دور مجتمع المعرفة في مستقبل دول الخليج
مقدمة:
منذ ان قدم العالم الامريكي في الرياضيات كلود شانون نظريته في عام 1948 (نظرية المعلوماتية)[1] Information theory وعالم الاتصال يتقدم بسرعة هائلة ، حتى ان مجلة البي بي س (تاريخ العالم) تقول ان عصرنا غير مسبوق في سرعة التغيير [2]، و السبب الرئيس كما يرى المقال، هو التقدم السريع في التقنية الحديثة ولا توجد اليوم مجلة او كتاب ( في الغالب) خالية من موضوع عن التقنية الحديثة و تطورها ، بل ان التقنية تستخدم في المجالات العسكرية و المدنية ، وتصل الى ان تستخدم في الطب الحديث [3] الا انه من المفيد القول ان تطور وقفزة ( التقنية السيبرانية) في البداية ، كاشياء اخرى كثيرة في عالمنا المعاصر ، كانت حاجة عسكرية! فخلال الحرب العالمية الثانية قرر الرئيس الامريكي فرانكلن روزفلت انشاء ( وكالة البحوث العلمية للاستخدامات الحربية و العسكرية) OSRD ، وبعد الحرب اتجهت الوكالة لتطوير الابحاث العلمية للاستخدام السلمي[4] ،لذلك من الضروري في الاقتراب من هذا الموضوع الحساس ( مجتمع المعرفة) ان نقوم بضبط المصطلحات اولا ، فالحديث العلمي عن ( مجتمع المعرفة) له عدد من المعاني ، قد يعني خطط الدولة المعنية لتوطين و تطوير المعرفة ، وقد يعني ايضا ( جماعة من الناس ذوري اهتمامات متقاربة ، يحاولون الاستفادة من تجميع معرفتهم بشان المجالات التي يهتمون بها ، وخلال هذه العملية يحاولون الاضافة الى تلك المعرفة) [5] والمعرفة ( هي الناتج العقلي و المجدي لعمليات الادراك والتعلم والتفكير)، كما ان هناك فرق بين ( مجتمع المعلومات) و ( مجتمع المعرفة) وقد لفت لهذا الفرق التقرير الصادر عن الامم المتحدة عام 2005[6] ( قبل ثلاثة عشر عام من وقت كتابة هذه المطالعة) وتراكمت بعض ذلك التقارير الدولية والاقليمية التي تفرق بين المسارين، فمجتمع المعرفة اكبر و اوسع من (مجتمع المعلومات) والفرق هو في جمع المعرفة و في استخدامها ، فيمكن لمجتمع ما ان يجمع المعرفة بطرق مختلفة ويكدسها ، اما استخدامها و الاستفادة منها اقتصاديا ، فيحتاج الى تساند وظيفي من جميع ( انظمة المحتمع) ، بمافيها النظام السياسي و القيمي و التعليمي والقانوني وبقية الانظمة المختلفة في المجتمع .كما ان ( مفهوم مجتمع المعرفة ) متطور وبسرعة ، يزيده عجلة في التسارع تقدم التقنيات التي اوصلتنا الان الى الحديث عن ( الذكاء الاصطناعي) الذي قريبا ما يساوي وربما يتفوق على الذكاء البشري، ويستخدم في عدد واسع من الاستخدامات، من مثلا القيام بالتخطيط للمعارك العسكرية، الى القيام بالعمليات الطبية المعقدة او حتى بعض مهمات الامن الدقيقة !
وان اردنا ان نقيس بشي من المرونة مدى ( دخول او عدم دخول ) دول مجلس التعاون في مسيرة ( مجتمع المعرفة) علينا اولا ان ندرس ( خائص مجتمع المعرفة ) وما اذا كانت جميعها او اكثرها تتوفر في دول الخليج .
خصائص مجتمع المعرفة
تتميز مجتمعات المعرفة بعدد من الخصائص منها
- ان المعرفة تشكل اهم المكونات التي يتضمنها اي ( عمل او نشاط) في المجتمع، فيما يخص نشاطاته المختلفة ، مثل ( الاقتصاد والسياسة و الثقافة والتعليم الى اخره من النشاطات الانسانية ) اي ان اي قرارا يخص تلك النشاطات يكون مبني على ، ويخضع الى قاعدة معرفية ومعلوماتية عقلانية، تجمع وتحلل المعطيات و ينظر الى مساقها ومصيرها لخدمة المجتمع .
