العولمة و الأبعاد العلمية و الثقافية لدور المرأة في الخليج

مساهمة من الدكتور محمد الرميحي الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب في الكويت، لمؤتمر المرأة الخليجية و الألفية الثالثة، الفرص و التحديات.

جمعية نهضة فتاة البحرين (7-8 مارس 2000)

   العولمة و الأبعاد العلمية و الثقافية لدور المرأة في الخليج [1]

مقدمة:

          ( في قفزته لللحاق بالمجتمعات المتقدمة، نظر مجتمع الخليج ألي نصفه الضعيف( المرأة) نظرة مزدوجة، فقد أتاح لها فرص محدودة في العلم و العمل، وكبلها في نفس الوقت بأغلال جديدة أخذت تناضل منذ مطلع الخمسينات من هذا القرن كي تتخلص منها)[2] كتبت هذا الكلام في وسط السبعينات، علي وجه التحديد قبل اكثر من ربع قرن، وهو قول لم أتبين علي وجه الدقة سبب الحيرة التي انتبتني، ألان اعرف بعضها، فموضوع المرأة في مجتمعاتنا هو جزء من البحث عن الهوية و تحديدها، وهي هوية لا زالت ضبابية غير محددة، زادتها سرعة التغير في مجتمعاتنا تشوشا.

 وقتها كنت قد تخرجت توا و بدأت التدريس في الجامعة، وكانت طالباتي بين أواخر عقدهم الثاني وبداية الثالث، يلبسون الملابس الغربية الحديثة، و اذكر انه في ذلك الوقت كان يدعي المبني جيب، وبعد عقد من السنين فقط، لبست الفتيات، وهم في نفس السن السابق ومن نفس البيئة الملابس الطويلة تحول ألي حجاب و ما لبث أن تحول ألي نقاب، إننا هنا أتحدث عن الشريحة الاجتماعية، وليس عن أشخاص بذاتهم.

 واحدة من المحجبات في ذلك الفصل البعيد في الجامعة دخلت معي في نقاش، فأسالتها عن فهمها جزء اجتماعي في الدين ،وهل المسلمون سواسية، قالت بحماس نعم، فأسالتها هل يمكن لها أن تتزوج من (وذكرت لها فئة اجتماعية) فقالت بشيء من الحدة لا طبعا فأنا من ………  ذلك ما اقصده اليوم بالهوية، و البحث عنها، هذا عن المرأة و الهوية

 أما العولمة فمن ضمن أهم الندوات التي عقدت مؤخرا لمناقشة ظاهرة العولمة وتداعياتها فيما خص العرب ندوة ( العرب و العولمة) يشير محمد الأنصاري ألي انه ( أيا كانت الاستنتاجات و الرؤى بشان ظاهرة العولمة علي الصعيد الدولي، من جوانبها المختلفة، فان ما ينبقي أن يستحوذ علي اهتمامنا الفكري ..هو تأثير الظاهرة ليس في السطح السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي العربي، إنما في شبكة العلاقات الاجتماعية التقليدية في القاع السوسيولوجي العربي..)[3]

وهي ملاحظة جديرة بالاهتمام و خاصة أن لها علاقة بموضوعنا المطروح( المرأة و العولمة) وخاصة المرأة في الخليج،فلألفية الثالثة تحمل لنا كعرب بشكل عام و كعرب في منطقة الخليج بشكل خاص تحديات هي نتاج التقدم التقني والفني في الربع الأخير من القرن العشرين الفائت، فما عرف بالعولمة هو النتاج الكلي الذي يمكن أن يؤثر في علاقات المجتمعات المختلفة نتيجة سرعة نقل المعلومات وانتقال الأفكار والأشخاص، وتداخل المصالح المحلية و الدولية،ولكن المصطلح هو في الأساس اقتصادي ومن ثم سياسي، تابع أو نابع من ما سمي ب( النظام الاقتصادي العالمي الجديد)[4]، فالعولمة و الأمر كذلك لها محتوى أساسه الاقتصاد، أما ما جاوره فهو سياسة وثقافة[5].

و العولمة ليست ظاهرة جديدة كفكرة ، ويتحدث البعض عن ( عولمة أولى ) و (عولمة ثانية)[6] فقد وجدت منذ وجد الاتصال الإنساني،ولكن ما يجعلها ملاحظة في الهزيع الأخير من القرن العشرين وفجر القرن الواحد و العشرين، هو سرعتها وتأثيرها علي الكثير من مظاهر النشاط الإنساني، خاصة الاقتصادي و المعلوماتي،ومع ظهور و انتشار الاقتصاد الإلكتروني ونمو الشركات دولية النشاط، و الاتصال الإلكتروني( ثورة الاتصالات) ظهرت فكرة العولمة في المجال الثقافي وتداولت بكثرة.

من أحد خصائص ( العولمة) أنها لا تتصف بصفة محددة وقاطعة، فقد وصفها جلال أمين بأننا العرب نتعرف علي ظاهرة العولمة مثل ما يصف مجموعة من العميان الفيل( كل يصفه حيث يلمسه)[7]

ينظر البعض ألي العولمة بأنها ( سيادة الثقافة الأمريكية وهيمنتها على شتى صور الحياة و السلوك الإنساني في جميع أنحاء العالم)[8]، وينظر البعض الآخر أنها ( قدر لا يد منه) وفيها قدر من التدخل السياسي في الشان الخاص للدول من قبل الدول الكبرى، خاصة بعد تجارب تيمور الشرقية وكوسوفو.

في تصوري أن العولمة هي استمرار الرياح الغربية اللبرالية التي ما فتئت تهب علي العالم الثالث ومنه منطقتنا الثقافية ( العرب) ومنطقتنا الإقليمية( الخليج) تزداد سرعة و كثافة وتأتى بأمطار و لكن ليس بالضرورة أن هذه الأمطار مفيدة للاستنبات أو نستطيع أن نستفيد منها علي الوجه الأفضل، كما انه ليس من الضرورة أن تُخلف الحَسن و الجميل في نتائجها كما خلفته في أماكن أخرى، ولكن تبقي الحقيقة أنها هنا ومؤثرة، خاصة بعد سقوط النظرية الشمولية في الاقتصاد، في الفترة بين عام 1950 و 1971 تحولت الدول التي يقطن بها حوالي 33% من سكان العالم من نظام اقتصاد السوق ألي نظام التخطيط المركزي، لتعود مرة أخرى منذ التسعينات الماضية ألي حظيرة اقتصاد السوق، في ضوء قناعة تكاد تكون ثابتة أن نظام السوق الحر هو النظام الاقتصادي الذي يمكنه تحقيق نمو طويل الأجل في مستوى المعيشة للناس، ويحمل معه أيضا قيم التنافس و الشفافية و الحريات الفردية.

