المرأة في الخليج و العولمة
اختلفت المرأة العربية في الخليج باليوم العالمي للمرأة في الثامن من هذا الشهر كغيرها من نساء العالم، وقامت بعض المؤسسات بمبادرات رمزية و أتاحت الفرصة لبعض العاملات في تسيير المنشآت المختلفة ليوم واحد تنبئ عن وعيها أولا و من ثم اهتمامها في إشراك المرأة العاملة في اعترافا بقدرتها.
كما احتفل العرب منذ اشهر قليلة بمرور مائة عام لصدور كتاب قاسم أمين الذي دعي فيه لتحرير المرأة العربية كجزء لا يتجزأ من تحرير المجتمع، أي أن هناك قرن مضي منذ أن وعى بعض العرب أهمية دور المرأة العربية في الحياة العامة كانسان و قدرتها كبشرية وطاقتها كفرد يمكن أن تساهم مساهمة فعالة في نهضة المجتمع، لا كوعاء للإنجاب و متاع في البيت فقط.
وفي دراسة ممتعة لخليل عبد الكريم بعنوان ( العرب و المرأة) فصول طويلة يصف فيها كيف جاور العرب القدماء المرأة ببعض ما ألفوه في بيئتهم من بهيمة ومادة كالناقة و الفرس وبعض مظاهر الطبيعة، ولا ريب أن التعبيرات التي كانت تكنى بها المرأة العربية تكشف عن وضعها في المجتمع في ذلك الوقت وتلك البيئة الاقتصادية الثقافية، إلا أنها تجاوزت بعضها بسبب الزمن و التعليم و الوعي، أقول بعضها وليس كلها،حيث أن المرأة في مجتمعاتنا المعاصرة لا زالت تعاني من وضع عام يضعها دون الرجل في المساواة القانونية العامة و في الحقوق المدنية، كما أن طلائع من قيادات نسائية ورجال أيضا تقوم اليوم بداب الدفاع عن أفكار المساواة القانونية بكل قدرة و تصميم .
وفي بداية الألفية الثالثة ومع الاحتفال بيوم المرأة اختارت جمعية نهضة فتاة البحرين أن تعقد مؤتمرا خليجيا في المنامة لبحث دور المرأة في القادم من السنين تحت ضوء تيارات تأثير العولمة وما تدفع به من أفكار قد تؤثر على بنية المجتمع الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية سلبا أو إيجابا.
فكرة المؤتمر و توقيته مناسبة لطرح موضوع المرأة في الخليج ودورها الحالي و المأمول في ضوء التغيرات المحتملة.
لقد حضر هذا المؤتمر الذي استمر يومين عدد كبير من السيدات الخليجيات العاملات في شتي قطاعات العمل في الدول الخليجية الست ، كما شاركت فيه عدد من النساء العربيات النشيطات في موضوع المرأة، وبعض الرجال .
في البداية لا بد من الاعتراف، أن المرأة في الخليج، على عكس ما يعتقد البعض ساهمت وتساهم مساهمة معقول في العمل العام الداخلي و الخارجي، فد اصبح هناك العديد منهن تبؤن أعمالا عامة علي مستوى رفيع مثل نائبة لوزير أو سفيرة لبلادها، أو مديرة لجامعة أو مستشفي، عدى المهن الطبيبة و التدريسية و الصحفية و حتى العمل الشرطي أيضا والقوات المسلحة.
وقد تكون مثل هذه المعلومات جديدة على البعض من خارج النطاق المتابع و القريب، بل أن المشاركة النسائية في بعض مناطق الخليج قد تتفوق علي مثيلاتها في بلاد متقدمة، فمشاركة المرة الفرنسية في سوق العمل لا تزيد عن 28% ، بينما بعض بلدان الخليج نجد مساهمة المرأة في سوق العمل تفوق هذه النسبة، عدي أن الأجر في بلدان متقدمة ليس متساوي بين الرجال و النساء على عكسه في بلدان الخليج فهو متساوي للرجل و المرأة في العمل الواحد..
إلا أن كل الذي حققته المرأة العربية في الخليج يحتاج ألي تدعيم و توسيع أيضا، لذا جاء هذا المؤتمر النسائي الخليجي و هو الرابع في سلسلة طويلة من المؤتمرات و الندوات، بعد أن انعقد المؤتمر الأول في الكويت قبل اكثر من ربع قرن ( 1975)
العولمة، رغم غموض المصطلح وعدم دقته، ورغم عدم تحديد معقول لنتائجه على المجتمع العربي يعنى فيما يعنيه انتقال مركز ثقل الاقتصاد العالمي من الوطني إلى الكوني ، ومن الدولة إلى الشركات والمؤسسات والتكتلات عبر القومية . وهنا تفرض العولمة الاقتصادية منطقها الخاص ، حتى لو تعارض هذا المنطق مع رغبات أكبر وأغنى الدول . وفـي مقاله الشهير “دفاعا عن الإمبريالية الثقافية” يقول دافيد روثكوبف : “بينما السوق العالمية تجري مأسستها من خلال خلق سلسلة من الكيانات المتعددة الأطراف ترسخ قواعد مشتركة للتجارة الدولية . وإذا كان لرؤوس الأموال أن تتدفق بحرية ، يجب أن تكون قواعد الشفافية متماثلة في جميع البلدان ، وأن تكون إجراءات التسويات متسقة ، والتعويضات واضحة . وإذا كان للسلع أن تنتقل دون أي معوقات ، فيجب أن تكون قوانين النقل ومعايير الجمارك متناغمة ، و كذلك معايير تصنيف وأمن السلع مطبقة ومرعية . وإذا كان لرجال الأعمال أن يتحركوا بحرية من صفقة لصفقة ، فيجب أن توضع اتفاقيات للنقل الجوي ، وكذلك معايير للرقابة على الهجرة ، وأن تكون القوانين التجارية متماثلة. وتظل النشاطات التجارية من نواح عدة هي المحرك الرئيسي للعولمة “
وهناك شبه إجماع بين أبرز المحللين على أن الانتشار العالمي للرأسمالية يؤدي إلى ضمور وتآكل قوة واستقلالية الدولة القومية ، وأن رأس المال عبر القومي يترك تأثيرات عميقة على الدول ، والثقافات ، والأفراد أنفسهم .
