الطفولة في عصر التكنلوجيا
البعد الاجتماعي
مقدمة
في الغالب فان نشرات الاخبار في دول العالم تهتم بالقضايا المطروحة على مجتماعتها ، ونادرا ما تعطي قضايا اخرى ( الا فيما ندر ) اولوية في صدر نشرات الاخبار ، الا ان الملاحظ ان كل نشرات الاخبار في معظم ثقافات ودول العالم تشترك في قضية واحدة في الاونة الاخير ، هي ما يطلق عليها (ادمان التكنولوجيا الحديثة) فما فعلته الانترنت في ربع القرن الاخير في سلوك الانسان ، لم يفعله اي اختراع انساني سابق ! وحسب شركة Statista الالمانية ، المتخصصة في ابحاث السوق ، فان عدد مستخدمي الهواتف النقالة في العالم سوف يرتفع في نهاية عام 2018 الى 2.53 بليون مستخدم ، مقارنة بحوالي 3.32 في عام 2017 ولكن الرقم سوف يصل الى 2.87 بليون بحلول عام 2020 بل ان بعض التقارير تنذر من الان انه خلال وقت قصير جدا سوف يصبح فضاء الانترنت فضائي وبثمن قليل ومتوفر لاي انسان على سطح الكرة الارضية . وتذهب بعض التقديرات ان الفرد في المتوسط يقضي 90 دقيقة على هاتفه النقال ، اي ان معظم الناس يقضون 23 يوما في العام مع هواتفهم الذكية . في بريطانيا فان الدراسات تقرر ان المواطن البريطاني يدقق في تليفونه النقال كل سبع دقائق ،وينظر معظم المواطنيين الى تلفوناتهم خلال نصف ساعة من استيقاضه من النوم ، كما ان المتوسط للفراد هو اكثر قليلا من ثلاث ساعات، يقضية شاخصا في شاشة تليفونه الذكي في اليوم ! هذه الظاهرة تجتاح العالم . الا انها متجذرة في بلاد عربية و شرق اوسطية ، فالسعودية والمغرب تاتي رقم ( 29\30 ) على التوالي في القائمة الدولية ( عام 2013 ) لحيازة التليفونات ،و تتقدم على كندا واستراليا في عدد التلفونات المحمولة مقسمة على عدد السكان ، وايران تتقدم على المملكة المتحدة في ذلك !
و استخدام الانترنت و ما يجاورها من منتجات تقنية (كالتليفون الذكي او الاي باد او الكمبوتير النقال) لها الكثير من الفوئد، ان تم استخدامها بشكل ايحابي ، كما لها الكثير من الاضرارا، فمن الاحصاءات الاخيرة نجد ان بين القتلى في حوادث السيارات في الممكلة العربية السعودية ،سبعة الاف ومائتين قتيل بسبب استخدامهم للتليفون النقال اثناء قيادة السيارة ( عام 2017) كما اضطرت وزراة التربية في الكويت لمنع ظاهرة الغش في الامتحانات بان تستخدم نظام مطور هو ال«ايرباترول» لمنع الغش في الامتحانات يعتمد على التنقية الحديثة . في الصين هناك 300 مركز ( حتى الان) لعلاج ادمان الانترنت ، وهناك محاولات للتشريع ضد ( الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاحتماعي) في ستغافورة وعدد من الدول الاخرى تغلظ العقوبات على ما يعرف ب ( جرائم الانترنت) . الادمان اصبح ظاهرة عالمية الى درجة صيغ لها مفهوم هو phubbing وتعني اهمال شخص بجابك لصالح تليفونك النقال! تلك هي المخاوف والهواجس ، الا انه من ناحية اخرى لا يستطيع احد ان ينفي ان استخدام التقنيات المتطورة لها فوائد جمه وخضوصا على التعليم ، خاصة تعليم الصغار ان هي استخدمت بشكل صحي و علمي، كما لا يستطيع احد ان يستغني عنها .
