مجلة المجلة- 16 سبتمبر,2011
اخذت اتأمل هذه المحادثة مع الصديق، فوجدت ان امثالها كثير يمر بنا يوميا. اي ان هناك من يعتقد ان ما قيل من حكم او من نتائج اعمال في ظروف تارخية سابقة، يصلح ان يستخدم اليوم بعلاته، في اوائل القرن العشرين. وهو مرض ثقافي عربي قليل منا من يتبصره ويبحث فيه.
إن مثل هذا القول في السياسة او الاجتماع او الاقتصاد او الفكر سائد بيننا، وان تبصرنا فيه وحاكمناه وجدنا ان مثل هذا القول غير عقلاني وخارج من السياق التاريخي. اذا كيف يمكن تطبيق تجربة في القرن التاسع عشر لها ظروفها وملابساتها على احداث في القرن الحادي والعشرين؟ وهو قرن وزمن له مواصفات اخرى وظروف موضوعية مختلفة.
الا ان هذا الامر، اي استخدام المقولات السابقة الجاهزة، يتكرر كثيرا في ثقافتنا العربية. هناك من يستدعي التاريخ ليقول لك ان الخليفة فلان كان يعمل كذا وكذا، كان يطوف مثلا بمنازل الحي، حتى يتعرف على من له حاجة، او من يدعو ربه في السماء كي يشتكي من شيئ حدث له، فيقوم الخليفة بتحقيق ما يصبو اليه الشاكي!
هذا يقع في ظروف اجتماعية وبيئة عمرانية مختلفة كل الاختلاف عما نحن فيه. لو حدث ان طبقه احد اهل الحكم اليوم فهو بالتاكيد سوف ينعت بقلة الذكاء على الاقل، او اكثر من ذلك النعت فكيف يطوف بمدينة بها عدد من ملايين المنازل، وكيف يسمع من يناجي ربه خلف الجدارن الاسمنتية اليوم؟
اليوم هناك وسائل اخرى لمعرفة راي الناس دون الحاجة للتلصص عليهم ليلا، كما انه من المستحيل ان يعوض الحاكم المحبة والرضا من الناس كي يكون (مرهوبا) ويستخدم العنف، على راي مكيافلي وصديقنا الذي صدقه، و وسائل الاعلام الحديثة تنقل كل شاردة وواردة.
لو اراد الحاكم اليوم ان يكون مرهوبا لبطش بالناس. لم يكن شاه ايران محمد رضا بهلوي الا مرهوبا باستخدامه للمخابرات (السافاك) ومثله السيد نجاد اليوم، ولم يكن اكثر رهبة من صدام حسين او حتى هتلر فأين هم اليوم. ان تكون مرهوبا اليوم بهذه النصيحة، هو ان تحفر قبرك بيدك.
من هناك فإن اطلاق المقولات على عواهنها واستدعاء احداث التاريخ من دون تفكير في المتغيرات، هي نوع من العبث واسقاط للزمن وظروف وبيئة الحدث نفسه، بل ان استدعاء الماضي هو بشكل اخر خروج عن مساقات العلم ، فما صلح في السابق لا يصلح بالضرورة في اللاحق.
الا اننا لو تدبرنا ما حولنا سوف نجد ان محدثينا في الكثير من الاوقات، سرعان ما يلجؤون الى احداث التاريخ، كي يقنعونا بما يحدث اليوم، وهو منهج في تقديري باطل، يتجاوز المعقول، وهو مرور الزمن وتغير الظروف.