قراءة في كتاب الرميحي ( البترول والتغير الاجتماعي) صدر عام 1975

 

 قراءة في كتاب:

البترول والتغير الاجتماعي

في الخليج العربي

إعداد:

عبيدلي العبيدلي

مركز عيس الثقافي – الجفير

20 نوفمبر 2017

 

استهلال

أصول الكتاب هي رسالة جامعية حملت عنوان،

Theses Social and political change in Bahrain since the First World War Al-Rumaihi, Mohammed Ghanim

وكما يقول د. الرميحي في مدخله لتك الرسالة:

Therefore, as a case study it is possible to examine the impacts of wealth, modernisation and education on this island community and the impulse given by these factors to the social changes and political awareness between the First World War and the present day.

أما كتابنا الذي نعالجه اليوم، فهو كما يقول عنه د. الرميحي، “هو العنوان الذي اختير ليكون الإطار العام لمجموعة هذه المحاضرات”، التي يعتقد الرميحي أنها “مؤشرات لهذا التغير الاجتماعي والاقتصادي الذي طرا على المجموعات الخليجية منذ البترول فحولها إلى أولى درجات التنمية”، مضيفا “لقد قيل الكثير حول البترول وأثره في مجتمعات الخليج، على أساس أنه الفاعل الوحيد للتغير – النظرة التي أخالفها مذ البدء- فقد كان عاملا أسرع في التغيير ولم يحدثه”. ص ص 5 و 6.

وختم الرميحي تلك المقدمة ببيت من قصيدة للشاعر البحريني عبد الرحمن المعاودة يقول فيه، واصفا الأوضاع في البحرين:

يشقى بنوها والنعيم لغيرهم ……   كأنها بالحال عينُ عذاري

والتي كان مطلعها:

بني أوال أراكم لا تعون ألا تسعون      بالصدق في قول وفي عمل

عاش الأجانب في هذي البلاد          ولم يروا أمامهم وفي القوم من رجل

………………………………………………

إني أرى حاضر البحرين ينذرنا           بما تخبئه الأيام من علل

  1. أهمية الكتاب
  2. المنظور الزمني: كتب الكتاب في منتصف السبعينات، عندما كانت المنطقة تعاني من شحة الكتابات عنها، من قبل الباحثين العرب، باستثناء مجموعة من الكتاب المصريين من أمثال العقاد، وسيد نوفل. ومن ثم كانت فترة نشر الكتاب في العام 1975، وما حمله من أفكار واستنتاجات هي الأقرب لواقع المنطقة، نظرا لكون المؤلف من أبناء هذه المنطقة، وممن رأوا تطور الأحداث فيها، وتمكنوا من تحديد التحولات التي طرأت عليها بعد اكتشاف النفط بعين محلية خبيرة، مزجت خلفياتها العلمية، بمعرفتها المستقاة من انتمائها لهذه المنطقة، فجاء نتاج ذلك، رؤية أقرب للواقع من تلك القراءات التي سبقتها.

  1. المعالجة المنهجية: يقترب الكاتب في معالجته للمحتوى من المنهج الماركسي، وإن كنا نريد أن نكون أكثر دقة من المدرسة اليسارية. نجد ذلك واضحا في التعبيرات التي اختارها عند حديثة عن “علاقات الإنتاج”، او أدوات الإنتاج”، أو عند تقويمه لبروز الحركة العمالية. كما وضع المؤلف خطا واضحا ميز نفسه عن فئتين من فئات المجتمع الخليجي: السلطة والمعارضة. فقد أراد من خلال معالجته، أن يؤكد أنه يتعاطف مع طروحات المعارضة، دون ان يعني ذلك معاداته للسلطات القائمة في الخليج العربي. كما لم يخف الكاتب انتمائه القومي، عندما تناول الأطماع الإيرانية في الخليج، وعلى وجه الخصوص في خاتمته المكثفة التي أشار فيها للعمق العربي لبلدان الخليج العربي.
  2. حصر الكاتب نفسه في 4 دول من دول الخليج العربي، وهي: الكويت، البحرين، قطر، الإمارات، واستثنى، لأسباب لم يأتي على ذكرها، سلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية. وربما يشفع له ذلك، أنه في فترة إعداد الكتاب، لم يكن مشروع مجلس التعاون الخليجي قد طرح بعد، من جانب، ونظرا لبعض خصوصيات تطور المجتمع السعودي من جانب آخر. لكن القارئ يمكن ان يستشف إمكانات استخدام آلات تحليل المجتمعات التي شملها الكتاب لفهم ما عرفته البلدان الأخرى التي لم يأت على ذكرها المؤلف.