سطوة الرفقة ( الاكنرونية)
قد يتجاهل البعض او يخفف من تاثير وسائل الاتصال ( باشكالها المختلفة) على تشكيل رؤيتنا وقيمنا و موقفنا من الحياة ، وقد تسارع ذلك التاثير من زمن (الاعلام المطبوع) الى زمن ( الاعلام اللاكتروني) من الصحافة الى الاذاعة الى التقنية، في الصحافة استجابة الجمهور لا تتسم بالتوافق الزمني، لان كُل يقرا الجريدة في زمن آخر ، وفي الاذاعة تقارب الزمن ، اما الاتصال اللاكتروني فقد تطابق الزمن لدى المُتلقى ، كما تقدم كثيرا فن (الاخضاع) لما يبث من خلال تقدم دارسات فهم آليات العقل الجمعي ، صار من الممكن السيطرة على الجمهور واخضاعه ، فقد اصبح ( اعادة صياغة الجمهور اكثر اهمية من تغيير المنتج) كما عبرت عنه الدراسات الخاصة في هذا الحقل ، لان تغيير السلوك الانساني عملية اجتماعية يمكن التحكم فيها ، قابلة للخداع ايضا ، الجوار الاكتروني ( للاطفال خاصة و لكن حتى لغيرهم) يمكن ان يكون مصدرا للقيم والاخلاق لا يقل في قوته المرجعية عن تاثير الاسرة و المؤسسة التعليمية وربما حتى التعاليم الدينية. على سبيل المثال في دراسة لجامع نبراسكا ( الامريكية) سوئل مجموعة من الاطفال ( هل الافضل الاحتفاظ بابائكم ام باجهزة التلفزيون، اكثر من نصف العينة اختاروا التلفزيون)! الطعم التجاري ايضا لا يجوز لنا ان تجاهله ، فكل تلك الوسائل اللاكترونية التي نستخدمها و اطفالنا، ورائها دافع تجاري ،واضح او خفي ، وقد يكون ورائها دافع (سياسي\تجاري) كما تبين من الفضائح الاخيرة التي اذيعت في العالم عن التويتر و الفيس بوك فليس هناك في هذا الفضاء الاكتروني ( غداء مجاني) بل ان بعض الاسر تتكبد مبالغ طائلة لان الاولاد قاموا بالاشتراك في هذه اللعبة او ذلك البرنامج دون معرفة بالتكاليف!
المخاطر غير المرئية لاستخدام التقنيات المتطورة ( التليفونات الذكية و الاي باد) على الاطفال
المخاطر غير المرئية المحدقة بالاطفال من مستخدمي التكنولوجيا المتطورة ( اجتماعيا) كثيرة وخطيرة ، فكلنا يعرف القاعدة البديهية للتغذية السليمة (انت ما تاكل) وعندما يتعلق الامر بالسلوك ، فقد اجمع علماء الاجتماع على ان ( الانسان هو من يخالط) فاننا نتاثر تاثرا كبيرا ويوميا بطبيعة الناس والاشياء من حولنا عائلاتا ومجتمعاتنا مؤسساتنا ومعتقداتنا والنماذج السلوكية المحيطة بنا . بل ان مصادر التاثير تجد سبيلها الى نظامنا العصبي والبيولوجي ،ولهذه العملية جذور عميقة في تطور البشر ، وهي تعطينا ما يمكن تسميته ( الواقع المشترك) تمكننا من تقاسم الخبرات في الفضاء الاجتماعي، واليوم لم يعد من نخالط هم بشر مثلنا بشكل مباشر او غير مباشر ، اصبح هناك فضاء ( افتراضي) يلتقي فيه الناس على شبكة التواصل الاجتماعي ، والتي يسميها البعض ( شبكة الاعتلال الاجتماعي) هذه العلاقات ليس مع اناس تربطنا بهم صداقات ومعرفة ، بل اناس في كثير من الاوقات لا نعرف حتى اسماؤهم الحقيقية ، فقد تكون مجهلة، ويقدم لنا التويتر و الفيس بوك و استجرام ( معلومات) تفضي الى مجموعة من الاحكام المسبقة ،و تزيد من الهوة بين ( المتجاورين) لتصل الى غير المتجاورين ، و تؤثر في السلوك بشكل عام وخاصة سلوك الاطفال .