- كما يتميز مجتمع المعرفة ان ( المعرفة) هي اهم ، او من اهم السلع المنتجة في ذلك المجتمع ، وانها اي المعرفة، تعتبر من اهم مكونات راس المال المنتج في المجتمع المعني ، اي النسبة الاكبر في التصدير للخارج.
- ان يتوفر في المجتمع مستوى عال من التعيلم ( المُجود) في مستوياته المختلفة ، الفنية و الاكاديمية في العلوم البحتة و التطبيقية و العلوم الاجتماعية بفروعها .
- وجود مراكز بحوث مهتمة بالبحوث العلمية وعلى ارفع المستويات ،وتوفر المناخ الثقافي و السياسي لاداء مهماتها على اكمل وجه، كما ترصد لها الميزانيات.
- التمويل المالي ( من الدولة و او القطاع الخاص او كلاهما ) و مقدار حجم الانفاق على البحث العلمي ونسبته من الناتج القومي المحلي في المجتمع المعني .
دول الخليج ومجتمع المعرفة
اذا قسنا تلك الشروط السابقة الخمسة، والتي يجب ان تكون متطلبات مسبقة للوصول الى (مجتمع المعرفة) وفي كلياتها في دول الخليج بشكل عام ، فاننا نستطيع ان نصل الى تصور مبدئي ، بان مجتمعات الخليج لم تنخرط بعد كليا في مسيرة ( مجتمع المعرفة ) من حيث الانتاج اولا ومن حيث استخدام المعلومات في اتخاذ القرار ثانيا وان بدى ان هناك بعض الملامح على سطح المجتمع الخليجي تشير بان هناك توجه للانخرط في تلك المسيرة من حيث الاستهلاك ( الاستعمال)، ولكن فقط في مجتمع المعلومات ( حتى الان) وليس في مجتمع المعرفة كما يحدد في المؤشرات الدولية او الشروط المسبقة . ويقرر التقرير الرابع للتنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي (2012) ان التواصل على النت بين العرب عام 2010 كان 29 مليون[7]، ارتفع اليوم الى حوالي 160 مليون مستخدم ، وهو الاكثر نموا في العالم ! وكانت القضايا الاقتصادية قد حصلت على نصيب الاسد من التعليقات البينية ( كما يذكر تقرير مؤسسة الفكر 2012) حيث بلغت 32.7% من المشاركين، اما التدوين Blogging فان المفاجئ ان معظم مستخدميه في دول الخليج هم من العنصر النسائي ( التدوين النسائي يكتسح تسع دول عربية) [8] في الخليج 70% من المدونين نساء في السعودية، وفي قطر 76% ،وفي الامارات 70% [9] مما يلفت النظر الى البعد الاجتماعي في التعامل مع الفضاء المعلوماتي الذي يتيح التواصل ( الافتراضي) في غياب التواصل الانساني الحقيقي !