لن نحقق شيا من حسنات العولمة أن كانت حسناتها اكثر ( طبعا لها سلبيات) ومن بعضها المشاركة السياسية و حقوق الإنسان، و الشفافية، والسوق العالمي، وحقوق المرأة، والتعددية ألي آخر عناوين العولمة، أن لم نحقق تغيرا في الموقف الثقافي العام في مجتمعاتنا و خاصة( وهذا  هو الموضوع المطروح) قضايا و أوضاع المرأة.

أحد عناصر العولمة التي لها علاقة بالوضع الاجتماعي وتقع في دائرة البحث هي النزعة اللبرالية الاجتماعية و السياسية التي تحملها العولمة لتسهيل مهماتها الأخرى، فدراسة تأثير العولمة علي أحوال المرأة هو من قبيل دراسة العامل المتحول وارتباطه بالعامل المستقل، فالسياسة و الاجتماع شريك فاعل في التأثير على سلوك الفرد والمجتمع، فالنزوع ألي الحرية ضد القهر و المساواة ضد التفرقة، وسيادة القانون بدلا من احتضان الأعراف هو ما تسعي لتحقيقه العولمة، و ينعكس في  تفعيل دور المرأة في الإدارة و الاقتصاد، وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني من جانب، و تقليل دور الدولة و المؤسسات التقليدية في وضع نظم ومحرمات خاصة بالمجتمع، لان المجتمع لم يعد معزولا أو قابل للعزل في ظل العولمة الجارف.

أن العلاقة بين العولمة و بين واقع المرأة العربية هي أن قبلنا التهكم كالعلاقة بين شجرة الزيتون و السيارة لكزس التي احتلت عنوان كتاب انتشر أخيرا للكاتب الصحفي الأمريكي توماس فردمان[9]، ففي الوقت الذي تضرب نتائج العولمة البني الاقتصادية والثقافية  لا تؤثر العولمة كثيرا في النظرة ألي المرأة في المجتمعات التي نعيش فيها، حيث القوالب الاجتماعية و التراثية تقوم بعملية تعويق للتفاعل الحر غير المقيد.

العولمة و المرأة: من المنظور العام ألي المنظور الخاص

 لقياس المتغيرات النسبية التي تأتى بها العولمة وتؤثر علي وضع المرأة في الخليج ( علي غموض مفهوم العولمة و الاختلاف على توصيفه وحساب نتائجه) فالعولمة تبدو لنا كسيف ذو حدين، فهي أداة لتحقيق نمو اقتصادي، ونشر التقنية الجديدة، ولكنها أيضا عملية مثيرة للجدل باعتبارها تتعدى على السيادة الوطنية،وتعمل على تآكل التقاليد والثقافة المحلية، وتهدد الاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي[10]، وقد تنتج العولمة تآكل بعض جوانب الثقافة التقليدية، ومنها دور المرأة في الخليج، وهنا نتحول من العام ألي الخاص، إذ أن العولمة، في هذا الإطار تقدم لمجتمع الخليج و المرأة فيه دافعا لمغادرة بعض الممارسات التي قيدت حركتها في التنمية الاجتماعية من جهة وتضيف عليها قيود من جهة أخرى.

                     من هنا يجب أن نوجه البحث ألي أربع قضيا رئيسة لسبر غور الأبعاد العلمية و الثقافية للعولمة علي وضع المرأة في الخليج

1-الإطار الثقافي العام عند النظر للمرأة في المجتمع

 

2-الوضع القانوني

 

3-تعليم وعمل المرأة

 

4-الاستقلال المادي للمرأة في الخليج ، وتأثيره الاجتماعي

هذه العوامل الأربعة ليست بالضرورة متعاقبة ولكنها متداخلة، ويغذي بعضها الآخر، ولا يعني تحقق بعضها فقط  في المساهمة بتحرر المرأة،أن ذلك يعني أن تحق المرأة في الخليج إيجابيات العولمة بشكل تلقائي، كما لا يعني أن تتحمل سلبيات العولمة أيضا،ولكنها مؤشرات أريد أن استخدمها كمؤشرات دلالية.

-الإطار الثقافي :الثقافة السائدة:

          الثقافة السائدة هي بيت القصيد وهي حجر الزاوية التي نرى ضرورة الانطلاق منها في مناقشة المشروعات الحضارية، لان الذي لا ينطلق من الثقافة السائدة ( الواقع) [11]إنما يظل عائما في المطلق و العام، طوال القرن الفائت وتاريخ الأفكار في الساحة العربية ينقل لنا حقيقة أن الواقع الفكري العربي يرفض الأفكار الجديدة ويقاومها، وكم هو مؤلم أن نرى أن بعض فكرنا العربي يدور في حلقة مفرغة لان المجتمع يقاوم استيعاب الجديد وهضمه، منذ قاسم أمين ألي فؤاد زكريا ألي محمد الغزالي ( لتسمية البعض منهم فقط) مرورا بمحمد عبده وطه حسين وشكيب ارسلان و انتهاء بعبد العزيز الرشيد ويوسف بن عيس القناعي و عبد الله الزايد لتسمية البعض في الخليج، وسلسلة من غيرهم من الدعاة الفكريين، يكاد المرء يلحظ أن الأفكار المتداولة تعود للتداول من جديد، خاصة في موضوع المرأة.

