كيف تبدو ايران من الضفة المقابلة
وانت على الضفة الغربية في حوض الخليج تنظر الى سلوك ايران السياسي بحيرة ، هذا اذا كنت تملك موقفا عقلانيا وتبحث عن تفسير للاحداث ، اما اذا كان موقفك عاطفي فانت تنظر اليها بعداء لانك تشعر انها تنظر اليك بنفس العين ، وتقوم بالمساعدة النشطة في حصد ارواح اخوان لك عرب في اكثر من مكان دون هدف غير اشاعة الكثير من الكراهية! المقصد هنا الدولة باجهزتها وليس الشعب . في وقت ما قد تفكر ان التاريخ يعيد نفسه ليس بالضرورة في التفاصيل ولكن في الكليات وبشكل مُعوق ، فان كنت قد قرأت عن نتائج الثورة الفرنسية في بيئتها الاوروبية ، التي اراقت الكثير من الدماء في اوروبا الحديثة، فسوف تلاحظ الكثير من التشابه . ذلك الوقت ( نهاية القرن الثامن عشر و بداية التاسع عشر) شنت فرنسا ما يعرف اليوم بالحروب النابليونية في اكثر من مكان في القارة و تحت غطاء التبشير باديولوجيتها ،وبعد صراع طويل صاحبته تكلفة انسانية باهضة انكفأت فرنسا على نفسها، و وجد مفكروها بعد كل تلك الخسائر التي المت بفرنسا انها افدح بكثير من أية ارباح تكون قد تحققت مؤقتا ، لقد فاتها ( كما يحدث لايران اليوم) التفريق الدقيق بين تصدير الاديولوجيا و قبول الاخرين للاستعمار !. اي تفكير عاقل يعرف ان التاريخ لا يعيد نفسه ولكنه قد يتشابه مع اختلاف التفاصيل. ننظر الى ايران في العقدين اللذان لحقا حركة مصدق بعد عام 1953 فنرى ان الشاه محمد رضا قد بدأ ما كان قد سماه بالثورة الاصلاحية ، وكانت تعني اصلاحات في مُلكية الاراضي و اصلاحات اجتماعية وثقافية ، تفاعلت المجتمعات الايرانية مع تلك الاصلاحات ، الفئات المتوسطة والمستنيرة رحبت وساعدت في تطبيق تلك الاصلاحات و الفئات المتضررة من كبار اصحاب الارض والاقطاعيين بالتحالف مع رجال الدين المتزمتين او اكثرهم وقفت ممانعة لتك الاصلاحات وأثارت المعامة ، ما زاد الامر تأزما أن النظام الشاهنشاهي فضل طريق القمع بدلا من طريق الاقناع، و الاجبار بدلا من المشاركة ، وهو الطريق الذي اوصل الجميع الى احداث فبراير 1979 وبقية القصة معروفة . الافتراض ان الثورة الايرانية هي محافظة اجتماعيا بدليل كل تلك الاوامر والنواهي التي لها علاقة بمصفوفة من القوانين الاجتماعية الناهية التي اتبعها النظام ، ولكنها في مكان آخر ترى آنها ( ثورية) بالمعنى المؤدي الى رغبة في تصدير أفكارها ليس الى الجوار بل الى العالم ، حاملة نفس تصور الثورة الفرنسية العالمية ، التمدد واستعمار الاخرين ، ولكن مرتدة الى الخلف ، لا تحمل ولا حتى تتشابه مع تلك الافكار القرنسية ، هي مختلفة حيث نرى ان ( القائد) ( المرشد) الولي يعرف من شؤون الدنيا والاخرة ما لا يعرفه احدا غيره ! وهو بالتالي شخص معصوم قريب الى التقديس وعلى الجميع الاذعان له ، في الوقت ان الواقع غير ذلك فالسياسة اخذ وعطاء حطأ وصواب ! واهم درس حفظه القائد من دروس الشاه ان القمع يجب ان يفوق التسامح ، كان الشاه يستخدم القمع بحدود ، الولي بستخدام القمع دون حدود ويوصي به في كل من العراق ولبنان ايضا . ان نظرنا الى سوريا فقد قام نظام الفقيه ( في طريقة الى تصدير الثورة) ! بالمساعدة في قتل 650 الف رجل وامرأة وطفل، نعم على القارئ ان يعيد قراءة الرقم وقد اصدرته وكالات دولية وقالت عنه ( رقم بتحفظ) ! كل واحد من ذلك الرقم روح انسانية ، وقد تحولت مدن بكاملها الى اشباح وفرضت نظام طغيان طائفي لا يشبه غيره ، كما ساعدت طهران في قتل الاف من العراقيين لا زلنا في انتظار الرقم الاخير !،لان القتل لازال قائما يوميا في ساحات وشوارع مدن العراق . اما الوضع في اليمن فهو على اقل تقدير (مأساوي) تساعد آلة ولاية الفقيه على تفاقم المشاهد الاانساني يوميا! الثورة الفرنسية جهزت الجيوش من اجل خرافة نشر افكارها في الجوار ،و الايرانية جهزت الماليشيات لتحقيق ذلك الهدف نفسه فاشاعت التوتر والحروب الاهلية .