من جانب اخر وعلى سبيل المثال ليس كل القرارات المتخدة ( بشكل عام ) في دول الخليج قرارات مبنية على (مكون معرفي وبحثي قريب الى الدقة) او يشارك فيه اهل ( المعرفة)، ويتفاوت اسهام (المعرفة) في اتخاذ القرار بين نشاط وآخر ، فمثلا في النشاط الاقتصادي قد يكون هناك ( الى حد ما مكون معرفي في اتخاذ القرار ) قلت الى حد ما ، و خاصة في النشاط الاقتصادي المشترك و الخاص ، اما في النشاط الاقتصادي العام ، فان القرار ، بشكل عام ، يخضع الى ضغوط سياسية و اجتماعية محلية وخارجية تفقده الالتزام ( بشروط المعرفة) كما حددناها ، فمثلا تعتبر دول الخليج في تصنيف النشاط الانتاجي العام انها دول ( ريعية ) اي معتمدة على الريع المالي النتاتج من بيع النفط او الغاز ، الدولة هي المستقبلة لهذا الريع، وتقوم بتوزيعه على الافراد و المؤسسات و المجاميع الاجتماعية ، وفي الغالب لا توجد راقابة فاعلة على هذا الدخل وطريقة توزيعه ، ولان الدولة تحتاج الى خلق الولاء السياسي ، فان التزيع يتاثر بمكون ( سياسي و اجتماعي ) ويدخل في اطار توزيع الدخل جلب الولاء ، و كما يدخل ايضا في تحديد الاولويات ضغوط المجتمع و الضغوط الدولية ، كما يتدخل ( القرار السياسي) في تحديد وتشكليل القيم المجتمعية لذلك فان المجتمع الخليجي ، بطريقة توزيع الريع، يتوجه الى اللاتجانس ( الاقتصادي) ، اي اقلية تملك اكبر نسبة من الدخل، و اكثرية تعيش على دخل ( وظيفي من الدولة ) اي خلق ما يعرف ب Salaried class مدعوم بالخدماتالرخيصة الى حد ما ، كهرباء رخصية نسبيا، وسكن ترعاه الدولة، و خدمات تعليمية وصحية شبه مجانية او مجانية ، و ينتج من كل ذلك ( مجتمع اعتمادي) على الدولة، لا يوجد في مساقاته ما يمكن ان يعرف بالتنافسية التي تخلق في الاساس دينمامية لخلق مجمع المعرفة ، على سبيل المثال الاخر ، فان مثل هذا المجتمع ( مرة اخرى بشكل عام) لا يمكن ان نحصل منه على ( جودة عالية في التعليم) لان مفهوم التعليم في الدولة الريعية هو الحصول على الزظيفة، التي هي في الغالب مضمونة من الدولة ( كجزء من تزيع الريع) هذا ما يجعل المجتمع الخليجي في مرحلة انتقالية تتميز ( بموقف عصري في الظاهر و سولكيات تقليدية في الجوهر) و في عدم وجود افق حقيقي لتنويع وسائل الانتاج ، اي اقامة صناعة حديثة و خدمات متميزة، تصدر منتجها الى الخارج وتظيف الى الدخل القومي و تغير من مصادر انتاج القيم العامة في المجتمع، سوف يبقى المجتمع الخليجي بشكل عام معتمدت على الدولة . من هنا فان الانظمة التي يمكن ان تنتج ( من هكذا تشكلية) تكون غير قادرة على انتاج المعرفة على مقلب اخر فان انتاج المعرفة يحتاج الى خلق مؤسسات حديثة ، تعتمد في الاغلب على الكفاءة لا العلاقات الاجتماعية و شبكة القرابة Kingship. وعلى الرغم من وجود بعض مراكز الابحاث التي تنتج بعض الافكار المعرفية وتقدم حلول للمشكلات السياسية و الاجتماعية التي تواجهها مجتمعات الخليج ، الا انه بسبب التركيبة السياسية فان الكثير من تلك الافكار تنتهي الى عدم التنفيذ او الى التجميد ، وهناك الكثير من الخطط التي توضع على الورق من اجل النهوض بالمجتمع او واحد او اكثر من وظائفه ، الان ذلك لا يتبلور كما خطط له . فدول الخليج على سبيل المثال تهتم بترقية التعليم ، ونجد في الادبيات الرسمية المختلفة صدى لذلك الاهتمام ، الا انه بالكاد يتبلور في التنفيذ ، لاسباب موضوعية وذاتية كثيرة ، منها السياسة العامة في ربط ( الشهادة بالوظيفة) اكمالا لسياسة قديمة وهي ( الدولة الراعية) اي استخدام التوظيف كنوع من توزيع الثروة . في مثل هذه المعادلة لا يستيع ان المجامع ان يتوجة ( بحدية) كاملة لاصلاح مستحق في التعليم .
