مجلس التعاون الخليجي: المسيرة والمامول 2016
مقدمة :
اي متابع لاعمال مجلس التعاون ( 1981 -2016 ) سوف يلحظ محموعة من الظواهر ، اولها ان هناك كثافة في الكتابة حوله خاصة في الشهر الاخير من كل عام ، اما الظاهرة الثانية فهي ان كم من الكتابات قد ظهرت في الخمس وثلاثون عاما الماضية، جلها تنحو الى امل واحد هو تطوير هذا المجلس سياسيا و تطوير الامانة العامة من سكرتراية كما هي في الواقع الى مفوضية لها قدرة على الاقتراح وتقديم الافكار للمجلس الاعلى من القادة ،نظرا لقربها من اهل الفكر و ايضا الشارع الخليجي. الا ان تلك الكتابات والاقتراحات لم ترى النور ،وعجر الكثيرون عن ايصال فكرة ان المنطقة تتغير و الشعوب تتغير كما ان التهديدات للخليج ( ككل ) تتعاضم! انتقل الى رحمة الله خمسة من المؤسسي [1] الكبار الذين اجتمعوا في 25 مايو عام 1981 في ابوظبي ليعلنوا الى العالم ولادة هذا الكيان السياسي ، الا ان ( المرحلة الاحتفالية) طالت اكثر من اللازم ،وكل عام تعاد هذه الاحتفالية في ديسمبر ( الشهر الذي استقر على ان يكون هو موعد انعقاد القمة الخليجية) وفي كل عام ينتظر الجمهور العام في دول الخليج ان تخطو القمم الخطوة المبتغاة وهي تطوير هذه المنظومة من اجل ان تساير التحديات الشاخصة،وقد قدم بعض القادة افكار مهمة و متسقة مع الشهور الشعبي ،كمثل مبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لتطوير هيكلية المجلس الى وحدة مرنة ، بعد هبت رياح التغيير في مشرق العرب ومغربهم[2]، الا ان تلك المبادرة ربما قتلت في اللجان وفروع اللجان، وقد تبخرت ايضا الكثير من المبادرات الايجابية بسبب ان البعض لم يكن يرغب في تطوير تلك المنظومة قلقا من احتمالات يراها . الحقيقة الشاخصة ان نظرية ( الكل اكبر من مجموع الاجزاء) حتى الان لم ترسخ في ذهن بعض متخذي القرار في دول الخليج،وان اصبحت راسخة في ذهن اخرين، الا ان التحديات التي تواجهها المنطقة قد تقود الجميع الى مكان صعب في المستقبل، والردع السياسي الحقيقي هو الذهاب الى وحدة مرنة تنسق بين وحدات مجلس التعاون من خلال (تجميع الموارد واستثمارها بشكل افضل) تلك الموارد هي المادية والمعنوية والبشرية و الجغرافية، في وقت يظهر للجميع التحدي القائم على ثلاث معطيات واضحة الاولى تناقض الدخل من النفط، الذي تعتمد عليه دول الخليج اعتمادا شبه كلي في تمويل ميزانياتها ،والثاني اطماع الدولة الايرانية، التي وضح ان تلك الاطماع في صلب استراتيجية تلك الدولة[3]اما الثلاث فهو انحسار للقوى الدولية التقليدية ، في المقابل تؤثر الحوب المشتعلة سلبا على الوضع في دول الخليج، سواء كانت في العراق او سوريا والى اليمن ، قد ظهر مجليس التعاون في البداية اتقاء لحرب واحدة، واحرى به ان يطور من آلياته ونظمه وحتى فلسفته ، اتقاءا لتاثير ثلاث حروب شعواء مشتعلة حوله .
المسيرة :
محلس التعاون يمثل تلاقي ارادة ست دول في مرحلة حرجة من تطورها في اوائل ثمنيات القرن العشرين، وقد سار في الست والثلاثون عاما مسيرة طويلة في عدد من المجالات الحيوية السياسية والاقتصادية و التنموية ،بعضها بنجاخ كبير وبعضها بنجاح نسبي .
