الاعلام ساحة القتال الجديدة
الاعلام في الخليج وتحديات المصادر المفتوحة
مقدمة : كيف يمكن ان نقرأ تاثير الاعلام على القضايا المتداولة والمطروحة في الساحة الخليجية ؟ وهي قضايا حساسة ومصيرية ؟ هذا السؤال الذي سوف احاول ان اجيب عليه بحلوه ومره ( ان صح التعبير)، فنحن امام تغير يمكن ان يوصف بانه ( هائل) في سباق التاثير على الرأى العام وتكوين القناعات الحقيقية او المتخية والتي نتيجتها يزداد ( الولاء السياسي) و ( الوطني) في بلد ما او ينقص ، تهدأ المجتمعات او تثور . من الصدف ان يكون تكليفي بكتابة هذا الموضوع من قبل ادارة المجلة ان يتم في نفس الوقت اختطاف حسابي في الواتس اب WhatsApp حيث سبب لي ازعجا غير مسبوق وقضيت ايام اكتب لاصدقائي ان ما ياتيهم من حسابي هو ( لست انا) ، فقام من اخترق الحساب بطلب مال من الارقام التليفونية المخزنة في جهازي ، على اساس أن المتصل هو انا ! وكان يمكن ان يستخدم ذلك الاختراق بوضع كلمات او عبارات اوصور خارجة عن المالوف، فيوقعني في حبائل الاتهام القانوني وباسمي ورقم تليفوني ، اكتشفت بعد ذلك ان عددا من الاصدقاء قد حدث لهم مثل ذلك الاختراق بشكل او بآخر في وقت او آخر . اذا نوعا من الاعلام الجديد ( الاعلام الرقمي) يكتسح الساحة وهي ساحة خطيرة يمكن كما تستخدم للنفع ان تستخدم للتهديد و التزييف و الوعيد والابتزاز ! على مستوى الافراد و على مستوى الدول في السياسة والاقتصاد و الاجتماع معا ، فكم هو خطير تطور الاعلام في صوته الرقمية في حياتنا [1] لقد كان ( الاعلام التقليدي) يعتمد على وكالاة الانباء و المراسلين ، اصبح مع الزمن ينقل من وسائل التواصل الحديثة فبدأت التلفزيونات والاذاعات بل وحتى الصحف تنقل عن تلك الوسائل، فهي حولت الشخص الى مراسل في التو والساعة وشاهد على الحدث بل وفي كثير من الاوقات منشئ الحدث .
انواع الاعلام : الاعلام اليوم منظومة واسعة فهو متعدد الوسائل و ايضا متفاعل مع المنظومات الاجتماعية الاخرى سواء التعليمية او السياسية او الاجتماعية او الادارية او القانونية او الاخلاقية ، هو متشابك معها ، فاعل فيها ومنفعل بها . والاعلام في الخليج يحمل تلك التعددية كما يحمل تلك الازدواجية ، ايجابي في حال وسلبي في حال آخر، فقد اصبحت مجتمعات الخليج الاكثر في استخدام وسائل الاعلام التقلدية و الجديدة بسبب الوفرة المالية من جهة و الاحتكاك بالعالم المفتوح من جهة اخرى .