المشهد الخليجي في اطار مجتمع التنمية
يشهد العالم العربي اليوم تغييرات جذرية على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية. كما تضرب تلك المجتمعات موجات من التحديات غير المسبوقة ، على الاقل بداية من العقد الثاني من القرن الواحد والعشرون وضمن سعى هذه المجتمعات لمواكبة المستجدات المتسارعة والتغيرات المتلاحقة، تواصل دول عدة في المنطقة تبني مبادرات نوعية في إطار جهودها الحثيثة لبناء اقتصاد متكامل قائم على المعرفة وعلى راس هذه الدول في منطقتنا دول ( مجلس التعاون الخليجي) ، الأمر الذي ينطوي على بعض النتائج إلايجابية الملموسة على صعيد تحسين مؤشرات مجتمع المعرفة. وبالفعل أثمرت تلك الجهود المستمرة عن نجاحات ملحوظة، أبرزها تقدّم كل من دولة قطر و دولة في “مؤشر التنافسية العالمية 2015-2016 المرتبة وقد حصلت كل من قطر و الامارات على مستوى 14 و17 على التوالي، من أصل 130 دولة في المؤشرات الكلية. وخطت دولة الإمارات خطوة متقدمة على صعيد التحول نحو نموذج الحكومة الذكية، وذلك عقب اختيارها في المرتبة الأولى عالمياً في 6 مؤشرات من إجمالي 114 مؤشر، كما تبذل جهود منظمة في التحول في الاداء العام الى التقنية الحديثة .
وكان هناك العديد من الارقام الدالة على انه مؤشرات اقتصاديات المعرفة اخذت فى التسارع فى منطقة الخليج العربى ، فقد اصبحت دولة الإمارات في موقع الصدارة عربياً بعد أن احتلت المرتبة الأولى في “مؤشر الأداء الإلكتروني العربي للعام 2015″ بمعدل 67.35%.
وتصدرت دول مجلس التعاون الخليجي الست التصنيف العام في مؤشرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العالم العربي خلال العام 2015، وجاءت البحرين في المرتبة الأولى بعد أن سجلت 74.15% في معدلات استخدام شبكة الإنترنت، فيما حققت الكويت أعلى نسبة في انتشار الهواتف النقالة بـ 194.62%.[10]
وقد رصد مؤشر استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العالم العربي أربعة مؤشرات رئيسية لكل دولة من الدول الـ 18 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي مؤشر “مشتركي الهواتف النقالة”، ومؤشر “مشتركي الهواتف الثابتة”، مؤشر “مستخدمي شبكة الانترنت ، ومؤشر “عدد أجهزة الكمبيوتر المثبتة”. ويتم احتساب المؤشر العام من خلال جمع نتائج المؤشرات الأربعة الرئيسية لكل دولة، وتقسيمها على إجمالي التعداد السكاني. ويشكّل ارتفاع الدرجة المسجّلة وفق المؤشر العام دليلاً على مستوى النجاح في تبنّي نظم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، و تعكس نتائج توقعات أعداد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي( 2014-2018 )مدى التوسّع الكبير الذي سوف يشهده قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ظل التقديرات المتوقعة ، بأن يصل عدد مستخدمي شبكة الانترنت في الدول العربية إلى نحو 300 مليون مستخدم بحلول العام2020 .
ان مسيرة التحوّل إلى إقتصاد المعرفة في المنطقة استحوذت على حصةً كبيرةً من الاهتمام الذي يركّز في المقام الأوّل على دراسة ما يُعرف بـ “المدن الرقمية”، مع تسليط الضوء بشكل خاص على تجربة مدينة دبي التي أثبتت مكانة مرموقة لها ضمن قائمة أفضل 10 مدن في العالم من حيث الحوكمة الرقمية في العام 2014، متفوّقة ذلك على أبرز العواصم العالمية مثل لندن وأوسلو وستوكهولم وفيينا وهذا امر ملفت ، اي انها تتفوق على اية مدينة عربية او غير عربية في الجوار الجغرافي
ووفقاً لدراسة صادرة في شهر سبتمبر 2014 من قبل الجامعة الحكومية لولاية نيوجرسي “روتجرز”حول المواقع الإلكترونية الرسمية لـ 100 من المدن الرئيسية في 100 دولة حول العالم، احتلت مدينة دبي ( الامارات) المرتبة التاسعة وفق المؤشر العام، والمرتبة الرابعة من حيث تسليم الخدمات، والمرتبة الخامسة من حيث الخصوصية والأمن.