  1. محتوى الكتاب

يحدد الكاتب التركيبة السكانية لمنطقة الخليج على أنها قبلية في جذورها التي تكونت من مجموعة من الهجرات المتتابعة التي قدم البعض منها من مناطق متعددة من شبه الجزيرة العربية، في حين وفد عليها الجزء الآخر من الساحل الشرقي للخليج العربي الذي سكنته هو الآخر قبائل عربية. ويخلص إلى ذلك بالقول، ” إن القاسم المشترك لتكونات أصول هذه التجمعات البشرية، هو أنها عربية بدوية المنشأ – راحلة ثم استقرت – علاقاتها القبلية ومن ثم العائلية متينة، احتفظت ببعض ظواهر نشاطاتها الاقتصادية اليدوية – كتربية الإبل والماشية، وتعودت انماطا اقتصادية جديدة ذات جدوى اقتصادية أكبر هي التجارة والغوص على اللؤلؤ”. ص 7 وما بعدها.

توقف الرميحي مطولا عند رحلة استكشاف النفط، فاستعرض المؤلف بشيء من التفصيل تطور العلاقة القانونية والتشريعية التي ربطت بين الشركات الاحتكارية النفطية من جهة، والأسر الخليجية الحاكمة من جهة أخرى مراوحا عند قضيتين مركزيتين: الأولى منهما تلك الإشارات السريعة لاختلاف المصالح بين دول تلك الاحتكارات، ومن ثم انعكاس ذلك على حصص كل واحدة من تلك الاحتكارات: البريطانية، الفرنسية، الهولندية، وأخيرا الأمريكية، والثانية هي الطبيعة المجحفة التي اتسمت بها تلك الاتفاقيات لصالح القوى الأجنبية، وعلى حساب القوى الحاكمة المحلية. منوها إلى أن بعض التحولات في محتوى تلك الاتفاقات لصالح “الدول المنتجة منذ بداية الستينيات، (عندما) استطاعت حكومة أبو ظبي أن تمنح الامتياز النفطي في المناطق الساحلية والمناطق المتخلى عنها من شركة ADPC لشركات عالمية”. ص 27

من هذه الخلفية الاجتماعية الاقتصادية المنصبة أساسا على العلاقات النفطية، كونها العامل الرئيس الذي يقف وراء التحولات المجتمعية التي رصدها المؤلف، يسلط الكاتب الضوء في الفصل الثالث على علاقات الإنتاج السائدة في الاقتصاد التقليدي القائم على ثلاث أنشطة رئيسة، هي: صيد اللؤلؤ والتجارة والزراعة، دون ان يغفل بعض الحرف الإنتاجية الهامشية الأخرى مثل صناعة الفخار، و”تبييض النحاس” ص 4

ينوه الكاتب هنا إلى عدم استفادة العمال الذين يشتغلون في الغوص والزراعة بالتحول الاقتصادي نحو انتاج النفط “حيث لم يستفد هؤلاء منه …. حيث أصبحت خبراتهم ومهاراتهم غير نافعة لمجتمع ما بعد البترول”. ص 41. لكنه لا ينفي أن بداية تطور بذرة الفئة العمالية نمت وسط حقول النفط وبين أبنية مصافيه.