التفرقة ضد النساء، ممارسة مغروسة في الثقافة العامة لقطاعات واسعة من مجتمعات الخليج، وهي تفرقة نابعة من الأعراف و التقاليد وبعض التفسيرات التراثية، فقد واجه المرأة في الخليج صعوبات شتى في التعليم و العمل و الخروج من المنزل أو اختيار الشريك، ولا زالت تواجه الكثير من عدم المساواة في الحقوق و الواجبات القانونية أو العرفية، والمؤسف أن وعي المرأة بذاتها و بحقوقها لا تقف أمامه فقط جبهة بعض الرجال، بل بعض النساء أيضا، فهناك قطاع منهن لأسباب عديدة تراثية وتعليمية و اجتماعية يحبذن ما هن عليه من واقع، و يقاومن أي تغيير مراد[12]

ولعل من نافلة القول أن المصلح يوسف بن عيس يذكر في كتاباته كيف مر رجل علي بيت جاره فطرق الباب محتجا، لان نافذة المطبخ العليا واسعة بعض الشيء و أصوات النساء تتسرب منها للمارة في الخارج مع الدخان، فأصوات النساء عورة، وهو الذي نقل لنا التفاخر (بصون المرأة) بقوله أن النساء لا تخرج من بيوتها إلا مرتين في حياتها الأولى حين تتزوج فتذهب ألي بيت الزوجية و الثاني عند ما يتوفاها الله ، فتخرج جثتها ألي المقبرة، وعندما يشير الرجل ألي أهله يبدأ بكلمة ( كرمك الله) وكأنه يزمع أن يذكر سوء!

 أما الطبيب جون ماليري[13] الذي يصف لنا في النصف الأول من القرن الماضي الحالة الاجتماعية في بعض بلدان الخليج، فيقص قصة الفتاة التي سجنها أهلها في حجرة ضيقة ألي أن ماتت!،وهناك الكثير من القصص في تاريخنا الاجتماعي و الثقافي خلفت لنا نظرة المجتمع ألي المرأة، علي أنها بالتعبير الحديث مواطن من الدرجة الثانية، تقبل بما يفرضه الرجل دون سؤال أو احتجاج، كما تري لنا ما تركه بعض الكتاب و من عاشوا بيننا في سنوات القرن العشرين عسرة دخول المرأة ألي التعليم و العمل، وقد خيضت معارك اجتماعية كثيرة بين الإصلاحيين و التقليديين بهذا الخصوص.

و لم تقم المرأة في الخليج بالدخول في بيئة العمل العام المنظم إلا في الثلث الأخير من القرن العشرين الفائت، وكانت الدفعات الأولى من الفتيات العاملات في الكويت مثلا في بداية الستينات توفر لهم الإدارة الحكومية وسيلة مواصلات( سيارة) من العمل ألي البيت و بالعكس، ومعهم مرافقة أيضا ( فراشة)

وعند النظر في ما نقوم بتدريسه للأبناء في المدارس نجد أن الإشارة ألي أعمال الفتيات في القصص المدرسية و الكتب المقررة هي أعمال خاصة بالمنزل و العناية بالزوج و الأسرة، بينما الإشارة ألي أعمال الرجل تقوم علي عمله خارج البيت قيامه بأعمال الإشراف على الأسرة، وهو تكريس لدور تقليدي للمرأة و الرجل نغرسه في أذهان الجيل الجديد، بل نطلب من مؤسساتنا التربوية أن تعزل تعليم النساء عن الرجال و بقوانين أن لزم الأمر!

ولو قرأت عليكم نصا في ما يجب أن تقوم به المرأة من واجبات لاختلفنا علي نسبته في عقد من السنين الماضية قد كتب ويقول النص (القول الجامع في آداب المرأة أن تكون قاعدة في قعر بيتها، لازمة لمغزلها، لا يكثر صعودها و اطلاعها، قليلة الكلام لجيرانها، لا تدخل عليهم إلا في حال يتوجب الدخول، تحفظ بعلها في غيبته و حضرته، وتطلب مسرته في جميع أمورها، لا تخونه في نفسها مالها، لا تخرج من بيتها إلا بأذنه، فان خرجت فمتخفية في هيئة رثة، تطلب المواضع الخالية دون الشوارع و الأسواق، حذرة أن يسمع غريب صوتها أو ليعرفها بشخصها .. قصيرة اللسان عند سب الأولاد ومراجعة الزوج)[14] ألي آخر النص،

 أنها سلوكيات زوجة سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ

هذا النص لابو حامد الغزالي المتوفى سنة 1111 ميلادية، أي قبل ثمانية قرون تقريبا، ولكنه نص يمكن اعتباره أن لم يكن كله فجله معاصر أيضا!

أمام هذه الأفكار الاجتماعية الراسخة كيف يمكن للعولمة بمعناها الشامل أن تقدم غير الفكر و ربما بعض الضغوط المعنوية لتغير الواقع الذي تعيشه المرأة في الخليج.

الوضع القانوني:

الوضع القانوني للمرأة في المجتمع العربي في الخليج لم يتبلور بعد،بل هناك تناقض حتى بين المكتوب و الممارس، ورغم صدور الدساتير الحديثة ،و التي نصت المساواة بين المواطنين،و على حماية المرأة و الطفل و الأسرة، ولكن لم يتبلور الكثير من تلك النصوص في تشريعات حاسمة لأنصاف المرأة.

 فعلي سبيل المثال نصت المادة التاسعة من الدستور الكويتي أن ( الأسرة أساس المجتمع،قوامها الدين و الأخلاق، وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها و يقوى أواصرها ويحمي في ظلها الأمومة و الطفولة) كما نصت المادة العاشرة علي أن ( الدولة ترعى النشء وتحميه من الاستقلال وتقيه من الإهمال الأدبي و الجسماني و الروحي) وجرت الدساتير التي سنة المؤقتة أو الدائمة منذ الاستقلال دول الخليج سيرة الدستور الكويتي، وان لم يكن بالنص فبالروح العامة للمواد[15]، وفقط الكويت أصدرت قانون للأحوال الشخصية، والبحرين أصدرت قانون للأحداث ( جزء من الأسرة).

ورغم أن القوانين في الخليج قد شهدت تطور بسبب التغير الحادث في المجتمع، فسنت تشريعات في المجالات الاقتصادية و المدنية تناسب مع التطور نسبيا،و رغم خضوع الأسرة في الخليج لنوع من أنواع التطور في الحجم و في الدور وتغير علاقاتها مع الجوار الاجتماعي، إلا أن قوانين الأحوال الشخصية لم تصدر في معظم هذه البلدان أو هي صدرت لتقنن الأعراف القائمة ( كما في الكويت)[16]،وفي مجمل الوضع القانوني للمرأة في الخليج فجوات ملحوظة ،مثل عدم قانونية الزواج أن لم يوافق عليه ولي الأمر، وفي بعض الممارسات يمكن أبطاله، وتقنين تعدد الزوجات، وجواز زواج الصغار،و إلزام الزوجة بالطاعة.