الاعلام الخليجي متنوع من حيث :
- الملكية: وسائل الاعلام في الخليج تتعدد ملكيتها منها الاعلام الخاص ، كما في ملكية الصحف الكويتية او السعودية ( مؤسسات شبه عامة) ومنها الملكية المباشرة للدولة كما الاذعات المحلية الرسمي و محطات التلفزيون ، في مكان اخر نجد ان شبكات التلفاز في الخليج اما تدار نيابة عن الدولة او هي ملكية ( خاصة) ظاهرا و لكن للدولة كلمة وازنة في ادارتها ، انما المشترك في كل ذلك هو ان ( الدولة) الخليجية تشرف من خلال مؤسساتها المباشرة او من خلال القوانين الملزمة التي تصدرها على المحتوى الذي تنتجه تلك المؤسسات الاعلامية وتؤثر في برامجها الاعلامية ، و في ساحة الاعلام الجديد (فيس بوك ، تويتر ، استجرام ،يوتيوب وغيرها من الوسائط الجديدة للمواطن القدرة على الوصول والتعبير من خلال هذه الوسائط و لكن في معظم دول الخليج نجد ان القانون (صارم) في ملاحقة من يخرج عن القواعد القانوية او الاخلاقية الموضوعة او يتناول الموضوعات السياسية دون تحوط [2]، يعاقب هؤلا ء بصرامة تدخلهم السجون لعدد من الاعوام .من الملاحظ ايضا ان القانون الناظم لوسائل الاعلام بشكل عام ( التقليدية) في دول الخليج يختلف جزئيا او كليا من دولة الى اخرى ، وظهرت اجهزة متابعة في الدولة لم تكن معروفة في السابق كمثل ( ادارات الجرائم اللاكترونية) قبلها كان القانون العام ينظم الصحافة والتلفزيون و الاذاعة ، ولم يتسطع هذا القانون العام ان يغطي اشكال الخروقات التي يحدثها الاعلام الرقمي الجديد لذلك صدرت مصفوفة تشريعات جديدة خصيصا لهذا الاعلام الجديد[3].
- من حيث التدريب والمهنية : هنا نجد الامر اكثر تعقيدا ، ففي وسائل الاعلام ( التقليدية) اذاعة وتلفزيون وصحافة و ما جاورها نجد ان ( المهنية) بمعناها الواسع ضعيفة في كثير من تلك الوسائل ، فهي تعتمد ( في القطاع الخاص) على يد عاملة غير مكلفة ماليا وبالتالي غير مدربة ،و في القطاع العام تخضع لمجموعة من قواعد و قرارات التوظيف في الدولة المعنية ، كما ان كثيرا منها يُشغل موظفين يرتقوم في درجات الترقية البروقراطية اكثر منهم فنيين ومتخصصين ،وبعض وسائل الاعلام تلك يهتم (بالادلجة ) دون وعي بالتغيرات الحاصلة في وعي الموطن فينفر منها ويضعف الاقبال عليها .. لذلك ينكشف الاعلام في دول الخليج على الخارج ،وكثيرا ما يكون ذو مصداقية منخفضة لدى المتلقى ، فيعتمد المتلقى على وسائل اخرى خارجية ،وهي في الغالب ايضا مسيرة ولكن ربما باكثر مهنية . طبعا من المهم ان نعرف ان الاعلام بشكل عام لا بد ان تكون له اجندة اما ظاهرة واما خفية [4] فلا وجود لاعلام ( في اي مكان دون اجندة) [5] الا ان الاهم ان يكون هناك ( منظومة اخلاقية) للاعلامي و تدريب مهني في اختيار الموضوعات و طريقة الحوار و متابعة المعلومات واستخراجها من مصادرها و الكثير من الموضوعية Impartiality ( الكثير من الاتحيز) و فوق ذلك الثقافة العامة للاعلامي التي تساعده على القيام بمهمته على افضل وجه ، وفي الكثير من وسائل الاعلام الخليجي نلاحظ نقصا كبيرا في التدريب ويفقد كثير من العاملين واحدة او اكثر من تلك المزايا المذكزرة سلفا .
- غلاضة التخاصم وقباحة الحوار : اصبح تعريف ( الاخبار المزيفة) مفهوما نعيش معه كل يوم بل كل ساعة ، و الاعلام الخليجي ليس استثناءا ، فهو من حيث Fake News ( تزييف الاخبار) متقارب مع غيره في الفضاء العالمي ، على راس وسائل ( الاخبار المزيفة) الاعلام الرقمي ، ولكن ليس مقصورا عليه ، فهناك من يقوم بتزيف الاخبار او الاضافة اليها او ( تحسينها او تشويهها ) من اجل الاهداف التي يراد تحقيقها ،ولقد تعاظم ذلك في فضائنا الخليجي بعد ما عرف ب ( الازمة الخليجية)[6] التي احدثت شرخا في المنظومة الخليجية ( مجلس التعاون) وخاصة في الفضاء الاعلامي و احتشد الفرقاء اعلاميا كل يدافع عن وجهة نظرة ، ولكن ليس باقل من تحميل الخلاف كمية هائلة من ( الاخبار المزيفة) او ( الاخبار المزيدة و المنقحة) المبالغ فيها ،مما سبب الما للكثيرن من اهل الاعتدال في الخليج وطالبوا بان يبقى الخلاف في اطار ( الاختلاف السياسي) ولا يخاض فيه على المستوى الشعبي، الا ان تلك التمنيات لم تجد في الغالب آذانا صاغية [7] ولكن الامر لا يخلو من اخبار طيبة ، فقد وجدت دارسة معتمدة على استطلاع للراى ان ( الجمهور الخليجي ) بشكل عام لم ينساق وراء ( غلاضة التخاصم) بين الفرقاء و ان كل الجهد الاعلامي المبذول لم يرقى الى التاثير الواسع في الجمهور [8] بل ظل هذا الجمهور متحفظا وراغبا في الوصول الى تسوية تحفظ للجميع حقوقهم.