التعاون السياسي: لعل ابرز نجاحات المجلس هو في مجال التعاون السياسي وتنسيق السياسات، خصاصة في اوقات الازمات المفصلية او في القضايا التي تهم مصالح الدول الخليجة او العربية، لعل اول تلك النجحات الموقف الصلب الذي وقفته المنظومة بعد احالال العراق للكويت ( 1990) وكانت مرحلة صعبة لم تتردد دول الخليج في شجب ذلك الاحتلال و العمل على دحصه بكل الطرق الممكنة،كما وجد ابناء الكويت في تلك المرحلة الحرجة ملاذا امنا وحضنا دافئيا يقلل من مخاطر شتاتهم، حتى عودتهم الى بلدهم بعد تحريره بسبب تكاتف المنظومة اقليميا و عالميا . كما يقف مجلس التعاون مع حق استرداد دولة الامارات العربية المتحدة سيادتها على الجزر المحتلة من ايران منذ عام 1970 ،وفي كل اعلاناته المتكررة لا يفتأ ان يكرر تلك المطالبة ويطالب ايران بقبول التحكيم الدولي . كما يقف المجلس في الشان السياسي لاي خطر تتعرض له اي من دوله ، كما حدث في احداث البحرين عام 2011 عندما ارسلت المملكة العربية السعودية و دولة الامارات قوات مساندة لجماية المنشات الحيوية في البحرين من التخريب [4] كما وقفت دول مجلس التعاون بقوة مع العراق بعد سقوط النظام السابق من اجل تاهيل العراق و دخوله الى الجامعة العربية ومساعدته دبلوماسيا
على الصعيد السياسي:
لعل ابرز نجاحات المجلس هو في مجال التعاون السياسي وتنسيق السياسات، خصاصة في اوقات الازمات المفصلية او في القضايا التي تهم مصالح الدول الخليجة او العربية، لعل اول تلك النجحات الموقف الصلب الذي وقفته المنظومة بعد احالال العراق للكويت ( 1990) وكانت مرحلة صعبة لم تتردد دول الخليج في شجب ذلك الاحتلال و العمل على دحصه بكل الطرق الممكنة،كما وجد ابناء الكويت في تلك المرحلة الحرجة ملاذا امنا وحضنا دافئيا يقلل من مخاطر شتاتهم، حتى عودتهم الى بلدهم بعد تحريره بسبب تكاتف المنظومة اقليميا و عالميا . كما يقف مجلس التعاون مع حق استرداد دولة الامارات العربية المتحدة سيادتها على الجزر المحتلة من ايران منذ عام 1970 ،وفي كل اعلاناته المتكررة لا يفتأ ان يكرر تلك المطالبة ويطالب ايران بقبول التحكيم الدولي . كما يقف المجلس في الشان السياسي لاي خطر تتعرض له اي من دوله ، كما حدث في احداث البحرين عام 2011 عندما ارسلت المملكة العربية السعودية و دولة الامارات قوات مساندة لجماية المنشات الحيوية في البحرين من التخريب [5] كما وقفت دول مجلس التعاون بقوة مع العراق بعد سقوط النظام السابق من اجل تاهيل العراق و دخوله الى الجامعة العربية ومساعدته دبلوماسيا[6] على المستوى العالمي كما ساهم مجلس التعاون في محالة ( اطفاء الحرائق) التي نشبت فيما بعد ما عرف ب( الربيع العربي) سواء في سوريا او ليبيا وفي اليمن، كان لمبادرة مجلس التعاون حول اليمن اهمية بالغة في الوصول الى حلول سياسية، الا انها تعثرت كما حدث بعد ذلك[7]. كما اجرى مجلس التعاون مجتمعا في الاطار السياسي (حورات استراتيجية) مع دول ومنظمات اقليمية عديدة من اجل التنسيق فيما بين دوله وتلك المنظمات والدول .
على الصعيد الاقتصادي:
عدد من النجاحات حققها المجلس على الصعيد الاقتصادي، الا ان اللافت ان تلك النجاحات، التي لم يشك الخيراء في اهيمتها، اخذت وقتا طويلا للتبلور والتفعيل ، وارجئ تطبيق ما اتفق عليه عاما بعد عام،ولما طبق بعضها وجد الجميع ان نتائجها مبهرة، المثال الاوضح هو ( الاتحاد الجمركي) الذي نقل التبادل التجاري بين دول المجلس من خانة الملايين من الدولارات الى خانة البلايين! كما نجح المجلس في شبكة الربط الكهربائي ، اقامة منطقة حرة لدول المجلس ،وتحقيق جزء غير يسير في الوصول الى ( المواطنة الاقتصادية)، الا ان الاتحاد النقدي، رعم الحديث عنه مبكرا لا زال ينتظر الانجاز، على ما يحمل من اهمية قصوى للاقتصاد في دول الخليج. لا زال الحديث عن (تقربب وتوحيد) البيئة التشريعية و البيئة الادارية مطلب تجد الاشارة اليه في معظم وثائق المجلس ، وكذلك الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى، التي اتفق عليها منذ عام 1998 من اجل التخفف تدريجيا من الاعماد على الدخل النفطي ، فانها لا زالت متعثرة تنتظر العودة اليها وتفعيلها، على الرغم انه بعد سنوات من ذلك العام ( اي في العشرية الاولى من القرن الواحد والعشرين وما تبعها، تبنت الدول كل على حدة خطط استرتيجية من اجل ايجاد مصادر بديلة عن الدخل النفطي![8] وهناك انجاز لا يستهان به في العديد من القطاعات الاقتصادية التنموية الانتاجية والقانونية، اصبحت به دول الخليج اكثر قربا الى ( التماسك الاقتصادي) مع وجود بعض المعوقات.