وتكتب خبيرة قانونية في آخر دراستها ما يلي (في الوقت الحاضر و بعد ألف عام ننقل من هؤلاء الفقهاء آرائهم و تطبيقها على العلاقات الأسرية في هذا الوقت بغض النظر عن مدى ملاءمتها و اتفاقها مع المتغيرات ألي أصابت ( حدثت) في المجتمع… لقد ساهم في الاستمرار بالعمل بمثل هذه الأنظمة جهل الأفراد بحقوقهم الشرعية و عدم إلمامهم بأحكامها)[17]

ليس المطلوب هنا مناقشة حقوق المرأة القانونية في تراثنا الإسلامي، من تمكنها من التملك و الاحتفاظ بمالها بعيدا عن زوجها أو( ولي أمرها)!،[18] ولكن المطلوب هو فهم العلاقة الطردية بين ( استقلالها ألمادي و استقلالها الشخصي) أي قدرتها علي الانفراد باتخاذ قرارات خاصة بها بعيدا عن الضغوط المادي، في المجتمعات الغربية، هذه الخاصية ( الاستقلال) المادي هو طريق يودي في النهاية ألي استقلال تام للمرأة في تلك المجتمعات، في مجتمعاتنا قد يؤدي ألي استقالا نسبي في بعض شأنها،ولكنه دون تضافر العناصر الأخرى( خاصة القانوني و الثقافي) ليس بالضرورة انه يؤدي ألي استقلالية كاملة أو شبه كاملة.

          في مجتمعاتنا هناك حضر اجتماعي على ( حريات أساسية للمرأة) تكاد تفقدها حقوقها الإنسانية، فهناك نقاش دائر بين ( سلفية الزمان) و( سلفية المكان) فالإسلاميون و التقليديون وهم تيار واسع ومؤثر في معظم المجتمعات العربية،يتهمهم مخالفوهم في موضوع المرأة ( وموضوعات اجتماعية أخرى) يتهمونهم بسلفية الزمان،وبأنهم لم يبرحوا ممارسات كانت سائدة في زمن غير زمانهم بالنسبة للمرأة، أما هم ( الإسلاميون بمختلف اجتهاداتهم و التقليديون أيضا) فان التهمة المضادة لمعارضيهم هي ( سلفية المكان) هي التهمة التي تساق للمعارضين بالاوانهم المختلفة، ويفسر ذلك أن ما يطالب به هؤلاء تجاه المرأة ( خروج ألي العصر) هو ولوج قسري لمجتمعات لها ثقافة مختلفة، دون الالتفات ألي (العرف و الفضل)[19]، ويبدو أن الأخير ، العرف و الفضل قبل الشريعة، هو الحاكم في مفاصل المجتمع، فهكذا تبدو المعركة لأنصاف النساء جزئيا في مصر عن طريق إصدار قانون يبيح لهن الانفصال عن الزوج ( الخلع) وهو مأخوذ من الشريعة الإسلامية و مستند ألي نصوص قرآنية[20] ،و يحقق للمرأة السفر المقرر في الدستور المصري ( مادة41) دون عقبات، يقف العرف معارضا شديدا لمثل هذه الحقوق، كما يبدو في الجهاز التشريعي المصري.

          وستظل وجهتي النظر هاتين متزامنتان في المجتمع العربي في الخليج، وتعبر عن واقع موضوعي لا يمكن تجاوزه في وقت قصير،وجهة نظر تستظل بما تفهمه من النصوص الشرعية أو ما تفسره، ووجهة نظر أخرى ترى الواقع المعاصر و تتكيف معه.

          وفي رسالة مفتوحة لكاتبة سعودية لمجلس الشورى السعودي تناقش مبكرا نوره عبد العزيز الخرجي[21] حول قضية اصطحاب المرأة (لمحَرم) عند سفرها هل هو ضرورة دائمة، فتقول ( صرختي هذه المرة لمجلس الشورى حول بعض القوانين التي لأشراف الرجال على النساء و التي في نظري تحتاج ألي إعادة نظر، النظام في الإسلام-في فهمي- أن المرأة التي تحتاج ألي أشراف عائلي عند الزواج لا بد أن يؤخذ في الحسبان نضجها وحسن فطنتها فان كانت كذلك تستطيع أن تزوج نفسها، وفقط مدرسة فقهية واحدة من مدارس الفقه هي التي تأخذ بالقول أن المرأة لا تستطيع بالمطلق الحكم بتوازن في المسائل، وعندما تسافر المرأة، فان موضوع المحرم ( أما الزوج أو شخص آخر يحرم الزاج منه)، فحسب المتبع في بلادنا يحق للمرأة أن تسافر ما دام لديها تفويض ( تصريح) من أهلها، هذا لا يعني أن المحرم يمكن أن يقال عنه ( وصي) ففي بعض الأوقات نري صبيا عمره خمسة عشر عاما يعامل كوصي علي والدته في السفر و عمرها أربعون عاما، بالنسبة للإسلام فأنها هي التي تكون وصية عليه لصغر سنه لا العكس.

          وتذهب نوره لنقد نظام ( المحرم) فتقول أن هذا التقليد لم نره إلا منذ عشرين سنة‍‍‍‍ في بلادنا‍![22] وتضيف أنها ليست ضد منع الزوجات و البنات من السفر دون موافقة الزوج أو الأب، هذا إذا كانت وحيدة أو بصحبة أبنائها الصغار ، ولكن أن تعطي هذه السلطة للابن أو الأخ أو العم و الخال بان يكون له سلطة تقرير ما إذا كانت تسافر أم لا، فذلك هو الذي أعارضه، لان أحدهما قد يتعنت و يمنع السفر حتى في حالة الضرورة.

وقد يتعدى الحرمان القانوني للمرأة في مجتمعاتنا الأحوال الشخصية ألي الجنائية في إباحة ( عنف) قانوني ضدها في مثل القوانين التي تنظم ما يسمي ب( جرائم الشرف)و التي تنصف علي العذر المخفف لمثل الجرائم التي ترتكب ضد المرأة[23]

          نرى هنا أن هناك رأي نسائي يريد تحديث نظام حرية المرأة في السفر و التنقل، لا إلقائه، لأنه عرف ضارب في جذور المجتمع، ومهما كانت الاستقلالية المالية الشكلية لمثل هؤلاء النساء، فلن يجدي أن يحصلوا علي استقلالية كاملة في شؤونهم الخاصة أو العامة.