الاخبار الكاذبة : الاخبار الكاذبة ليست مفهوما جديدا ، مع الأسف بعض القادمين الجدد على المجال ( الإعلامي و الاتصالي) يعتقدون ان ذلك المفهوم نشأ مع حملة السيد دونالد ترمب ،و انتخابات الرئاسة الامريكية في عام 2016 ، هم ابعد عن الحقيقة، و هي ان مفهوم الاخبار الكاذبة كان لها مسميات أخرى قبل ذلك بكثير ، كانت في فترة تسمى ( الصحافة الصفراء) وفي فترة أخرى تسمى ( التلاعب بالعقول) ، ولعلي هنا اشير الى كتابين قديمين صدرا منذ فترة ويفرقا في تاريخ النشر ربع قرن تقريبا ، الأول هو للمؤلف هيلبرت شللير ،( توفى عام 2000) والكتاب صدر بالانجليزية عام 1973 ، بعنوان (إدارة العقول ) وترجم الى العربية، ونشر من خلال سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة في الكويت عام 1999 تحت عنوان مختلف جزئيا هو ( المتلاعبون بالعقول ) و الكتاب متوفر على الشبكة الدولية ، اما الكتاب الثاني فهو ( من يدفع للمُزمر) او ( نافخ المزمار ) وصدر عام 1999 ولم يترجم الى العربية، وكان عنوانه الفرعي ( وكالة المخابرات الامريكية والحرب الثقافية) ، وهو رصد تفصلي كيف قامت الوكالة، ابان الحرب الباردة، بتمويل و التحكم في محتوى المنشور ( صحف و محطات تلفزيونية) الموجهة الى المعسكر الاخر ، العنوانان السابقان يشيران الى فكرة ( الاخبار الكاذبة) بانها فكرة قديمة ، ولكنها انتشرت اكثر ، و انتقلت من الخواص الى ( العوام)( بالمعنى الاجتماعي) بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة.
الاخبار الكاذبة في الفضاء الغربي الصناعي يُنتبه اليها بسرعة نسبية، ويستجاب لها بدرجات مختلفة من اجل حصر سمومها، وتكون الاستجابة اقتصادية، قانونية، و ثقافية ، تلك المضادات تفعل فعلها الى درجة كبيرة في حصر الخسائر ، الموضوع في الذهن ما كتب أخيرا وتحدث عنه كثيرون ،وهو حصول شركة دراسات ودعاية ( كيمبرج انلاتيكا) على معلومات من الفيس بوك ( احد اهم وسائل التواصل الاجتماعي) و استخدمت تلك المعلومات في التريوج لحملة السيد دونالد ترامب في الانتخابات 2016 ، سرعان ما استجيب لذلك الامر اقتصاديا فقد سقطت أسعار اسهم الفيس بوك في البورصة حوالي 9% كما استجيب لها قانونيا من خلال استدعاء صاحب شركو فيس بوك للمثول امام لجنة تقصي حقائق في الكونجرس الامريكي و ايضا بمصفوفة قوانين في الاتحاد الأوربي و في الولايات المتحدة من اجل التضييق على احتمال تسريب معلومات شخصية لطرف ثالث دون علم المواطن المشارك، كما تمت الاستجابة ثقافية بتدهور ( صدقية) الفيس البوك لدى المشاركين ، كما لم يحدث من قبل . الشركة الام سوف تعاني كثيرا قبل ان تعود الى (صحتها) المهنية بسبب تلك ( المضادات) التي تم اتخاذها على اكثر من صعيد. ذلك في الفضاء الغربي \ الصناعي ، اما في الفضاء العربي ، ومع هذا الاستقطاب غير المسبوق بين عدد من المعسكرات السياسية\ الثقافية في فضائنا العربي ، فان كل تلك المضادات اما غير ممكنه في