وفي دراسة حول عدد البحوث المشورة في قبل باحثين ( في مجلس التعاون)[11]دول مجلس التعاون تبين ان هناك ، ان العدد الكلي ( 2015\2016 ) هو تقريبا مائة الف ورقة بحثية ( على وجه الدقة 99,387 ) وان هذا العدد لكل الف نسمة من السكان يقترب من كل من مستوى ايران و تركيا [12]، وان السعودية تنتج حولي 65% من المجموع [13] الا ان العمل المؤسي ( اي اشتراك اكثر من باحث او مؤسسة في انتاج البحث) قليلة جدا و ان وجدت فهي عائدة الى معرفة شخصية بين الباحثين، و ليس من خلال عمل موسسي منظم ، وبحسب بيانات اليونسكو فان الميزانيات المخصصة متواضعة ، فالامارات ترصد ما بين 190 مليون دولار الى 270 مليون دولار تقريبا [14]، كما انها تخطط الامارات الى مضاعفة الانفاق على البحث العلمي ( عن عام 2016) ثلاثة اضعاف، كنسبة من الناتج القومي الاجمالي في عام 2021 ، وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة 37 عالميا فهي تخصيص ما يقارب 1.8 مليار دولار سنويا [15]، الا ان الحذر يجب ان يصاحبنا في النظر الى هذه الارقام ، حيث لا توجد مؤسسة او (مؤسسات) معتمدة تقدم لنا ارقام منضبطة في هذا المجال [16]
الامن السيبراني
على الرغم من الاستخدام الشبكه الاكترونية الكثيف ولتقنية الحديثة في دول مجلس التعاون ، فان موضوع هام يرافق ذلك الاستحدام وهو ( الامن السيبراني ) حيث التفت اليه بشكل ملحوظ في السنوات الاخيرة ، الا انه بعد احداث ( فضيحة الفيس بوك) على المستوى العالمي من جهة، و الاستخدام السياسي و الفضائحي ( في الكثير من الاوقات) للشبكة ووسائل التواصل االجتماعي ، اضافة الى التهديد الامني المتزايد من جهة ثالثة[17]، فان موضوع ( الامن السيبراني) اصبح له اهمية قصوى في دول الخليج ، وتقود الامارات العربية المتحدة هذا المجال، من خلال انشاء المؤسسات ، و اقامة المؤتمرات الخاصة بالامن السيبراني من اجل توعية الجمهور وخاصة الشباب لمخاطر التعرض غير الحميد لوسائل التواصل الاجتماعي و استخدام الانترنت .[18] كما ان هذا الفضاء السيبراني استخدم من قبل القوى المتشددة ( داعش وامثالها) استخدمت بكفاءة ملحوظة ذلك الفضاء العالمي ، الا ان هناك موقف اخر يجعلنا نطمئن نسبيا على ان تلك ( المعلومات) المبثوثة في تلك الوسائل لا تُصدق بشكل تلقائي ،ففي دراسة تمت العام الماضي من قبل المجلس الوطني للأعلام في دولة الامارات، وذكرت في احد اللقاءات التي نظمها (منتدى الاعلام العربي) 3\4 ابريل 2018 في مدينة دبي ، ان صدقية وسائل الاتصال لدى المشمولين في الدراسة هي فقط 26 % للفيس بوك ، و 8% للصحافة المطبوعة ، و 30% للتلفزيون[19]، وهي نسب كاشفة ، ربما تختلف في مجتمعات أخرى ،ولكنها تقول لنا ان الاخبار او الموضوعات او ( الاشعات المضللة ) التي توضع على تلك المنصات المختلفة ، تؤخذ بالكثير من الحذر من الجمهور العام ،ولكن أي جمهور ، المؤسف ان تلك الأرقام لم توضح سوية الجمهور المستطلع !