          عدم المساواة القانونية يظهر في أن تعتبر الزوجة الأجنبية للرجل في الخليج مواطنة بعد فترة من الزمن، ويحرم زوج الخليجية( وآباؤها) من المواطنة، أو أن تحرم المواطنة المتزوجة من غير مواطن من بعض حقوق المواطنة ( مثل التمتع بالسكن الحكومي)

تعليم وعمل المرأة:

بدا تعليم المرأة في الخليج بشكل رسمي و منظم في أوقات مختلفة من القرن العشرين، بعد انقضاء الثلث الأول منه في البحرين و الكويت، وفي الثلث الأخير في دولة الامارت و عمان، وبقية البلدان العربية في الخليج بين هذين التاريخيين، ولم يكن دخول المرأة في سلك التعليم هينا وبسيطا، فقد قاومته قوى اجتماعية عديدة لأسباب مختلفة، كما أن بعض فئات المجتمع لم تقبل عليه جميعا مرة واحدة، ففي بلاد الخليج دخلت المرأة سلك التعليم في بعض المناطق الحضرية أبكر منه من مناطق ريفية أو من البادية،وفي العواصم عنها في المناطق الأخرى.

و استمر التعليم لفترة طويلة ما دون الجامعي، وخرجت د\فعات من الفتيات للتعليم الجامعي لخارج الإقليم في أواخر العقد الخامس من القرن الماضي، ولو لم تتوفر جامعة تقبل الفتيات في الستينات في بلد مثل الكويت، لحرم رجال و نساء كثيرون من هذا الجيل من التعليم الجامعي.

ولكن التعليم كان أداة من الأدوات الفاعلة التي راكمت على مر الزمن وعي رجالي و نسائي بدور المرأة، كما أعطت المرأة شئ من الحرية المجتمعية نتيجة ما حصلت علية من ( قوة)  جاءت من التعليم وبالتالي الاستقلالية المادية عندما التحقت بالوظيفة.

ولكن تعليم المرأة في الخليج انتابه ما انتاب تعليم الرجل من ضعف، أضاف عليه النسبة المتواضعة في التعليم من حيث الكم للمرأة، ففي الإحصائيات الكويتية كان هناك 45% من النساء فوق الخامسة عشر من لعمر أميات، تدنت هذه النسبة في 1993 ألي 21% تقريبا، وهو رقم ملفت للنظر في التراجع، ولكنه لا زال كبيرا، أخذا بتاريخ التعليم في الكويت، وهو أمر نجد له الذي صدي في حجم العمالة النسائية في القطاعات المختلفة.

لقد كانت نسبة النساء في أجمالي قوة العمل في الكويت سنة 1980 هي حوالي 13%، أما نسبة الكويتيات منهن فلم تتجاوز 3%[24]،ارتفعت في سنة 1995 ألي حوالي 22% كانت نسبة الكويتيات منهن حوالي5و5%.

علينا أن تذكر أن ارتفاع نسبة الوافدات في قوة العمل مصدره العدد الكبير من خادمات المنازل، كما تشير الإحصائيات الكويتية ألي تقاعد مبكر بين الكويتيات العاملات، نتيجة أن قانون التقاعد يسمح بذلك،[25] كما أن معدل المساهمة في النشاط الاقتصادي يرتفع بين المطلقات و المتزوجات، ويقل بين الأرامل وآلائي لم يتزوجن بعد، كما تدل الإحصائيات على أن نسبة عظمي من العملات الكويتيات تعمل في القطاع العام ( الحكومة)( حوالي 95%)[26]، وتتركز العمالة النسائية في مهن التدريس و المهن الوظيفية الأخرى، كما أن اكثر ثلثي هذه العمالة من المؤهلات المتوسطة فاقل.

في الإمارات العربية المتحدة مثلا[27] بعد أعطى التعليم بعض نتائجه فهي تشكل حوالي 40% من مجموع العمالة في القطاع الحكومي[28]،وفي بعض المهن التقليدية للمرأة هناك نسبة اكبر من الأشغال النسائي، ففي مدارس الحضانة هناك تشغل النساء كمدرسات في هذه المدارس نسبة أل 100 %،و 55% من المدرسات في المدارس الابتدائية، و في المدارس المتوسطة هناك 65% من قوة التدريس من النساء، و تلعب المرأة دورا في القطاع الصحي، واحد من كل ثلاثة من الأطباء و الصيادلة و الفنيين هم من النساء، كما تشكل النساء 81% من هيئة التمريض[29].

 انخراط المرأة الإماراتية في سوق العمل له علاقة بالتاريخ الاجتماعي لهذه المجتمعات و التي كانت في الغالب منفتحة على الآخر،في المجتمع التقليدي في الإمارات لم تبقي المرأة في المنزل، النساء في الجبال و الواحات و الموانئ لعبوا دورا مساعدا ونشيطا في الاقتصاد التقليدي الزراعي و الرعوي، ومثلها في بقية مناطق الخليج فان المرأة الإماراتية اعتنت –في غياب الرجال- بالأسرة و البيت و الأطفال.

 كما ساعدت سياسات الدولة الحديثة المصمصة علي تشجيع يد عاملة اكبر من النساء الدخول في سوق العمل، وتلعب وسائل الأعلام الإماراتية دورا بارزا في هذا التشجيع، مما يشجع فتيات اكثر للدخول في سلك التعليم الجامعي و بالتالي ألي سوق العمل، وتناول برامج مخصصة للمرأة التثقيف العام بهذا الاتجاه  كما تلعب الصحافة دورا مؤزرا، وقد تزايدت نسبة النساء العاملات في وسائل الأعلام في دولة الإمارات بين سنوات 1980 و 1994 ألي الضعف، بجانب أن المرأة الإماراتية قد سبقت بعض أقرانها في الخليج في العمل في جهاز الشرطة، كما أنه باستطاعتها ألان أن تلتحق بالقوات المسلحة[30].

في هذا المثال المتقدم لا زالت المرأة في الإمارات رغم حصولها علي حرية اقتصادية نسبية و مجال واسع للعمل، بسبب صغر القاعدة السكانية و الوفرة المالية النسبية، إلا أن المعوقات الاجتماعية التي تواجه زميلتها في الخليج تواجهها أيضا، وهي قيود اجتماعية تراثية، تعوق من انطلاقها، فهناك بعض المقاومة لعمل المرأة في الإمارات من بعض الأوساط الاجتماعية، بعض الرجال مثلا يعارضوا أن تعمل المرأة بالإطلاق، ففي صيف سنة 1995 قررت الدولة أن تشجع كل من يريد أن يعمل بتسجيل الطلبات لدي دوائر وزارة الداخلية بين أل 15594 طلب كان هناك 61% -9589 من الطلبات الخاصة بالنساء، يتراوح أعمارهن بين ال18 عاما و ال60 عاما، حوالي 12% منهن يحملن درجة جامعية من نوع ما،وقد وعدت الدولة أن تجد لهم عملا.

