للقارئ العربى من المرجح انه لا يعرف احمد حسين يستطيع ان يعرف من الاسم من اى اقليم فى العالم هو أتي، قد يكون من باكستان او من بلاد عربية او من أى ركن من العالم، احمد حسين كان موضع حكم فى بريطانيا أخيرا، وقد حُكم بأكثر من ثلاثين عاما فى السجن، بسبب ما نسب اليه من انه حاول تفجير سكة قطارات فى شمال لندن فى محطة معروفة اسمها بيرسونز.
المهم ما تناقل انه نطق الحكم الذى ادلى به قاضى المحكمة، وبعضه يخاطب المتهم الذى سوف يودع السجن، وبعضه يخاطبنا كمسلمين، قال القاضي: ان الحكم الطويل عليك سوف يتيح لك من جديد التفكير فى منطوق القرآن الكريم، وهو كتاب سلام، وان الاسلام هو دين سلام، يدين التطرف، ويحرم القتل الا بالحق، ففيه «أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا». المنطوق طويل، ولكنه يصب فى قضية هى بالنسبة لنا كعرب ومسلمين مركزية علينا ان نعيد الكتابة فيها ونذكر بعضنا وفوق ذلك ندعو بعضنا بعضا للتفكير والعمل ضد ذلك التطرف باسم ديننا.
سواء كان الفاعل هو احمد حسين فى شمال لندن او آخرين مثل اؤلئك الذين أوقفوا المسيحيين المسالمين لقتلهم بدم بارد فى صعيد مصر، مرورا بما يحدث فى سيناء او فى اى منطقة من العالم، من باكستان وأفغانستان الى البلاد الأوروبية والأمريكية أو استراليا، هذا الفكر الذى يختفى او يتمسح بالدين الإسلامى علينا ان ننبذه ونحاربه وندينه على كل صعيد.
إنه ليس فكرا اسلاميا، هو خارج عن الاسلام كل من يبيح قتل شخص خارج الاطار القانونى للدولة فهو مدان. القضية تكمن فى المجاملات والتبريرات التى تقدم من البعض بين فترة واخري، لا وجود ولا قبول لاى مبرر يسمح بالقتل، سواء فى حافلة نقل فى شوارعنا، او فى محطات قطار فى إحدى العواصم الاخري، هذا التطرف مدان بكل اشكاله و تجلياته. و من المتوقع ان تقوم الدول وخاصة الاسلامية بتنظيم حملة على جميع الصعد لمطاردة هذا الارهاب ليس فى شكله العملى ولكن ايضا فى تجلياته الفكرية وفى حامله الثقافي، وهو بخط عريض، من يسمون أنفسهم الاسلام السياسي.هذا التيار السياسى يجب ان ألا يكون له مكان بيننا ويجب فضخه فى أى ثوب هو تلون وأى صيغة يأخذ.
المسلمون اليوم يشكلون 1.8 بليون من البشر، منتشرين فى هذا العالم الذى نعيش فيه، لا يجب ولا يسمح ان تاخذه قلة القلة الى مكان لا يرضوه، فكل اسلام سياسى سواء دولة او مجموعة من الناس، هم يشكلون فاشية دينية وخوارج، لأن العمل السياسى هو عمل مدنى وليس دينيا ومن يقرن هذا بذلك هو عدو للاسلام اولا كما تحلى عبر قرون وكما جاء فى نصوصه المتسامحة ، كما هو عدو لمجتمعه بل ولحضارته.
الخروج من الغفوة ومواجهة الامر بشجاعة أدبية هو المطلوب اليوم اكثر من اى وقت آخر. الاشكالية الثقافية اننا نواجه بمكان ضبابى يتردد البعض عن كشف ، ففى الوقت الذى نعرف ضرر الغطاء الدينى للسياسة، مازلنا نروج، عن وعى او غير وعى لمقولات فى إعلامنا وخاصة فى وسائل التواصل الاجتماعى لمقولات مخادعة ومنتزعة من سياقها من اجل الترويج بشكل غير مباشر لوعى دينى يحمل شحنة كبيرة من التعصب.
منطوق ذلك الحكم فى المحكمة البريطانية من الواجب العودة إليه ومعرفة الاسباب خلفه، وقد ضج العالم المتحضر بهذا النوع من التعصب، من حكم إعدام على سيدة مسيحية فى بعض عواصم البلاد المسلمة ،الى محاولة تفجير قطار مواصلات لبشر لا يعرفهم المنفذ، كل تلك الافعال يجب أن تدان ويلاحق المروجون لمثلها فى كل بلادنا. بالفعل لقد بلغ السيل الزُبَى و لم يعد هناك متسع من القول فى هذا العالم الذى يتشابك يوما بعد يوم ،ان نجد من يروج او يقول بمثل تلك الاعمال النكراء، علينا البحث بجدية فى زوايا مجتمعنا عن هؤلاء الخفافيش الذين يتوسلون اسلامنا المسالم ويحولونه إلى نوع من انواع التحريض يتحول إلى جهاز تفجير.
الخميس 7 من ربيع الأول 1440 هــ 15 نوفمبر 2018 السنة 143 العدد 48191