يفرد الكاتب الفصل الرابع لنشأة وتطور الاقتصاد الحديث في الدول الخليجية، ويفتتح هذا الفصل بلفت النظر إلى انتقال الاقتصاد الخليجي، بعد اكتشاف النفط وتصنيعه، من اقتصاد هامشي محدود جغرافيا، إلى منطقة تمتلك “سلعة عالمية هامة ومطلوبة، لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاوزها” ص 43.

ويتوقف الكاتب هنا على التحولات الاجتماعية التي طرأت على المكونات المجتمعية حينها، وفي المقدمة منها ظهور العمال، كقوة مجتمعية ارتبطت، على نحو مباشر مع اكتشاف النفط، ونمت حول الصناعات التي رافقت تلك الصناعة. ويتحاشى الكاتب، وربما بشكل واع إطلاق صفة الطبقة على الفئة الاجتماعية التي تنتمي للعمال.

ويشير هنا الكاتب إلى التحولات التي عرفها سلوك سكان ما يطلق عليهم اسم “الدول المدن”، والنمط الاستهلاكي المتسارع الذي بدأ يسيطر على ثقافة سكان تلك المدن.

ملاحظة أخرى ينوه لها الكاتب هنا، وهي اجتذاب اكتشاف النفط لقوى عاملة أجنبية، حيث جلب ذلك الاكتشاف، “عمالا من خارج المنطقة، إما من البلدان العربية الأخرى، أو من غير العرب، الذين جاءوا للبلاد طلبا للعمل”. ص 49.

في الفصل الخامس الموسوم “المردود الاجتماعي للاقتصاد الحديث”. ركز الرميحي في هذا الفصل، وبشيء من التفصيل، على التحولات في التركيبة السكانية التي أفرزتها الاكتشافات النفطية. ويستعين الكاتب، من أجل اثبات نظره حول الزيادة التي باتت تشكلها هجرة اليد العاملة غير المواطنة على هذه الأخيرة.

لكن الملاحظة التي تستحق التوقف عندها هي أن الغالبية العظمى جاءت من البلدان العربية، وخاصة المجاورة مثل مصر، وسوريا، وحتى العراق. ولذلك لم يحاول الكاتب أن يثير المخاوف من تدفق تلك الهجرات التي كانت النسبة العالية منها محصورة في تلك القادمة من البلدان العربية، كونها انخرطت في مهن، بالإضافة إلى المهن التي ولدتها اكتشاف النفط، مثل التعليم، الإدارة. ولم تجر الإشارة إلى، أو التحذير من هجرة العمالة الآسيوية التي باتت لاحقا من أهم العلامات الفارقة في اليد العاملة الأجنبية التي تدفقت، وبأعداد هائلة نحو الدول الخليجية.

لكن المؤلف، حرص على التنويه إلى التحولات التي باتت ملحوظة على التكوين الديمغرافي للتركيبة السكانية، من خلال التحذير من غلبة العنصر الخارجي المهاجر نحو المنطقة، ففي الكويت. على سبيل المثال، يقول الكاتب، “مثلت نسبة تزايد الهجرة إلى الكويت أرقاما تصاعدية حتى غدا سكان الكويت يمثلون أغلبية مهاجرة، وأقلية مواطنة. وتصاعدت هذه النسبة بتزايد فرص العمل، وانتاج أبواب الرزق من جراء زيادة الإنتاج البترولي وتوسع الحكومة في الإنفاق على المشاريع العامة، فزادت نسبة غير الكويتيين خلال الأربعة الإحصاءات المتعاقبة من 45% إلى 49.7%، إلى 52.9% على التوالي حسب إحصاءات 1957 و1961، و1965، و1970.” ص 63 وما بعد.

ملاحظة تستحق التوقف عندها وهي إشارة المؤلف لتركيبة المهاجرين العرب في البحرين كأحد النماذج، حيث، كما يقول الرميحي، “يشكل العمانيون أكبر نسبة مطلقة بينهم، حيث تبلغ نسبتهم 6% في سنة 1971، وكانت قد بلغت 6.9 % في سنة 1965”.

