ماذا يحدث فى العالم وما يثيره علينا؟

السؤال الكبير هل تلفظ الديمقراطية الغربية التى استمرت أكثر من مائتى سنة فى بقاع اوروبا الغربية وبلاد ذهبت على سنتها انفاسها الأخيرة؟ ما يحدث فى بلاد الثورة الاولى فرنسا ينبئ عن انتهاء عصر وبداية عصر آخر يتشكل. لأسابيع والعالم يشاهد مظاهرات السترات الصفراء فى شوارع العاصمة الفرنسية ومدنها الكبرى، تكبر تلك المظاهرات أو تصغر، ولكنها تخرج الى الشوارع منددة بالسياسة العامة للحكومة الفرنسية ورافضة كل تنازل تقدمه الحكومة، على انه غير كاف، وتتحول من مطالب معيشية الى مطالب سياسية صلبها تغيير العقد الاجتماعى الذى توافقت عليه ليس العملية السياسية فى فرنسا بل وفى العالم الغربي. فى بريطانيا بسبب ما قرره الناخب البريطانى من خروج من السوق الاوروبية المشتركة من جديد حفاظا على طريقته فى العيش فإن الحكومة البريطانية مهددة بالسقوط خلال ايام من اليوم عند بدء التصويت على خطة رئيسة الوزراء التى يرفضها ليس فقط قوى المعارضة، وانما جزء غير يسير من حزبها الحاكم. وتدخل المؤسسة السياسية فى الولايات المتحدة فى صراع مع نفسها الى درجة تعطيل مؤسسات حكومية فى مماطلة بين الجسم التشريعى والجسم التنفيذي. وتواجه ديمقراطية الولايات المتحدة انشقاقا مجتمعيا غير مسبوق، قد يصل فى الشهور المقبلة الى محاولة سحب الثقة من رئيس الجمهورية وما يتبعها، كما تقول بعض التقارير من شقاق نوعى فى المجتمع الامريكى لم يسبق أن حدث.
نحن أمام بداية تغير نوعى فى هيكلية العقد الاجتماعى الذى تطور على مدى سنين طويلة ويفجر الآن تناقضاته التى لن تبقى نتائجها حبيسة بلدانها، بل سوف تؤثر فى بلدان أخرى فى هذا العالم الذى نعيش، ومع ثورة التقنية الهائلة فإن تلك التأثيرات سوف تترك آثارها على وجه العالم الذى يعانى اليوم صراعات شتى. ما ذا يعنى لنا نحن العرب تلك التطورات، ونحن فى بعض بلداننا تنتابنا امراض فكرية، جزء منها متأثر بالفاشية و النازية والماركسية, أقصد فى شكل التنظيم القطعى وغير القابل للنقاش، و المتكئ على أفكار دينية؟ القصة فى منتهى الاهمية و الخطورة ان نناقش فى هذا الجزء من العالم تأثير كل ذلك علينا؟ ان كان لنا ان نشبه فإن ما يحدث فى السودان له دلالة مهمة على مستقبل العقد الاجتماعى فى منطقتنا ، ليس هناك مرحلة استقرار فى الكثير من الدولة العربية، فالصراع السياسى فيها ظاهر وباطن ويبحث الجميع عن عقد اجتماعى يناسب العصر ويحقق الحد الادنى من الاستقرار ، ولان سقف الحريات لمناقشة هذه الأمر الكبير والخطير متواضع، وفى بعض الاحيان متدن، فإن ذلك يفاقم المشكلة ولا يقربها من الحلول بسبب فقد حرية المناقشة . فى الجملة من الاوفق الانتباه الى أن المنطقة العربية تحتاج الى جهد اقليمى للتوافق على مشروع واضح ومحدد، أركانه رسم خطط يمكن تسميتها الخطط البديلة لما استقر عليه العرف والتقليد السياسى منذ الحرب العالمية الثانية، أى الارتكان الى النفس وتقليل الاعتماد على الآخر الغربى او الشرقي. فالبعض اليوم يفكر فى حال حدوث التوتر مع الغرب بسبب ازماته الداخلية، فان البديل الاعتماد على الشرق! تلك فكرة خاطئة من أساسها لأن امراض الغرب السياسية والاقتصادية سوف تنتقل الى الشرق، البديل الحقيقى البحث عن مكامن القوة فى الاقليم، والتى هى الرافعة الاساس لتقليل التوتر، و السير نحو عقد اجتماعى يبعد الجميع عن المطبات المتوقعة، ولعل جهاز القمة العربية المقبلة، يتسلح بالشجاعة المعنوية، ليبسط أمام الجميع الصورة المتوقعة على تشوشها، فالاقليم تحدث فيه تشوهات عميقة، منها ان طيف الاسلام السياسى المسنود بشكل مباشر او غير مباشر بقوى اقليمية يتأهب للانقضاض، كما ان الادارات غير الرشيدة فى كثير منها تأكل كالسوس اركان الدولة ووظيفتها، اما اهمال العمل الثقافى الجاد للتوعية و تشكيل مناعة شعبية حقيقية فإنه فى آخر الاولويات!.
الخميس 4 من جمادي الأولى 1440 هــ 10 يناير 2019 السنة 143 العدد 48247

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.