التكنولوجيا تتمتع بتاثير كبير و محتوم على الجيل الجديد، فلا تصادف مجموعة من الشباب الا وتجدهم منهمكين في مطالعة شاشات تليفوناتهم، يحادثون البعيد، و ينفصلون عن القريب ، بل وحتى في تجمع الاسرة ترى الجميع في ( مكان واحد) متفصلين عن بعضهم . قصة لعبة الحوت الازرق قصة معروفة اليوم ، فهي لعبة ابتدعها شاب روسي عام 2013 و انتشرت عام 2016 ، اتهم مبتدعها بانه كان السبب في انتحار عدد كبير من الشباب
• في أواخر العام الماضي، أصدرت منظمة اليونيسف، تقريرها الشامل الأول حول حالة الأطفال في الفضاء الرقمي، تحت عنوان «وضع الأطفال في العالم لعام 2017: الأطفال في غمرة العالم الرقمي، وأشار التقرير إلى أنه، ورغم استخدام الأطفال لشبكة الإنترنت بوتيرة واسعة (حيث إن واحداً من كل ثلاثة مستخدمين للإنترنت حول العالم، هو طفل)، ولكن لم يتم اتخاذ الكثير من الإجراءات لضمان حماية الأطفال من المخاطر المداهمة للفضاء السيبراني. كما تناول التقرير مدى مساهمة الإنترنت في تعرّض الأطفال للمخاطر والأذى، بما يشمل إساءة استخدام معلوماتهم الخاصة، والوصول إلى المحتوى الضار، والتنمّر والتسلّط السيبراني ( البلطجة ضد الاطفال) . من جهة اخرى قامت مديرية الاتصالات للمؤسسة التعليمية التركية ( فلاركانتكين) باعداد دراسة بالتعاون مع جامعة الشرق الاوسط ، عنوان الدراسة ( يكبرون مع التكنولوجيا) وجدت الدراسة ان 63% من الاطفال يستطيعون التعامل مع ( اللوحي) بفردهم ، 72 % من الاطفال يستخدون التقنية لمشاهدة الفيديو و الالعاب ! وان فقط 55% من الاهالي يختارون ما هي التطبيقات التي يشاهدها اطفالهم . اما دراسة اليونسيف (مذكورة سابقا) فقد وجدت ان الشباب الذي تتروح اعمارهم بين 15 الى 24 هم الفيئة العمرية الاكثر وصولا الى الانترنت ، فعلى مستوى العالم فان 71% من تلك الفئة تواصلوا بالانتنرت مقابل 48% بالنسبة لمجموع السكان . كما يشكل الاطفال والمراهقون الذي تقل اعمارهم عن 18 عاما ، ما يقدر بنحو ثلث مستخدمي الانترنت في مختلف انحاء العالم !
ثقافة الطفل
كما نعرف فان الأطفال بطبيعتهم يتأثرون بالأمور الإيجابية أو السلبية، على حد سواء، ويمكن استمالتهم لأي جانب كان، لأنهم لا يمتلكون النضج الكافي او الخبرة الحياتية ـ الذي يمكّنهم من اختيار الصالح دون غيره، ومن هنا، يمكن التغلغل من قبل ضعاف النفوس، أفراداً أو منظمات ذات اغراض ، لاستغلال الأطفال سلبياً من خلال هذه الشبكة وبطرق متعددة، بدءاً من محاولة التأثير في ثقافة الطفل وقيمه، والتي قد زرعتها اسرته بداخله منذ الصغر، وصولاً إلى مخاطر العنف والاستغلال الجنسي، سواء كان مباشراً، عبر التواصل مع الطفل من خلال الشبكات الاجتماعية، أو غير مباشر. وسوف اضع بين يدي القارئ هنا بعض ( الاخطار الاجتماعية) للشبكة العنكبوتية على الاطفال، والذي يمكن من خلاله الهمينة على كثير من تفاعلاتهم الاجتماعية.
• لقد حطمت وسائل التواصل الاحتماعي عدد من المسلمات منها الحاجة الى التدقيق في المعرفة ، فهذه ( المنهجية الاساسية) يتجاوزها الطفل عند احتكاكة بمعلومة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ويعتبرها نهائية ( هناك كبار ايضا يُضللون من هذا الجانب)
• بات الدس وتسميم العقول سهلا من خلال وسائل التواصل ، ويزيد من هشاشة قاعدة المعلومات لدى الطفل
• نحن الان في ( عصر ما بعد الحقيقة) او ( عصر الايهام بالصدق) وحمل الناس على تقبل الزيف ،طالما عرض عليهم بشكل انيق و ( مقنع)
• الاستخدام الكثيف لوسائل التواصل الاجتماعي تفقد الطفل ( القدرة على استيعاب فن المحادثة) smart phone kill the arts of communications وكذلك يسبب الفقر اللغوي و القدرة على التعبير
• تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للتغرير بالاطفال و المراهقين، من خلال تزيين ( الخروج عن القواعد الاجتماعية) او الاغراء الجنسي او التهديد بنشر (صور فاضحة) تورط المراهق او المراهقة بارسالها لاحد خارج نطاق الامان الطبيعي !