الواقع او غير مؤثرة . لان الفضاء العربي ( الإعلامي والتواصلي) غير منظم ، فكثيرون يستخدمون ( الاخبار الكاذبة) وكأنها أداة شرعية لدفع وجهة نظرهم الى العامة، في هذا المقام يزيد من صعوبة الموقف ضعف شديد في المهنية ، فالأعلام بشكل عام في فضائنا العربي ، هو تقريبا مهنة من لا مهنة له ، واضف اليها المشاركون في وسائل التواصل الاجتماعي ، بعضهم يسير على طريقة (الدفع للمُزمر) أي خلق منصة للترويج الى اخبار او مواقف او تشهير بأشخاص او دول ( مدفوعة الاجر ) و اخرون يشاركون في العزف، اما عن جهل او قلة خبرة او بحث عن شهرة ! و يبدو ان وسائل التواصل الاجتماعي في بعض الفضاء العربي تفقد بريقها من حيث الصدقية ، ففي دراسة تمت العام الماضي من قبل المجلس الوطني للأعلام في دولة الامارات، وذكرت في احد اللقاءات التي نظمها (منتدى الاعلام العربي) 3\4 ابريل 2017 ، ان صدقية وسائل الاتصال لدى المشمولين في الدراسة هي فقط 26 % للفيس بوك ، و 8% للصحافة المطبوعة ، و 30% للتلفزيون، وهي نسب كاشفة ، ربما تختلف في مجتمعات أخرى ،ولكنها تقول لنا ان الاخبار او الموضوعات التي توضع على تلك المنصات المختلفة ، تؤخذ بالكثير من الحذر من الجمهور ،ولكن أي جمهور ، المؤسف ان تلك الأرقام لم توضح سوية الجمهور المستطلع ، الا اننا نستطيع القول بشيء من الثقة ان ( الجمهور الذي تتوفر له الاطلاع على منصات إعلامية مختلفة) يمكن ان تتوفر له شيء من المناعة في استقبال وتمحيص الاخبار (الكاذبة)، الا ان تلك الفكرة العامة تعطلها ففكرة أخرى ، وهي ان المجتمعات ( المستقطبة) كما هي المجتمعات العربية اليوم ، يميل جمهورها الى تصديق ما يرغب في حدوثه ،ولا يتوقف كثيرا ليعرف او يمحص الاخبار ما دامت تحقق له شيء من (الراحة) النفسية، في الغالب هو يصدق ما يحب و يميل الى تكذيب ما يكره . هي ببساطة الية نفسية، يمكن ان نرصدها لدى (المساهم) في شركة ، فان سمع ان الأسهم قد ارتفعت يصدقها دون تردد، اما ان كان الخبر انها خسرت ، يرغب في عدم التصديق او التشكيك! الإجابة التي يتوقعها القارئ هي إجابة السؤال: ما العمل؟ مع الأسف ليس هناك أدوات يمكن الاستفادة منها في رفع كفاءة نظام المناعة الثقافي لدى الجمهور العربي و الخليجي ، حيث لا النظام التعليمي يساعد على رفع عوامل المناعة عن طريق التفكير النقدي، و لا النظام السياسي يفعل ذلك عن طريق تقنين واع للحريات ، و النظام الاجتماعي بقادر على رفع نسبة المناعة عن طرق تحديد واع لقيم الأفضلية و التميز ، ولا النظام الاقتصادي بقادر على خلق كفاءة انتاج و خفض مستوى الاستهلاك. امام هذه المعضلة الثلاثية سوف يبقى التضليل سيد الموقف و الاستقطاب هو السائد و العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة!! الا انه من المهم القول ان هناك مناعة ما لدى الجمهور الخليجي ملاحظة في العديد من الدراسات فهو متوافق الى حد كبير في فهمة للقضايا الاسترتيجية الكبرى .