اذا كانت الثورة الفرنسية قد استفادت جزئيا من التفكير العلمي في وضع عدد من القوانيين الحديثة ساعدت المجتمع الفرنسي في وقت لاحق على التقدم الحضاري ، فالعكس تفعله ولاية الفقيه في ايران، لا مفر انها تاخذ المجتمعات الايرانية الى حتى ما قبل اصلاحات الشاه . تقفز اجندة الفقيه في ايران من شعار الى اخر ، لقد استقر لديها فكرة خاطئة تروج لها انها مطاردة من الامريكيين، كما فعلوا في الوقوف امام حركة مصدق عام 1953، تلك خرافة تاريخية ، فنحن الان امام معلومات موثقة نشرت في السنوات الاخيرة ، أن حركة مصدق كانت ناجحة وان محاولات الانجليز والامريكان وقتها للوقوف في وجهها فشلت ، ما اطاح بحركة مصدق في الشارع هو تحالف رجال الدين بقيادة رجل الدين النافذ وقتها أية الله كاشاني مع شريحة من الاقطاعيين مستعينين باثارة العوام على ان حكم مصدق ( شيوعي) !، ذالك فصل وان كتب فيه الكثير لا يريد حكام ايران ان يعترفوا به ، توظيفا لتحميل الغرب فشل مصدق وان ذلك ممكن ان يتكرر ، لهذا فان (الموت لامريكا) وامثالها من الشعارات يشكل صيحة ايجابية لدى العامة ، يتحول ذلك الشعار للمطالبة بخروج القوات الامريكية من المنطقة لان المسكوت عنه في هذا الحال هو تحويل كل المنطقة الى ساحة نفوذ للاحتلال الايراني مقطورا على حاملي الاعلام الملونة من مليشيات واتباع ، ان لم يكونوا عملاء ،فهم على الاقل مجموعات مغرر بها . الحيرة الاكبر عندما نقارن نتائج مسيرة اربعين عاما من ( الولاية) ويتسائل المتابع ما هي الانجازات التي حققها هذا النظام للشعوب الايرانية ؟ في الغالب سوف نرى صحيفة الحساب تحقق من الخسارة الفادحة اكثر مما فيها من الربح ، فليس خافيا ما وصل اليه الاقتصاد الايراني من تدهور و لا يغيب عن البال التراجع الاجتماعي، و لا يستطيع المتابع ان يصرف النظر عن حجم الاعدامات والقتل في شوارع المدن الايرانية ، ولا حجم الهجرة الايرانية الى الخارج ،كما لا يستطيع احد ان يخفى التصحر الثقافي الذي ورثته الثورة للجماهير الغفيرة من ايمان مطلق بالخرافات مركبة على اساطير تُعلى من التفكير الغيبي . الارتكان الى ان الولايات المتحدة تسعى لقلب النظام هو تصور قريب الى الهلوسة ، فعالم اليوم لا يقبل باي حال تغيير الانظمة من الخارج ذلك زمن قد انتهى ، وكلما وصل النظام الايراني الى تلك القناعة كلما قل هذا الحمل الثقيل من الضحايا على عدد من ساحة الشرق الاوسط المثقلة بالصراعات و الدماء . الا ان السؤال المنطقي هل يمكن لمتخذ القرار الحقيقي في طهران الركون الى السلم والاقتناع بان كل الجهود المكلفة والثقيلة انسانيا و اقتصاديا يمكن ان تُوفر ! لا اشك ان البعض في طهران يعرف عن تلك الطاقة المهدرة ، الا ان هيكلية ما ركب من آليات السلطة في ايران ( الشمولية) تحول دون ترجمة القناعات الى افعال عند ذلك البعض! ذلك مصدر حيرتنا الاكبر !!
آخر الكلام : عندما قام النظام النازي في المانيا باشاعة الكراهية ضد الاخرين سرت تلك الكراهية للناس العاديين فقامت بعض القرى الالمانية تطوعا منهم بحرق المختلفين احياء !! ذالك ما تفعله الانظمة عند اشاعة الكراهية تنطلق اليات غير منضبطة لتعم الجميع !!