• تكرس الهواتف الذكية (ثقافة غرف النوم) حيث اصبح الوصول الى الانترنت بالنسبة للاطفال امرا شخصيا وخصوصيا بصورة اكبر ،واقل خضوعا للاشراف !
• يمكن للمتصيدين الجنسيين Podophylla ) ( التحرش بالاطفال) الاتصال بسهولة اكبر مع الاطفال والمراهقين من خلال الملفات مجهولة الهوية او مزيفة أوعلى منتديات الالعاب
• تقرر بعض الدارسات ان الاستخدام المفرط للتقنية من الاطفال يمكن ان تقود الى حالات اكتئاب او مشاكل منزلية وتؤثر على صحة الطفل وسعادته
بيئة مخيفة
التكنولوجيا الرقمية، هي الآن حقيقة لا رجعة فيها في حياتنا «لدينا تحدٍ مزدوج، وهو كيفية التخفيف من الأضرار، مع مضاعفة الفوائد من الإنترنت لكل طفل». يتحول الإنترنت إلى بيئة مخيفة بالنسبة للطفل، والاسرة ايضا ، ولا يوجد ( حل سحري) لمواجة المخاطر ، وكما يؤكد مجموعة من الباحثين ، مع العلم ان الحلول المبسطة ( ثقوا بالاطفال او اعتمدوا على الوالدين لضبط الاجهزة المتوفرة للابناء) لا تقدم حلول ، فهذه الاشكالية المقدة لا يمكن التصدي لها الا من خلال ( ان تلعب الاطراف ادورها بنجاح) طفولة امنة لا يمكن تحقيقها، بل بعض اعلماء النفس يرون انها غير محبذة ! و لكن ( الاقل مخاطرة) يمكن الوصول اليها، من خلال وعى اجتماعي لفهم المشكلة والتعامل معها ، اسهل الحلول سحب الاجهزة من الاطفال و المراهقين، ولكنها اخطر الحلول ، لانهم سوف يجدوا طريقة او اخرى للحصول عليها وربما سرا. يوجد العديد من الأدوات، يقدمها الخبراء ، يمكن استخدامها لضمان السلامة على الإنترنت، ويقترح البعض وجوب وضع “رقابة أبوية” على كل أجهزة التكنولوجيا، من كمبيوتر أو محركات بحث أو منصات الألعاب، وغيرها من الأجهزة الرقمية، وبهذه الخطوة، يمكنك منع الطفل من زيارة المواقع الضارة، أو ذات المحتوى غير المناسب للأطفال، الا ان المبدأ هنا هو ( توعية الاسرة) وفي راي خاصة الامهات الى تلك المخاطر، في الاسر ، ترى ان جزء من ( لك صداع الراس) هو اشغال الصغار باجهزة تقنية حديثة ، يمكنهم ان (يتسلوا بها) وهم ربما غير واعين، ان اطفالهم يمكن ان يقعوا من خلال تلك الاجهزة بمغتصبين او مروجي المخدارات ( خاصة المخدرات الرقمية) و باشاكل من الاغواء ، ويرى بعض الخبراء انه يمكن التقليل من المخاطر تلك بالاعتماد على برامج مكافحة الفيروسات المثبتة في الاجهزة ، فمعظم هذه البرامج توفر ذلك الخيار من السماح والمنع، الا ان فكرة (كل ممنوع مرغوب) .تعمل هنا ايضا ، فيسلل الطفل خارج المسموح الى الممنوع لقد قامت عدد من المؤسسات بتصميم (نواد للاطفال والمراهقين) يشترط فيها عدم الاتصال بالانترنت الا في حدود ضيقة ، مع كثافة في برامج القراءة و النشاط البدني وهي نواد لا زال الفضاء العربي والخليجي يفتقدها.