هذه الأرقام في وسط العقد الأخير من القرن الماضي ( يبدو وكان العبارة تحمل رنين فترة زمنية سابقة!) تدل على أن الإقبال علي العمل من النساء في دولة الإمارات هو إقبال كبير، وله علاقة أيضا بالتوق للوصول ألي الاستقلالية الاقتصادية و الاجتماعية، كما أن المراقب يجد أن هناك عمل للنساء خارج القطاع العام و الخاص، بمعني الأعمال ذات المردود الاقتصادي المعتمد علي العمل اليدوي و الحرفي، وفي أسواق الامارت تلاحظ من هؤلاء النسوة الكثير، اللذين افترشوا بعض ( البسطات) لبيع سلع صغيرة، وهو مظهر تجده في أسواق مدن الخليج.

الصورة تكاد تتشابه مع بعض الاختلاف في التوجهات العامة لتعليم المرأة و عملها في دول الخليج، مع إضافات للطابع المحلي، ولكن المهم أن نستنتج أن مساهمة المرة في العليم و في قوة العمل لا زال أمامها طريق ليس بالقصير ولا السهل.

الاستقلال المادي:

                    في بلاد عديدة من الخليج العربي خطت المرأة في سوق العمل خطوات كبيرة، ودخلت تقريبا في الكثير من مجالات العمل خاصة في الثلث الأخير من القرن العشرين بعد أن تهيئ لها العلم و التدريب،ولقد انحصر عمل المرأة في الغالب في مهن محددة كقطاع الصحة و التدريس و العمل المكتبي.

استقلال المرأة المادي يعني في بعض منه حصولها علي دخل، وفي الغالب بعني هذا دخولها ألي سوق العمل،ورغم التحسن الكبير الذي طرأ في الربع الأخير من القرن العشرين علي فرص المرأة في الخليج للدخول في سوق العمل فان المضايقات الأخرى التي تحد من استكمال استقلالها لا زالت قائمة.

إلا أن البحث عن استقلال اقتصادي للمرأة يواجه  في دول الخليج – بدراجات مختلفة- بأشكال من المقاومة عديدة، فهناك ظاهرة المضايقة -Harassment – المنتشرة في مجتمعات الخليج ضد النساء في مواقع العمل أو في الإمكان العامة، و التي تأخذ شكل المضايقة الشخصية أو العامة، وتنكر المظاهر من هذا النوع المزعج، ولا تجد اغلب النساء القدرة أو الفرصة للشكوى أو حتى المقاومة، يتحدث مقال[31]في جريدة عرب نيوز فيحكي الآتي ( رجل كان مع زوجته يتسوق في أحد أسواق جدة الكبيرة،وتركها لبضع دقائق فقط، فجاء أحد الشباب ووضع قصاصة ورق بها رقم تلفونه في حقيبة يدها دون أن تنتبه، وقد اكتشفت الورقة بعد ذلك عند وصول الزوجين للبيت، وفي مظاهر أخرى يتجمع بعض الشباب لمضايقة سيدة أو فتاة باتباع مسارها بالسيارة أن كانت تقود السيارة، وقد حدث بعض الحوادث المفجعة نتيجة مثل هذه المضايقات، غير أن الأمر بدا أيضا في أماكن العمل، وعلاقة الرؤساء بالمرءوسين من الجنس الآخر، مثل هذا المضايقات تعني أولا النظرة الدونية من قبل الرجل للمرأة و تعني أيضا أن تتحمل المرأة عبا آخر غير عبئ الخروج للعمل، قامت الإمارات العربية المتحدة باتخاذ خطوات فعالة لضبط الأمر عن طريق نشر صور الشباب المدمنين على مثل هذه الأفعال في الجرايد المحلية، مما يعنى أن الظاهرة جدية.

وضع المرأة في الخليج في الظروف الاقتصادية الجديدة (العولمة):

 لقد جاءت العولمة الأولى ،وهي اكتشاف النفط ومروده المادي، وتأثيراته في التغير الاجتماعي بآثار إيجابية من جهة وبآثار سلبية من جهة أخرى خاصة على المرأة في الخليج، فعصر النفط افرز من السلبيات للمرأة ما هو مشاهد، من ارتفاع في نسبة العنوسة، بسبب تناقض القيم الجديدة مع القيم القديمة، و شهد أيضا ارتفاع في نسبة الطلاق، خاصة بين الجيل النفطي الثاني، عدي تفشي المظاهر الاستهلاكية وما سببته من تصدع في الأسرة الخليجية، منها انتشار تعاطي المخدرات وغيرها من ممارسات سهلتها بيئة العولمة الأولى على المنطقة.

أما العولمة الثانية التي بسطنا بعضا وصفها فأنها من المحتمل أن تقود ألي مظاهر عديدة تبدوا فيها المنجزات حجر عثرة، وهي قاعدة متناقضة تتضح مظاهرها في بعض الظواهر المتوقعة:

 منها:

تشريعات العمل المنصفة للمرأة قد تقلل من فرص دخولها للقطاع الخاص

          قد يفرض الوضع الاقتصادي الجديد في الخليج بسبب السياسات المالية التي تتبني الانكماش والمتجهة ألي الترشيد، والتي تبشر بانقضاء (دولة الرفاه) انعكاسات سلبية على وضع المرأة، فهناك ألان في كل الدول الخليجية فائض عمالة من المواطنين، وتحولت العمالة المقنعة ألي عمالة سافرة في أوساط الشباب و الخرجين، وقد تدفع المرأة في ظل  توجه اجتماعي محافظ أن تدفع ثمن هذا الوضع الاقتصادي بتقليص الفرص المتاحة لها في العمل، وقد يتخذ المجتمع موقفا معاديا لعمل المرأة، لإتاحة فرص افضل للرجل، ويقدم هذا التوجه تحت عباءة شعارات تراثية أو تقليدية.