قضايا رئيسية للاعلام في دول مجلس التعاون :
الاول : قضايا الامن و السياسة الخارجية : ثلاث مشكلات رئيسية في هذا الملف تواجه الجمهور الخليجي على المستوى الاعلامي الاولى ايران ،والثانية التوترات القائمة بين دول المجلس، و الثالثة هي الموقف من ( حركة الاخوان المسلمين) رغم تعدد الرؤية النسبية تجاه هذه القضايا فان الدراسات تلحظ ان موقف الرأى العام الخليجي منها متقاربة جدا ، فاستطلاعات الرأي تقول لنا ان هناك موقف سلبي من ايران يكاد يكوم تقرببا مجمع عليه [9]بسبب تدخلاتها في المنطقة العربية و في دول الخليج بالذات ، ام الموقف الثاني فعلى الرغم من الخلاف السياسي بين بعض دول المجلس والدوحة ، الا ان الراى العام الخليجي يميل الى الوصول الى حل وسط في هذا القضية ويرغب في عدم التصعيد ،ولم يؤثر كثيرا ذلك التصعيد الاعلامي في موقف الجمهور الخليجي اذا لم يتخذ بشكل عام موفقا معاديا من اي جهة كانت .اما الموقف من حركة الاخوان المسلمين فهناك راي محدود يرى الوصول معها الى حلول وسطي هو الطريق الافضل ، اما الاغلبية فترى انها تحمل (افكارا انقلابية) لا تناسب الاستقرار في دول الخليج [10] وعلينا هنا اعطاء وزن نسبي للوقوف في المكان الرمادي حيث هناك خلط لد كثيرين بين ( قيم الاسلام) المقدرة وبين ( استخدام بعض تلك القيم للتوظيف السياسي) هذه الخلط لدى شريحة من الجمهور الخليجي يضعه في تلك المنطقة الرمادية وهو ما تستفيد منه حركة الاسلام السياسي في بعض الاوساط الخليجية .
ثانيا : القضايا الاجتماعية : بجانب القضايا الثلاث الرئيسية هناك القضية الاجتماعية التي تحوز على اهتمام الجمهور الخليجي اعلاميا وخاصة دور ومكانة المرأة في مجتمعات الخليج وتاخذ القضايا الاجتماعية حيزا مختلف عليه في الاعلام الخليجي و هو حيز يقع بين ( المتشددين) و ( الحداثين) ان صح التعبير ،ونجد هذا الامر ظاهرا جليا في وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها يؤيد حقوق المراة و مساواتها بالرجل وفتح ابواب العيش الكريم لها ،واخرون يرون في المرأة ( عورة) ذلك الموقف الاجتماعي لم يحسم ولا يتداول الا قليلا في وسائل الاعلام التقليدية (الاذاعة و التلفزيون وحتى الصحف) اما في وسائل الاعلام الجديد ( الرقمي) فهو يكاد يسود في المناقشات والتعليقات، وبسبب حساسيته فان السلطات الرسمية لا ترغب في التدخل في النقاش العام ، مع ميل لاصلاح بعض المساقات التعليمية الخاصة بالمراة و بالوضوع الاجتماعي ككل .
ثالثا : في القضايا العامة: ففي ضوء الانقسام الحاد على القضايا العربية العامة فان المتابع الخليجي يسير في الغالب مع ذلك الانقسام مثل الموقف من الولايات المتحدة و الموقف من اسرائيل و القضية الفلسطينية وطريقة الحصول على الحقوق الفلسطينية، هنا نجد ذلك الانقسام لدى الجمهور في دول مجلس التعاون واضحة مثلها مثل الانقسام على المستوى العربي العام.