ملاحظة أخرى في السياق ذاته، وعند الحديث عن البحرين، وهي تكرار الإشارات إلى نسبة الجاليات الإيرانية المهاجرة، حيث يشير الرميحي لذلك بالقول، “وتدنت نسبة الإيرانيين بالنسبة لمجموع السكان في البحرين من 8.4% في سنة 1941، إلى 2.9% في سنة 1971، وذلك عائد ربما إلى التشدد نحو هجرتهم إلى البحرين من جهة، وإقبال بعضهم على الجنسية البحرانية من جهة أخرى”. ويشكل الهنود والباكستانيون في سنة 1971 أكبر نسبة للأجانب غير العرب، حيث كانوا حوالى 3.7% من مجموع السكان”.

هنا يتوقف القارئ عند هذه النسب التي تعتبر في غاية الضآلة عندما يقارنها بنسب الأجانب، وخاصة غير العرب، من إجمالي السكان بعد ما أصبح يعرف بالفورة النفطية والفوائض التي ولدتها، خلال الأعوام 1975 – 1985.

يفرد الرميحي فصلا – هو الفصل السادس – للتعليم، يحمل عنوان “التعليم في الدول الخليجية النفطية”، ويورد المؤلف هنا الكثير من الإحصاءات التي تكشف التطورات التي عرفتها السياسات التعليمية في تلك الدول، ينهي هذا الفصل بالقول، ” وكما ساعد التعليم على الحاك الاجتماعي، فقد ساعد أيضا في نمو طبقة جديدة لم تكن معروفة في مجتمع الخليج التقليدي، هذه الطبقة هي التكنوقراطية، أو الطبقة الوسطى الفنية والوظيفية التي ملكت في يدها اتخاذ القرار الإداري والفني، إن لم يكن التأثير في القرار السياسي،  وأصبحت الدولة الخليجية الحديثة غير قادرة على  الاستغناء عن هذه الطبقة”.

والسؤال هنا لماذا تستغني السلطة الحاكمة عن هذه الطبقة وهي من صلب المكونات السياسية والاجتماعية للمجتمعات الخليجية؟

يثير عنوان الفصل السابع الكثير من الفضول، فهو يتحدث عن “التغير في المؤسسات التقليدية”، وتحديدا في “الإدارة” و “الأسرة” و”السلطة”. ويعتقد الكاتب هنا أن التغير الاقتصادي قد قاد إلى “تغير في السلطة من حيث الشكل والمحتوى، فقد كانت السلطة التقليدية في مجتمعات الخليج مرتكزة في (الشيخ) و(الحاكم) وبالكثير من أقرب أقربائه ومستشاريه …. (حتى ينتهي إلى القول) فقد كانت السلطة في مجتمع الخليج التقليدي سلطة مستبدة تنبع من أعلى إلى أسفل، دون أي اجاه عكسي … إلى أن يقول إلا أن طبيعة التخصصات في مؤسسات ومشروعات الدولة أجبرت المسؤولين على تفويض سلطات كثيرة وهامة للموظفين والتكنوقراطيين للسير بهذه المشروعات والمؤسسات إلى الأهداف المتبناة، فأصبحت هناك ظاهرة جديدة في مجتمعات الخليج هي ظاهرة ” المشاركة في السلطة” عن طريق الوظائف العامة والحساسة أو عن طريق المجالس المنتخبة التي تخطط ومن ثم تراقب أجهزة الدولة”. فأصبح هناك تسرب في السلطة من يد الطبقة المتنفذة التقليدية – وهي القلة – إلى طبقات أخرى أعرض في المجتمع، مما يسير في اتجاه بلورة الطبقة القائدة، وهم كبار الموظفين والتجار والمشاركون من أعضاء الطبقة التقليدية القديمة”. ص ص 115 – 116

أعتقد أن نبرة التفاؤل هي التي تسيطر على تفكير المؤلف، وتحول دون رؤيته للصورة كاملة من الجوانب كافة. ولربما لو عاد إلى مخرجات نمط الإنتاج في الاقتصاد الريعي، وهو النمط المسيطر على الاقتصاد الخليجي، لوجد نفسه يذهب إلى استنتاجات مغايرة لما أورده في هذه الفقرة، تحدد بشكل أدق الحيز الحقيقي الذي احتلته هذه “الطبقة” إن جاز لنا القول في دائرة صنع القرار في تلك الدول، وعلى وجه الخصوص القرارات الاستراتيجية منها.

