مجلة المجلة- 29 يناير,2012
من الملاحظ أن الحراك القطري الواسع الذي يقوده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد ساهم في العديد من التغيرات الحاصلة في عالمنا العربي.
لن أبدأ بقناة الجزيرة التي حركت الراكد من الامور في فضائنا العربي الاعلامي، وواجهت الكثير من الضغوط، ان هي نشرت اخبارا تسر جماعات معينة فهي ايجابية وان نشرت اخبارا تغضب جماعات اخرى فهي سلبية، حتى غدت تعاقب على غرار معاقبة المبلّغ عن الحريق لا مشعل الحريق.
تلك واحدة من الاسهامات التي سوف يرى اي متابع منصف انها غيرت في المشهد الاعلامي والسياسي العربي من دون رجعة. قد يعحب بعضنا ذلك التغيير وقد يكرهه، الا ان الكثير من السياسات الاعلامية قد حذت حذوها وما اشير إليه هو فعل التغيير نفسه.
اما الحراك الثاني فهو ما تم تجاه تحرير ليبيا من الحكم الدكتاتوري، وايضا الحراك تجاه سوريا، وهذا الحراك ليس اعلاميا ولكنه سياسي. فقطر بقيادة الشيخ حمد قد (ابرزت عنقها) كما يقول المثل الانجليزي في ضوء مخاطر واضحة، حتى تشاهد وتعرف اين تقف من الحراك الشعبي الذي يعرف اليوم سوسيولوجيا باتكائه على (الكائن الجمعي) الذي اكتشفته الجماهير العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من بلدان العرب، فقام هذا الكائن الجمعي بتحديعشرات السنوات من الاستكانة.
لم تتغط الدبلوماسية القطرية بغير غطاء الاصطفاف بجانب ذلك الكائن الجمعي الذي لم يعد يخاف من القمع الظاهر او المبطن، ولم يكن ذلك الاصطفاف بغير رؤية ومراهنة على المستقبل.
لم تكن قطر لتفعل ذلك لولا وجود تصور سياسي بعيد المدى ومحسوب بكثير من الدقة. في الجانب السوري كان الاصطفاف اكثر تلاؤما مع المبادئ، فلم تستطع قطر – على الرغم من العلاقة الطيبة السابقة مع اركان النظام السوري – الا ان تقف مع مطالب الشعب، لانها هي المطالب المستقبلية بعد محاولات خلف الستار لاقناع اركان النظام بالحراك (الاستباقي) الذي قد يضحي بالقليل في سبيل انقاذ الكثير. الا ان فكرة الاستباقية التي اقترحتها قطر، لم تجد لها اذانا صاغية في دمشق.
ليس سهلا ان يذهب رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم الى مجلس الامن من اجل استطلاع فرص للضغط على النظام السوري، فذلك من جديد (ابراز عنق) في سبيل مستقبل شعب، على الرغم من معرفة قطر للقوى الاقليمية التي تساند النظام السوري أخطأ أو أصاب!
من هنا فان المحلل السياسي لا بد له ان يتوقف ليثمن الشجاعة الادبية للقيادة القطرية في الوقت الذي انشغل (كل داخل بداخله) في الفضاء العربي السياسي. استطاعت القيادة القطرية ان تمثل راس التغيير بسبب الكثير من العناصر، لعل ابرزها شجاعة سياسية و بعدها تأتي الثقة المرتكزة على مسيرة تنموية واضحة المعالم في الداخل.
نظرية المؤامرة تاخذ الموقف القطري الى اماكن يستريح لها بعض العقل العربي من جراء ما تم حشوه في عقله الجمعي، وهي تقول ان قطر تقوم بذلك بالوكالة عن (اخرين) ويمتد الخيال الشعبي ليعدد الاخرين من الغرب الى الشرق، من دون قناعة ان قطر تعبر عن ضمير الاغلبية الصامتة العربية، أن كفى بعثرة للجهود العربية وحرمان العرب من ثمار التقدم العالمي بوضعهم تحت انظمة تسلطية قامعة لا تعترف بحقوق الانسان التي اصبح متعارفا عليها في شمال العالم وغربه وشرقه وجنوبه.
ثم كيف تستقيم نظرية المؤامرة وقطر تاخذ مبادرة سدّ نسبة من ميزانية اليونسكو التي تخلت عنها الولايات المتحدة بعد دخول فلسطين الى المنظمة على الرغم مما ترغب فيه الولايات المتحدة واسرائيل، فالمبلغ الذي مجموعة 80 مليون يورو الذي كانت تدفعه امريكا للميزانية، دفعت بعضه قطر مع بعض الدول الاخرى. وقطر هي الدولة العربية الوحيدة التي فعلت ذلك، كل ذلك معطوفا على مساندة مالية لمشروعات اليونسكو في الارض المحتلة.
الحراك القطري هو حراك لتاكيد مستقبل افضل لأبناء المنطقة العربية ، وهو حراك شجاع تفادى الكثير من العقبات والمعوقات، كما قرر ان يدفع الثمن المستحق لا لغنيمة يرغبها ولكن لمصالح عربية عليا هي ان يعيش العرب اعزاء في أوطانهم.