من جانب آخر فان تخلي الدولة عن ضمان العمل للمواطنين، بسبب السياسيات الجديدة، أن يبحثوا عن فرص عمل لدي القطاع الخاص، الأمر الذي سوف تشكل القوانين القائمة لحماية المرأة( قوانين الحمل و الرضاعة، التقاعد المبكر ألي آخره من القوانين) أن تؤدي أليس تقليل فرص المرأة الخليجية في العمل لدي القطاع الخاص

الدستور يسمح و المجتمع يمنع:

هناك سؤال مطروح مفاده هو هل لو حصلت المرأة على حقوقها السياسية، كما تريد العولمة أن تحققه، تستطيع أن الاستفادة منها لدفع موقعها في المجتمع ألي الأمام و الحصول على موقع افضل اجتماعيا واقتصاديا و تشريعيا؟

الإجابات تتراوح هنا بين نعم ولا.

 ففي التجربة العربية تقف علامتان بارزتان في هذا الموضوع، الأولى أن المرأة العربية حصلت على حقوقها السياسية في معظم البلاد العربية نتيجة تغير جذري تم في المجتمع، فقد حصلت المرأة المصرية على حقوقها السياسية بعد (ثورة) كذلك في اليمن، و الجزائر، وسوريا و العراق و الكثر من البلدان العربية، لم تحصل المرأة العربية  على حقوقها السياسية إلا في بلدان قليلة نتيجة تطور سياسي سلمي، ربما في لبنان و في الأردن، وكل له ظروفه الخاصة، فالذي تم في الكويت ( وهي البلد الخليجي الذي يمارس ديمقراطية دستورية) وقفت قوى منتخبة ضد حصول المرأة على حقوقها السياسية!

وأما العلامة الثانية، فان المرأة التي ساهمت في المجالس المنتخبة العربية لم تستطع أن تقدم تشريعات لمساعدة وضع المرأة و حصولها على حقوق متساوية، ففي بلاد مثل مصر و لبنان لا زالت تشريعات عديدة تغمط المرأة بعض حقوقها، في لبنان مثلا لازال هناك تفرقة بين ما يحصل عليه الرجل و المرأة من عملهم و أن كان متطابقا![32] ، كما أن تمثل المرأة في البرلمانات العربية هو تمثل يكاد يكون هامشي، فهو لا يتجاوز بين 2، 3% من عدد الأعضاء في معظم برلمانات العرب،وذلك لأسباب اجتماعية، حيث تأنف المرأة التصويت لامرأة مثلها إلا فيما ندر، وأيضا وهؤلاء الأعضاء من السيدات آلائي يصلن ألي النيابة، أما يصلن أليها لأسباب عائلية ( في لبنان يموت الزوج أو الأب فتدخل الزوجة أو البنت) أو بالتعيين في بعض الحالات.

حالة المرأة الإيرانية تختلف نسبيا، لقد تقدمت مائتا امرأة لانتخابات 1996 البرلمانية( عدد البرلمان وقتها 270 مقعد)[33] نجحت منهن أربعة عشرة، و في انتخابات الرآسة  تقدمت أربع لانتخابات رآسة الجمهورية، وهناك ألان حوالي ثلاث مائة امرأة منتخبة في البلديات.

لقد استطاعت من خلال قوتها التصويتية أن تحقق بعض الإنجازات التشريعية، مثل حضانة الأطفال، حقوق العمل، حق الطلاق، إجازات الأمومة، ولكن لا زال بعض الحقوق بعيدا عن منالها[34].

          في الخليج، و في بلدانه التي تسمح بانتخابات مباشرة، فهناك يتضح الموقف بين عداء متصل و مناصرة متقطعة ل( حقوق المرأة السياسية) وتختلف المواقف السياسية باختلاف  القوى السياسية و التيارات المختلفة،[35] ففي بلد مثل الكويت تمارس فيها ديمقراطية تحت دستور مكتوب، وبعد أربعة عقود تقريبا من ممارسة الرجل يقف البرلمان المنتخب ضد أن تنال المرأة حقوقها السياسية، كما ترشح المرأة نفسها في انتخابات قطر للبلديات فال تحصل أية مرشحة على مقعد!

العولمة والأبعاد الثقافية والعلمية على دور المرأة:

 أرى فيها  أربعة عومل على الأقل:

          1-الإنتاج و الاستهلاكي العلمي و الثقافي العربي هو في حدوده الدنيا، فمن المعروف أن هذا الإنتاج لا زال يتغذى على ما ينتج من الخارج، ونحن في العولمة الأولى و الثانية في الغالب مستهلكين علميين وثقافيين، وما نتجه من ثقافة أيضا في اللب هو ردود أفعال، للنظر من حولنا في قضية نناقشها ( العولمة) أو ( صراع الحضارات) أو ( نهاية التاريخ)، كلها من الإنتاج الغربي، الآخر، لنا فيها ردود أفعال.

          2-عصر العولمة ليس بالضرورة سوف يدخلنا ثقافيا على أبواب غير موصدة، خاصة بالنسبة للكتاب و المطبوعة، وربما بموجات الأثير، على الرغم من الموجة الهائلة في الفضائيات التي انطلقت في الخارج، إلا أن هذه الموجة تعود من جديد ألي أرضها العربية، وبعضها يستخدم لتأكيد الدور التقليدي للمرأة.[36]

          3- الفقر الشديد في ثقافتنا للإنتاج الموجه للقطاعات الخاصة مثل الشباب و المرأة، لذا فان الترجمة هي اسهل الطرق وتسد الفراغ، لقد سحبت أخيرا موسوعة أطفال مترجمة من الأسواق في مصر لأنها تقول ( أن السد العالي اضر باقتصاد مصر)!

          4- هناك إنتاج ثقافي عربي يتجه ألي جمهور معولم، بمعني انه موجه لجمهور القارئ الغربي من مكوناته[37]، للاندماج بهذا التيار، وبالتالي تبني اطروحاته.

[1] ورقة مقدمة من محمد الرميحي للمشاركة في مؤتمر (المرأة الخليجية و الألفية الثالثة، الفرص و المعوقات و الأدوار المطلوبة ( البحرين 7، 8 مارس 2000)

[2] انظر دراسات عن أوضاع المرأة في الكويت و الخليج العربي ( كتاب المؤتمر الإقليمي الأول للمرأة في الخليج 12-24 أبريل 1975) عقد المؤتمر الثاني في الكويت أيضا سنة 1981، والثالث في أبوظبي أواخر مارس 1984 ونتيجة لضعف التوثيق فان البحوث في هذه المؤتمرات تكاد تفقد.