، الا اننا نستطيع القول بشيء من الثقة ان ( الجمهور الذي يتوفر له الاطلاع على منصات إعلامية مختلفة) يمكن ان تتوفر له شيء من المناعة في استقبال وتمحيص الاخبار ( الكاذبة وغير العقلانية )، الا ان تلك الفكرة العامة وهي (تنقية المعلومات) تعطلها ففكرة أخرى ، وهي ان المجتمعات ( المستقطبة) كما هي المجتمعات العربية اليوم يميل جمهورها الى تصديق ما يرغب في حدوثه ،ولا يتوقف كثيرا ليعرف او يمحص الاخبار ما دامت تحقق له شيء من ا(لراحة) النفسية في الغالب، هو يصدق ما يحب و يميل الى تكذيب ما يكره . هي ببساطة الية نفسية، يمكن ان نرصدها لدى (المساهم) في شركة ما ، فان سمع ان الأسهم قد ارتفعت يصدقها دون تردد، اما ان كان الخبر انها خسرت ، يرغب في عدم التصديق او التشكيك! الإجابة التي يتوقعها القارئ هي إجابة السؤال: ما العمل؟ مع الأسف ليس هناك أدوات يمكن الاستفادة منها في رفع كفاءة نظام المناعة الثقافي لدى الجمهور العربي ، حيث لا النظام التعليمي يساعد على رفع عوامل المناعة عن طريق التفكير النقدي، و لا النظام السياسي يفعل ذلك عن طريق تقنين واع للحريات ، و النظام الاجتماعي بقادر على رفع نسبة المناعة عن طرق تحديد حديث لقيم الأفضلية و التميز ، ولا النظام الاقتصادي بقادر على خلق كفاءة انتاج و خفض كفاءة الاستهلاك. امام هذه المعضلة الثلاثية سوف يبقى التضليل سيد الموقف والاستقطاب هو السائد و العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة!!
الصعوبات
لا يخفى ان بعض دول مجلس التعاون توجه تحديات متعددة لتحقيق أهدافها التنموية وهي صعوبات ناتجة عن فجوة على مستوى معظم مؤشرات الاقتصاد المعرفي، وتكمن أهم التحديات أمام هذه الدول فى ﻤﺠلس التعاون ، هى كيفية الانتقال من اقتصاد تقليدي ( ريعي) ومجتع محافظ يعتمد على استخراج وتسويق النفط، الى الاعتماد على منظومة تقودها مؤشرات الاقتصاد المعرفي[20]، ومن هذه التحديات، على سبيل المثال، تنويع مصادر الدخل، وتحديث قواعد الإنتاج و القوانين المصاحبة له ، وإعادة هيكلة مختلف القطاعات الاقتصادية، ويترتب على ذلك إعداد جيد للموارد البشرية الوطنية، إلى جانب وضع ضوابط سليمة لاستقطاب عمالة وافدة تتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة، والمامول في المستقبل[21] ،والنظر في توطين تلك الكفائات لتوفير الامن الاجتماعي لهم .
إن المشكلة الرئيسية التي يواجهها متخذي القرار في بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تكمن في أربعة محاور أساسية، وهي:
اولا : انخفاض نسبة الإنفاق على البحث والتطوير في بعض دول اﻟﻤﺠلس، بالمقارنة مع الدول الأسيوية الصاعدة.
ثانيا : ضعف العلاقة بين قضايا التنمية والبنى التحتية التكنولوجية المتطورة على مستوى بعض دول اﻟﻤﺠلس.
ثالثا : تعتبر معظم دول اﻟﻤﺠلس مستهلكة لتكنولوجيا المعلومات وليست منتجة او موطّنة لها.
رابعا : ضعف الإبداع والابتكار في العمل في معظم إدارات التعليم العالي والمراكز البحثية الخليجية وتدني نسبي في جودة التعليم العام و حجم السكان الصغير نسبيا ( عدى السعودية).
وبالتالى من أجل الارتقاء والانتقال باقتصاديات الأقطار العربية عموماً ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الخليجي خصوصاً من الاقتصاديات الريعية نحو اقتصاديات المعرفة.
