فقد حٌددت مخاطر مرتكب الهجوم على المسجدين في نيوزلندا مبكرا ، الا ان تبادل المعلومات في الوقت المطلوب او التعرف على وجه اليقين على كنه كراهيته لم يحدث .
المؤسسات الامريكية المختصة كانت قلقة في احتمال اختراق لاجهزة ( السيادة ) وتعرض الامن القومي للخطر ، خاصة في منظومة القيادة والسيطرة التابعة لوزارة الدفاع ، فقررت ان تجري تجربة يعرف عنها عدد قليل من السؤولين سميت ( الفريق الاحمر) اي الفريق المعادي ، فاستاجرت بعض المتخصصين و اشترطت عليهم ان يحاولو اختراق المنظومة ولكن بما هو معروف في السوق اللاكتروني من برمجيات ، قدر ان الامر يحتاج الى اسبوع ، في ثلاثة ايام اخترق الفريق الاحمر معظم المنظومة ، فقد شخص واحد تنبه لها في قيادة وسط الاطلسي ، حيث شك فيما يصل اليه ففصل الكمبيوتر الطرفي وهو لا يعرف سبب الخلل، كان باستطاعة الفريق الاحمر ان يرسل للقيادة العليا ( الرئيس في البيت الابيض) معلومات عاجلة من خلال النظام تنبئه بهجوم وشيك و تجعله يُفعل في اللحظة الرد الفوري ! عندما عرف بعد ذلك المسؤولون الاخرون تلك الحقيقة ، اصبح يقينا عند الجميع ان الفضاء الذي يعملون فيه هو في الحقيقة منطقة معتمة عن حق . الكتاب ملى بحقائق هي للقارى العام اقرب الى الخيال ، فلم يعد احد منا في فضاء الاحاد و الاصفار آمن …