على الصعيد العسكري و الامني :
لعل هذا القطاع هو الذي شهد الانجازات الاكثر وضوحا و الاكثر اهمية ، فاتفاقية الدفاع المشترك طورت منذ عام 2000 ،ووضعت اتفاقية اكثر تفصيلا في عام 2009 التي نصت على ( تعزيز التكامل الترابط العسكري وتطوير امكانيات الدفاع عن سيادة واستقرار دول المجلس) ، كما نشات مبكرا (قوات درع الجزيرة العربية) التي قامت بعدد من المهامات المشتركة،وقد قرر في عام 2013 انشاء القيادة العسكرية الموحدة، وكذلك انشاء الاكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والامنية،ومقرها ابوظبي ، كما حضى تامين الاتصالات العسكرية بالسرية و الاهتمام بالتطور في الرقمنة في الاتصالات وضمان سريتها. في مجالات التمارين المشتركة و الخدمات الطبية وادارة الموا رد البشرية ، تم بالفعل التنسيق على مسوتى مرضي في كل تلك المجالات. اما على الصعيد الامني فان الاساس هو الاتفاقية الامنية ( التي وقعت من بعض الدول ولم توقع من دول اخرى بعد) الا ان المجالات الامنية الاخرى شهدت تقدما كمثل محاربة الارهاب ،و مكافحة المخدرات ، والسماح بالتنقل بالبطاقة المدنية للمواطنين ، والتعاون في مواجة المخاطر النواوية والدفاع المدني . وعلى نطاق المرور تم تسهيل نقل ملكية المركبات،ورخص القيادة والتوعية المرورية[9] والتعليم والتدريب الامني ،و الاعلام الامني ،والامن الصناعي وحماية المنشات العامة.
على الصعيد العلمي والتقني والفني:
على هذا الصعيد هناك العديد من المجالات التي تم التنسق حولها بين دول مجلس التعاون ، معظمها في نطاق الدراسات و البحوث، وقليل منها قد راى النور بعد، ليس هناك اهم من التعاون على الصعيد العلمي ، حيث ان العالم يدخل مرحلة جديدة من ( اقتصاد المعرفة) والاعتماد في الحياة الاقتصادية على العلم وتطويره ، مدخلا لتنوع اقتصادي يجعل من التنمية في الخليج امرا مستداما.
المامول من المجلس
بالاطلاع على الوثائق الصادرة من الامانة العام لمجلس التعاون في السنوات السباقة، لا يجد المتابع الا الاعتراف بقيمة الخطوات الني اتخذت حتى الان ، الا انه من المناسب القول ان طموحات ابناء دول مجلس التعاون هي اكبر مما حقق حتى الان ، فلم تجد ( توحيد المواطنة) القانونية اي بحث جدي، فلازال المواطن في دولة خليجية ويعمل في دولة اخرى يواجه انه يعامل في الكثير من المجالات على انه ( وافد من الخارج) صحيح ان الانقال اصبح ميسرا ، الا ان المساواة في المعاملة القانونية لازال متعثر ، فمثل الرواتب والامتيازات وفي بعض الاوقات حتى في العلاج،كلها لازالت هناك عقبات امام تذليها، مما يصعب انسياب راس المال البشري،وهو الاهم في اقامة الترابط و تحيقق الاهداف المنشودة. كما يعاني المجلس من نقص كبير في وضع الاولويات المراد تحقيقها، فهو في المجالات الثانوية قد حقق الكثير من التقدم، الا انه في المجالات الاستراتيجية الهام لا زال متردد في اتخاذ الخطوات المطلوبة والعاجلة، كمثال فان وحدة العملة ( بنك مركزي خليجي واحد) يقلل من مخاطر التقلب في اسعار العملات الدولية، خاصة في مرحل تواجه دول الخليج انحسار اسعار النفط، كما ان التذبذب في اسعار العملات بين دول الخليج يفتح الباب الى المضاربة ممما يؤثر في الاقتصاد المحلي بشكل سلبي، عدى ان قدرة وقوة( التفاوض) مع الاقتصاديات الاخرى تتعاظم في حال وجود التكتل الاقتصادي بين دول المنظومة.