وجب التأكيد على تبني جملة من الاجراءات والقرارات التى تسمح لها بتشكيل كتلة اقتصادية وبشرية قادرة على أن تفرض موقعا تفاوضياً ايجابياً فيما لو اتحدت سياساتها ، لا سيما في مجال استيراد التقنية و توظيفها ، وتنظيم العمالة المحلية و العمالة الوافدة و استقرار بعض الشرئح المنتجة للتقنية من العمالة الاجنبية ،و تشجيع حقيقي للقطاع الخاص على الاسهام في تمويل مجالات البحث العلمي، فضلاً عن نشر تقنية المعلومات والاتصالات فيما بين دول المجلس و المشاركة في نتائج التجارب المختلفة ، والتوسع في الربط الالكتروني وتطبيقاتها المتمثلة بالحكومة الالكترونية، والأعمال الالكترونية في التعليم و الطبابة ، والتجارة الالكترونية، والتوسع و التطوير في خدمة الانترنت، بما يساهم في بناء القواعد المتينة لاقتصاد المعرف، كل ذلك يشكل التحدي الحقيقي لدول مجلس التعاون للولوج الناجح لمجتمع المعرفة المرجو،والذي هو اليوم يسيطر بشكل كبير على الاقتصاد الدولي..
[1] راكان السعودي ، مجلة القافلة ، العدد يناير \ فبراير 2018 ص 39
[2] World History, BBC, February \March 2018 , P 27
[3] دراسة مطولة في مجلة الايكونمست البريطانية ( 3_ 9 ) فبراير 2018 بعنوان ( انت طبيب نفسك) كيف يمكن للتقنية ان تحول جذريا العلاج الطبي .
[4] كتاب ( عبد الله على الشنبري : ماذا فعل بنا الانترنت ،من منشورات مدارك مارس 2014 يتناول هذا التاريخ من صفحة 239 وما بعدها بالتفصيل .
[5] تقرير التنمية الانسانية العربية ، برنامج الامم المتحدة الانمائي 2003
[6] التقرير السابق
[7] لا بد انه ارتفع اليوم وبعض التقاير تقدره 160 مليون مسنخدم 25% منهم دول مجلس التعاون .
[8] كما يشرح التقرير العربي الرابع للتمنية الثقافية لعام 2010 نشر في بيرون 2011 من المؤسسة
[9] المصدر السابق
[10] حسام سويد الفاش : مدير ادارة الاستشارات العالمية ، شركة اوراق الاستمثار / منقول من الشبكة العنكبوتية ( الانترنت)
[11] يمكن ان يكونوا مواطنيين او مقيمين !
[12] ولكنه ثلاثة مرات اكبر في كوريا الجنوبية رغم تقارب عدد السكان بين دول الخليج وكوريا الجنوبية!
[13] تعدد المملكة العربية السعودية الاولى بين الدول العربية في نشر الاوراق العلمية المحكمة
[14] 700 مليون الى مليار درهم سنويا
[15] في حين يقدر حجم الانفاق في جميع الدول العربية مجتمعة باقل من 5.31 سنويا
[16] في تقدير الكاتب ان هذا نقص في مهمة ( الامانة العام لمجلس التعاون) التي من المفروض ان يتوفر لها بنك معلومات دقيقة عن النشاطات المختلفة في دول المجلس .
[17] التهديد هنا ليس فقط سياسي على اهميته ،ولكن ايضا ترويج المخدرات ( المخدرات السيبرانية) و تبييض الاموال، و الدخول على حسابات البنوك ، و انتشار شبكات الدعارة، كلها من التهديدات التي تنبع من الاستخدام غير الرشيد للشبكة الالكترونية .
[18] انظر جريدة الاتحاد الاماراتية 20 ابريل 2018 ( الامارات تتقدم دول المنطقة في اصدار تشريعات لضمان الامن السيبراني)
[19] مقال الرميحي في الشرق الاوسط 7 ابريل 2018
[20] Martin Hvidt, Center for Mellemoststudies : Challenges to implementing “ Knowledge based economies” in the Gulf region, Sep. 2016
[21] معضلة التركيبة السكانية في دول مجلس التعاون لا زالت اشكالية، وهناك نقاش واسع حولها ومتعارض بين النخب في الخليج ،ولا زال هذا النقاش قئم و السياسات الناتجة عنها اثرت في المجتمع بشكلين سلبي وايجابي .