الاعلام الخليجي بين المهنية و الرسالة
لا يجادل كثيرون ان الاقليم الخليجي في هذه المرحلة يقف امام مفترق طرق، فهنك ضغوط اقليمية و دول تطرح مشروعات سياسية وهمها الرئيسي هو التوسع ومد النفوذ ( ايران – تركيا) وهناك دول عالمية تنظر الى المنطقة بارتباك مثل كثير من دول غرب اوروبا وهناك الولايت المتحدة التي ترسل رسائل في بعض الاوقات متضاربة تجاه دول الخليج وقضاياها المركزية ، اما من الشرق فان لروسيا و الصين رغبات سياسية واقتصادية . في هذا الفضاء المضطرب تجد ان دول الخليج بشكل عام هي مكان ( تصويب) اعلامي كثيف ، فهناك وسائل اعلام متعددة المتسويات قادمة من تلك الاماكن ، كمثال ب ب س عربية من برطانيا ( اذاعة وتلفزيون) ، قناة 24 العربية من فرنسا وايضا اذاعة مونت كارلو و يتبعها قناة ار تي الروسية وايضا قناة من المانيا و يعقبها قنوات من الولايات المتحدة وكثيرا من القنوات العربية التابعة لايران او احد اذرعها وتبث بالعربية، اما الفضاء الرقمي فهو ايضا مشبع بعدد ضخم من المدونيين . ولان القوى المعادية للوضع الخليجي ترغب في اضعاف مقاومة الراى العام المحلي ( الخليجي) من اجل تمرير رسائلها المؤدلجة، لذلك فانها تضخ الكثير من الاخبار المزيفة يساعدها في ذلك قلة من ( المؤترين) المحليين وخاصة في الاعلام الرقمي .
( وتحاول تلك الوسائل بشكل عام ان تبدو للملتقي انها محايدة ، ففي الحورات تحرص على استضافة شخصيات لها مواقف ( تدافع) عن الخليج واخرى ( تهاجم) و للملتقى العادي ان ذلك ( معقول) الا ان القطبة الخفية هنا ان سوية المتحدث المنازئ عادة ما تكون ذات قدرة عالية على التعبير اما المقابل الخليجي فعادة يستضاف الاقل قدرة وغير القادر على فهم المقصود) فتسجل نقاط على الموقف الخلجي في الوقت الذي تظهر انها محايدو!)
امام هذا التحدي الهائل يجد الاعلام الخليجي نفسة في معركة تتوسع ساحاتها و تتعدد موضوعاتها ، على الرغم من ذلك فان الراي العام الخليجي لا زوال متماسك في القضايا الرئيسية على الاقل بموقف متقارب و بعضه يقاوم ذلك السيل من الاخبار المزيفة[11] التي تقدم تحت عباءة الفقه او السياسة [12]
المهنية : يتفق المختصون على ان جمهور الاعلام ( اي اعلام) هما ثلاث شرايح واسعة ،واحدة هي مع رايك واخرى مضادة تماما لرايك و الثالثة محايدة ، تلك المضادة لرايك لا يجب ان تتعب في اقناعها لان لها قناعات ثابتة او شبه ثابتة، اما التي معك فهي توافق على كثير مما تقول ، ( اللعب) ان صح التعبير على ساحة الشريحة الثالثة ،وهي شريحة تريد ان تعرف وفي نفس الوقت ترقب بان تسمع ما هو عقلاني ومنطقي ، وهي الشريحة التي يتوجب ان يركز عليها الاعلام الخليجي من اجل كسبها ، من جهة اخرى يجب عدم اهمال اي’ ( اخبار كاذبة) و يتوجب تفنيدها بشكل عقلاني لا صرف النظر عنها او تكذيبها بشكل هامشي وغير محترف . ونحن في فضاء الاعلام اليوم في حالة سباق لا يهدئ ولا يعرف الليل او النهار .