التحديات التي تواجه دول المجلس اليوم لم تعد خفيه ،وهي تحديات يحتاج مواجهتها الى عمل جماعي منسق ووثيق الصلة بالحفاظ على الامن والاستقرار في المنطقة، فليس خافيا طموحات النظام الايراني وهي طموحات مؤطرة باطار ادييولوجي هدفه تكريس عوامل الاستقطاب السياسي في عدد من دول الخليج واذكاء التعصب المذهي بين مواطنيها ، تمهيدا لتحقيق استراتيجية ام القرى لتوسيع مصالح ايران تحت شعار ( الثورة عابرة الحدود)[10] وبالتالي فان قضية ( التماسك الوطني) و السيادة الوطنية بمنظورها الاجتماعي والسياسي،هي من اولايات ما يجب الاهتمام به على الصعيد الاقليمي الخليجي .لذلك يجب التفكير جديا وجماعيا على اننهاء الصراع مع ايران وليس فقط الاكتفاء بادارته. من جانب اخر فان الانحسار للقوى الدولية وصرف اهتمامها لامور عاجلة تخصها ،تعني انكسف دولي من جانب الحلفاء السابقين، وهو حلفاء تتغير مصالحهم كما هو اضح من سير الاحداث ، وعلى دول الخليح ان تفكر جديا بسياسة ( قلع اشواكنا بايدينا) لا انتظار الغير , انحسار الدخل النفطي سوف يترب التزمات على الدولة وعلى المواطن الخليج، وليس سرا ان عدد من دول الخليج اليوم لجأت الى الاستدانة لتعضيد المطالب الملحة في ميزانياتها،وهو امر بالضرورة يقود الى النظر في مشاركة المواطن في اتخاذ القرار من جهة والنظر في كفاءة جهاز الدولة من جهة اخرى الذي يعاني من كثير من الامراض والترهل .
من اكثر ما يقلق المتابع لمسيرة مجلس التعاون وقراءة الادبيات الصادرة عن الامانة العامة هي ظاهرة( استهلاك الوقت) لقد وجد الكاتب في محالوته قراءة تلك الادبيات ان هناك وقت مستهلك كبير بين اتخاذ قرار ما للتنفيذ وتنفيذه،وهي عملية محبطة للبعض ودالة على ان المتابعة من خلال المؤسسات هي اما ضعيفة او معدومة، كما ان الطريقة التي تتخذ بها القرارات ( المكتوبة) لا تجد لها مساقات زمنية للتنفيذ، كوضع سقف زمني لا تتخطاه عمليات التنفيذ ياي شكل من الاشكال. وربما ان ظاهرة ( استهلاك الوقت) هي بسبب طبيعة العلاقة بين القادة التي تتسم بالحساسية و المجاملة وبالتالي ينتقل بطئ التنفيذ الى الجمهور العام على ان عمل المجلس هو من اعمال السياسة بطيئة الخطى على اقل تقدير.
[1] الملك فهد بن عبد العزيز، و الشيخ زايد بن سلطان و الشيخ جابر الاحمد، والسيخ عيسى بن سلمان و السيخ خليفة بن حمد رحمهم الله جميعا واطال الله في عمر السادس السلطان قابوس ين سعيد
[2] قدمت المبادرة في شهر ديسمبر عام 2012
[3] لا بد من التفريق الواضح و الجلي بين اطماع الدولة الايرانية وبين المذهب الشيعي ،وهو مذهب اسلامي معترف به، الا ان الدولة الايرانية القومية تغلف اطمعها في الجوار بذلك الغلاف الذي لا ينطلي على المطلعين.
[4] انظر كتاب ( المسيرة والانجاز) كتاب تذكار نشرته الامانة العام لمجلس التعاون – الرياض 2115 ص 17
[5] انظر كتاب ( المسيرة والانجاز) كتاب تذكاري نشرته الامانة العام لمجلس التعاون – الرياض 2115 ص 17
[6] انظر مقال بهذا الخضصوص للكاتب ( الحزب ليس الدولة في العراق ) جريدة الشرق الاوسط 17 سبتمبر 2016
[7] مباردة الخليج في اليمن هي الاكثر وضوحا للتعامل الخليجي الموحد مع بعض مظاهر الاضطراب في الجوار .
[8] انظر الدراسة التفصيلية للكاتب في هذا الموضوع التي قدمت في ندوة التخطيط للتنمية في الدوحة ، اكتوبر 2016 ( نظم الندوة مجلس التعاون بالاشتراك مع وزراة التخطيط القطرية)
[9] تحتفل دول الخليج في نفس الوقت منذ زمن باسبوع المرور الموحد
[10] استراتيجة ام القرى ، صدرت في كتاب تشرح نظرية الثورة الايرانية، المؤلف محمد جواد لارجاني ، ترجمه الى العربية نبيل على العتوم ، مركز العصر للدراسات الاستراتيجية، مكة المركة 2013