الفصل الثامن، هو الموسوم “التغير في وضع الإمارات العربي والدولي”، يبتعد بعض الشيء عن صلب عنوان الكتاب، فهو يتحدث عن اتساع نطاق هذا الدور، بفضل تنامي دور بلدان هذه المنطقة جراء العوائد النفطية في العلاقات العربية والدولية. ويروي حادثة “وساطة الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات بين رئيس مصر ورئيس ليبيا في صيف 1974 دليلا على أخر على تأثير دول الخليج النفطية في المستوى العربي”.

في ذلك بعض الصواب، خاصة عندما نشهد التطورات التي عرفتها المنطقة العربية منذ حراك 2011، فقد ازداد الحضور الخليجي في مشروعات الحلول المقدمة للوصول إلى تسويات، ولو مؤقتة تعالج أوضاع بعض البلدان العربية، مثل سوريا والعراق وليبيا. وبغض النظر عن تقويم اليعض لهذا الدور، لكن تبقى آثار البصمة الخليجية واضحة على مسار التسويات في تلك البلدان. ص ص 119 – 120.

لكن المؤلف يعود كي يستدرك في تقويمه للدور الذي تمارسه البلدان الخليجية فنجده بقول في الصفحة ذاتها، هذه المجتمعات الخليجية البترولية تملك من الثروة الآن ما يمكن أن يؤهل العالم العربي للتطور، لو استخدمت بشكل رشيد، إلا أن متطلبات الدولة من جيش للدفاع وأسلحة …… يجعل الإنفاق على هذه المتطلبات    إنفاقا غير اقتصادين مما يجعل ذوبان الثروة التي هي أساسا مصدر غير متجدد حقيقة واقعية”.

  1. خاتمة الكتاب

ينهي الرميحي كتابه بخاتمة مكثفة يخلص فيها إلى مجموعة من الاستنتاجات نلخصها على النحو التالي:

أن المجتمعات البشرية تحمل في حشاياها أجنة التغير لكن هذا التغير لا يمكن ان ينتقل من الوضع الاحتمالي إلى الحالة الواقعية ما ” لم يكن المجتمع مؤهلاً بهذا التغير، أو لديه القابلية للتغير”. ويستحضر الرميحي هنا، المثل الشعبي الشهير، الذي استعان به الزعيم الصيني الراحل ماوتسي تونغ، “بأنه لو رقدت دجاجة على حجر فلن ينتج هذا الحجر صوصاً مهما طال الرقاد، ولكنها لو رقدت على بيضة لاحتمال أن تفرخ”.

وما هو أهم من ذلك من وجهة نظر المؤلف هو، قناعته الراسخة بأن هذا التغير، إن كان له أن يحدث فهو، “لا يمكن أن يكون خارجياً فقط، أي بعوامل من خارج المجتمع، وهو كذلك لا يمكن بعوامل داخلية فقط. إذ إننا نقرر في أن التغير عملية ديناميكية أو هي من بالأحرى ديالكتيكية بها مجموعة الدوافع الداخلية والخارجية / بتفاعلها تنتج عملية ((التغير الاجتماعي))”.