الخلاصة
اصبح الاعلام اليوم صناعة متشعبة الادوات يحمل فلسفة و يحتاج الى ادوات ترفده ومراكز بحث تدعمه ويوزع من خلال مؤسسات مختلفة ومتناقمة ،وتدرس تاثير مداخله وتاثير مخارجه . الاعلام يحتاج الى رافعة (يومية ودؤبة) فلا يترك للمهنيين ذوي الثقافة في مجالات اجتماعية متعددة فقط بل يساهم السياسيون بوعي في وضع اجندته اليومية تقريبا ، لذلك نرى في الغرب ان هناك عمل مبرمج لما يعرف ب( الابجاز الصحفي اليومي) في دوائر صنع القرار، بل ان مسؤلين كبار يطلون يوميا من خلال وسائل التواصل الحديثة لارسال رسائل ينشغل بها العالم ، مثال على ذلك تغريدات الرئيس دونالد ترمب ، و اخرى للرئيس ايمانويل ماكورن وآخرون على اتساع رقعة العالم ، فمن له قضية يجب ان يضع هو الاجندة لها ويحدد اولوياتها ولا ينتظر البروقراطية او الموظفين للقيام بذلك ! وقد اشرنا الى العدد الكبير من مواقع الاعلام ( القديم والحديث) الموجة الى العقل العربي والخليجي من خارجه اغلبها معادي ، فكم لدينا من تلك الوسائل التي تتحدث ب (لغتهم) اي اللغات الاخرى مثل الفارسية او التركية والفرنسية او الانجليزية وتتعامل بثقافتهم ؟ قلة القليل ! في هذا الفضاء الاعلامي ذو المصادر الفتوحة لم يعد هناك مكان للهواة ، كما لم يعد هناك مكان للاجتهاد الشخصي المبني على جهل بالغير ، علينا ان نقوم بمعرفة الاخر معرفة علمية حقيقية مع درس ادواته ووضع الخطط لمواجة تلك الرسائل القادمة منه بحصافة ومهنية لزرع الثقة في جمهورنا .
[1] يمكن ان يسبب ذلك اختلاف بين دول او جماعات في المجتمع او خلاف بين اعضاء في الاسرة الواحدة وتشويه لصورة البعض ليس الافراد فقط ولكن الدول ايضا .
[2] كثير من دول العالم تصدر تشريعات تلاحق المسيئين ولكن تقدم التقنية تفتح لهؤلاء ابواب جديدة لاختراق تلك القوانين.
[3] البعض يرى ان هذه القوانيين ( صارمة) الى حد المس بحرية الرأي التي يتص عليها بعض الدساتير المعمولة في بعض دول الخليج
[4] في عام 1999 شهر مارس نشرنا كتاب في سلسلة عالم المعرفة بعنوان ( المتلاعبون بالعقول) لهربت ا شيللر ( مترجم) يتحدث عن الاعلام في الولايتت المتحدة ويناقش الاساطير الخمسة في الاعلام : اسطورة الفردية و الاختيار الشخصي، الحياد ، الطبيعة الانسانية الثابتة ، غياب الصراع الاجتماعي، التعددية الاعلامية ( كل ذاك اساطير في نظر الكاتب، كما يرى انه ( ليس هناك اعلام الا وراءه اجندة ما )! ( متوفر مجانا على الشبكة العالمية)
[5] قد تكون اقتصادية ( شركان الاعمال الكبرى او تكون ثقافية او سياسية)
[6] تفجرت في 5 يونيو 2017 و حملت معها الكثير من غلاضة التخاصم ،ودخل على خطها اما جهلة او مستفدين من اجل اضرام نار الفتة بين الاشقاء
[7] مقال محمد الرميحي ( كيف ننزع الكراهية من ازمة الخليج) نشر في جريدة الشرق الاوسط 12 اغسطس 2017
[8] انظر دارسة موسعة ل ديفد بولوك ( قضايا الامن في دول مجلس التعاون من وجهة نظر شعوبها ) معهد واشنطن لسياسات الشرق الاوسط ( الموقع الاكتروني)
[9] عدى جيوب صغيرة ( متعاطفة) مع ايران لسبب اديولوجي !
[10] من اجل تفاصيل في هذه الموضوعات اكثر و اعمق انظر المرجع السابق دراسة ديفد بلوك ( قضايا الامن في دول مجلس التعاوم من وجهة نظر شهوبها.)
[11] انظر على سبل المثال /: محمد الرميحي ، خرافة سبع حبات زيتون ، الشرق الاوسط 13 اغسكس 2016
[12] انظر الرميحي : فساد التعبير في وسائل التواصل ، الشرق الاوسط 3 اغسطس 2019