وليس اكثر من سوق الخليج تفتحا على السوق العالمي، وليس اكثر من مجتمعه على استعداد للتأثر التجاري و الاقتصادي و من ثم الاجتماعي.
فالعولمة لمجتمع الخليج تمثل من جهة فرصة و من جهة ثانية أزمة و عقبة. لقد جاءت العولمة الأولى – إن جاز لنا استخدام التعبير – للمجتمعات الخليجية مع اكتشاف النفط ومردوده المادي تقربا في النصف الثاني من القرن العشرين. وقد تركت العولمة الأولى مجموعة متباينة من الآثار الإيجابية من جهة والسلبية من جهة أخرى وخصوصا على وضع المرأة في الخليج .
فعصر النفط افرز من السلبيات للمرأة ما هو مشاهد، من ارتفاع في نسبة العنوسة ، بسبب تناقض القيم الجديدة مع القيم القديمة ، و شهد أيضا ارتفاعا في نسبة الطلاق ، خاصة بين الجيل النفطي الثاني ، وانتشار الزواج المختلط (من غير البيئة المحلية) ، فضلا عن تفشي المظاهر الاستهلاكية وما سببته من تصدع في الأسرة الخليجية ، منها انتشار تعاطي المخدرات وغيرها من ممارسات سهلتها بيئة العولمة الأولى على المنطقة .
والواقع أن جوهر العولمة الاقتصادية التي نشهد هبوبها في هذه السنوات هو التفرقة ضد النساء ، تساعدها ممارسة مغروسة في الثقافة العامة لقطاعات واسعة من مجتمعات الخليج . وهي تفرقة نابعة من الأعراف و التقاليد وبعض التفسيرات التراثية ، وأفضت إلى معاناة المرأة في الخليج من صعوبات شتى في التعليم والعمل والخروج من المنزل أو اختيار الشريك . ولإتزال المرأة الخليجية تواجه حتى هذه اللحظة الكثير من عدم المساواة في الحقوق والواجبات لأسباب قانونية أو عرفية . والمؤسف أن وعي المرأة بذاتها وبحقوقها لا تقف أمامه فقط جبهة بعض الرجال ، بل بعض النساء أيضا ، فهناك قطاع منهن ، لأسباب عديدة تراثية وتعليمية واجتماعية ، يحبذن ما هن عليه من واقع ، و يقاومن أي تغيير مراد ومطلوب.
لم تنجح المرأة في الخليج في الدخول إلى عالم العمل العام المنظم إلا في الثلث الأخير من القرن العشرين ، وكانت الدفعات الأولى من الفتيات العاملات في الكويت مثلا في بداية الستينيات توفر لهن الإدارة الحكومية وسيلة مواصلات (سيارة) تقلهن من العمل إلى البيت و بالعكس ، ومعهن مرافقة أيضا .
أما العولمة الثانية ونتائجها على المرأة في الخليجية فهي شيء آخر تماما اكثر مضاء و اعمق تأثيرا . والواقع أن العلاقة بين العولمة وبين واقع المرأة العربية هي إن قبلنا الدعابة كالعلاقة بين شجرة الزيتون و السيارة اللكزس ، التي احتلت عنوان كتاب نشر مؤخرا للكاتب الصحفي الأمريكي توماس فردمان. في الوقت الذي تضرب نتائج العولمة البني الاقتصادية والثقافية الوطنية ، فإنها لا تؤثر كثيرا في النظرة إلى المرأة في المجتمعات التي نعيش فيها ، حيث القوالب الاجتماعية و التراثية تقوم بعملية تعويق للتفاعل الحر غير المقيد، ولكن هذا التعويق و ذاك الدفع يخلق تشوهات عديدة،اقلها أن بعض قطاعات المجتمع تدفع بعزل الرجال عن النساء في مواقع العمل و الدراسة، وتربطهم مباشرة شبكات الإنترنت!
الوضع القانوني للمرأة في المجتمع العربي في الخليج يتسم بالتشوش وعدم الوضوح أيضا . بل إن هناك تناقضا حتى بين المكتوب والممارس . ورغم صدور الدساتير الحديثة ، التي نصت على المساواة بين المواطنين ، وعلى حماية المرأة والطفل والأسرة ، فإن هذا الأمر لم يتبلور في تشريعات حاسمة تنصف المرأة ، وذا كانت العولمة تطال بالشفافية و إطلاق الحريات و المساواة القانونية، هنا يظهر تشوه آخر بين واقع اجتماعي وضرورات اقتصادية.
توصيات المؤتمر الذي أشرت أليه ملفتة للنظر، فقد طالبت – من بين أمور أخرى- تمكين المرأة في الخليج من الانخراط في الصناعات الجديدة، وتغيير سياسات وبرامج التعليم، وتطوير التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة،واعتماد الديمقراطية منهجا للعمل و قيمة إنسانية.[1]
[1] مقالي من أربع صفحات لجريدة الحياة.