ويستطرد الرميحي في استكمال رحلته التي تكشف عن رؤيته الكاملة لقضية التغير المجتمعي في الخليج،  فيقول أنه في  “حالة المجتمعات الخليج نحن نعتقد أن التغير كان أتياً لا ريب فيه ، نتيجة لأسباب عدة منها أن المجتمع العربي كالخليج ليس هو بالمجتمع البدائي، فهو صاحب حضارة إسلامية عربية، لها من القواعد والقيم والأعراف ما يمكن به أن تطور نفسها بنفسها ، كما أن وجوده حول ممر مائي حيوي جعله يحتك بخبرات عربية وإقليمية وعالمية كانت ستقوده إلى التطور، كما أنه بدئ فيه بالفعل في عملية التغير كما ذكرنا في السابق عندما سمح المجتمع بإنشاء المدارس بمجهودات أهلية نتيجة تبرع ذو الأموال، وكذلك بناء المستشفيات المؤسسات التبشيرية، إلا ان ما اختلف بعد البترول هو سرعة التغير، فقد أسرعت الفوائض البترولية في عملية التغير نتيجة الاستثمار في عملية بناء المدارس واستقدام المدرسين وبناء المستشفيات وإنشاء الطرق وتحسن المواصلات”.

وينتقل الرميحي من هذه المقدمات المتتالية إلى سؤال في غاية الأهمية يطرحه في صراحة جريئة قائلا: “هل التغير في مجتمعات الخليج هي في الشكل أم الموضوع؟ وهل التغير شامل أم جزئي؟”

وهو سؤال ما يزال يلح بنفسه بعد كل التطورات الهائلة التي شهدتها مجتمعات الخليج العربي، إثر الثورة في أسعار النفط، والفوائض النقدية التي ولدتها، وأوجه الاستخدامات التي انفقت فيها. فهل يمكن اعتبار ذلك التغيير مجرد إصلاحات تجميلية مست القشرة الخارجية للمجتمعات الخليجية، أم أنها ثورة جذرية أجرت تحولات نوعية في البنية الهيكلية لها؟ وأكثر من ذلك، وفي الحالتين، هل اقتصرت على اجراء ذلك التغيير في بعض جوانب الحياة، وبشكل جزئي، أم أنها اجتاحت المجتمع من كل زواياه، فبلغت الشمولية؟

الإجابة على ذلك التساؤل وردت في اجتهادات كتاب كثر، من بينهم العديد من الاجتهادات الأجنبية التي خرج البعض منها في شكل بحوث أكاديمية، وأخرى في هيئة مقالات وكتب ألفها من اهتم بهذه المنطقة والتطورات المتلاحقة التي عرفتها منذ اكتشاف النفط في أراضيها في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي.

قضية في غاية الأهمية يقترحها الرميحي في عجالة من أمره، في تلك الخاتمة المكثفة، تتعلق بالعمق الاستراتيجي الخليجي، عندما يؤكد على أن “الخليج المعاصر الذي يحتاج أول ما يحتاج إلى الوصول وحدة إقليمية كلية ضمن وحدة قومية أكبر حتى يتسنى له استخدام موارده المالية بشكل أفضل ليواجه تحديات الربع الأخير من القرن العشرين”.

 مسألة أخرى يأتي الرميحي على ذكرها وضعها في هيئة دعوة وجهها، بشكل مبطن لدوائر صنع القرارات قائلا ” كما أن على المجتمع الخليج استثمار هذه الموارد في تنمية وضع الاحتياطي البشري محلياً وعالمياً- عن طريق الإسهام في خلق المواطن العربي الذي يدفع بعملية التغير الإيجابي إلى الأمام”.

نخلص من كل ما تقدم إلى أن الكتاب في مجمله، يشكل اجتهادا جريئا حاول المؤلف من خلاله القيام بجولة علمية تحاول قراءة مشهد التحولات المجتمعية التي عرفتها بلدان الخليج خلال حقبة مهمة من تاريخها الحديث والمعاصر.

ولربما يحتاج الأمر من د. محمد غانم الرميحي، او باحثين اجتماعيين آخرين أن يواصلوا مشوار الرميحي بعد التطورات التي عرفتها المنطقة العربية خلال الأعوام الممتدة من 1975، تاريخ نشر الكتاب وحتى العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.