[3] عصر النهضة ص.55

[4] انظر في هذا الورقة البحثية المقدمة من د. عبد العزيز محمد الدخيل، في اللقاء السنوي الواحد و العشرين لمنتدى التنمية دبي:3، 4 فبراير 200.

[5] انظر تفصيل العناصر الاقتصادية في الورقة التي ذكرت فيما سبق.

[6] سيد ياسين الأهرام الدولي 23 أبريل 1999.

[7] جلال أمين ( العرب و العولمة) ندوة عقدت في القاهرة مايو 98.

[8] العولمة و التحولات المجتمعية في الوطن العربي : عبد الباسط عبد المعطي في المستقبل العربي ديسمبر 99

[9] توماس فردما صحفي أمريكي، عاش في الشرق الأوسط ردحا من الزمن، و نشر أخيرا كتاب بعنوان السيارة لكزس وشجرة الزيتون، قارن فيه بين التقنية اليابانية الهائلة في الإنتاج و خلافات الشرق الأوسط علي شجرة الزيتون! لفردمان نظرية لها علاقة بالعولمة وهي تقول أن الدول التي يوجد بها محل مكدونلز لا تدخل حروبا بينها!

[10] روبرت جي سمويل: من ينتصر وعود العولمة، أم محاذيرها ،وجهات نظر عدد 13 فبراير  2000 ص.34.

[11] انظر ملف ( حول المرأة العربية: دراسة حالات) المستقبل العربي عدد 250 ديسمبر 1999 ص.ص.113-142

[12] هذا ليس فقط بالنسبة للمرأة الخليجية ، بل العربية عامة، وأمامي خبر نشرته الحياة في 21 يناير بان النساء المغربيات المناصرات للتيار الإسلامي قد هاجمن مركزيا إعلاميا أقامته الحكومة يتناول دمج المرأة في التنمية!

[13] انظر كتاب ماليري الذي ترجمه الكاتب بعنوان( الكويت قبل النفط) دار قرطاس ،الكويت 97.

[14] هذا النص جاء في كتاب أحياء علوم الدين لابو حامد الغزالي الجزء الثاني ص.38، نظر في دراسة الحجاب و الهوية لمحمد حافظ دياب، مؤتمر المرأة،( المجلس الأعلى للثقافة) القاهرة أكتوبر 99.

[15] دساتير قطر و الإمارات و البحرين.انظر المادة 5 من دستور البحرين،و المادة 16 من دستور الإمارات.

[16] انظر الدراسة القانونية لهيا راشد الخليفة ( أحكام الأسرة في الخليج بين رواسب الماضي و مقتضيات الحاضر) في كتاب ( الأسرة و الطفولة) المؤتمر الرابع للمرأة في الخليج، ديسمبر 87، نشر في الكويت 1988ص.407 وما بعدها.

[17] المرجع السابق ص 436.

[18] هناك آراء عديدة وفي بعضها متناقض مع ( وضع المرأة في التراث) بعضهم يدعو ألي الكثير من الانفتاح و يؤيد ذلك بمقولات تراثية و بعضهم يرى أنه حتى خروج المرأة من البيت ( فتنة) انظر في ذلك علي سبيل المثال لا الحصر كتاب ( وضع المرأة في العالم الإسلامي) من منشورات المنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة: ايسسكو 1994: أعمال ندوة عقدت في القاهرة أغسطس 1991.

[19] انظر في تفصيل ذلك :هبة رؤف عزت ( نحو حركة جديدة لتحير المرأة) ورقة مقدمة للمؤتمر الدولي للمساهمات الحضارية للمرأة. أبريل 1998 الكويت.

[20] عادل أبو زهرة، جريدة الأهرام 19 يناير 2000.

[21] نوره الخرجي كاتبة من المدينة نشرت رسالتها المفتوحة علي شبكةARAB NET وجاءت تعليقات حولها من كل أنحاء العالم.

[22] المصدر السابق

[23] حنان نجمة: العنف ضد المرأة العربية و قوانين العقوبات العربية، ورقة مقدم لندوة المرأة (مائة عام علي تحرير المرأة)،( المجلس الأعلى للثقافة) القاهرة أكتوبر 99.

[24] هذه النسب تقريبه، وقد أخذت من إصدارات مختلفة لوزارة التخطيط الكويتية.

[25] تم تعديل قانون التقاعد في سنة 1995 ليسمح للمرأة المتزوجة و المطلقة و الأرملة أن تتقاعد بعد خمسة عشر عاما من العمل(دون اشتراط السن) قبل التعديل لا بد أن يصل سنها ألي أربعين عاما.

[26] انظر المرأة وقوة العمل، مجلة الزمن العدد رقم 12 أكتوبر 1996. ص: 45.

[27] أخذت دولة الإمارات كمثل متوسط لعمل المرأة وتتراوح التجربة بين دول الخليج بمثل تجربة المارات أو الكويت أو عمان

[28] انظر إحصائيات حكومة الإمارات في الشبكة العربة للإنترنت.

[29] نفس المصدر السابق

[30] نفس المصدر السابق

[31] أبو عادل:  مقال في جريدة  Arab News 28 مارس 1997.Female Harassment in Saudi Arabia

[32] انظر الدراسات التي قدمت في مؤتمر المرأة و الديمقراطية، عقد في الكويت أكتوبر 1999.

[33] انظر الدراسة التفصيلية في مجلة:

Foreign Affairs Jan. Feb. 2000: Iran the new revolution by D. Byman  PP.119-145.

[34] يقول المقال أن للمرأة الإيرانية حق التصويت المتماثل مع الرجل ، ولكن شهادتها في المحكمة بنصف رجل‍‍!

[35] انظر الدراسة التفصيلية في هذا الموضوع للدكتور احمد البغدادي ( التيارات السياسية و المرأة في المجتمع الكويتي) منتدى المرأة وصنع القرار، الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية.ديسمبر 1996.

[36] العديد من الموسوعات المعروضة بالعربية هي في الأصل مترجمة من الإنجليزية

[37] انظر سماح إدريس ( العولمة و عوائق التنمية الثقافية) نص ألقاه المؤلف في ندوة حول العولمة ، في نظمها المجلس الأعلى للثقافة أبريل 1998 نشرت في مجلة الآداب، أغسطس 98

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.