عن مرض الكراهية

عن مرض الكراهية

ين الحب والكراهية، تتشكل قيم الخير والشر، ففي اللحظة التي نلمح فيها أملا يلوح هناك، تستعد عاصفة ضارية لتُقبل هنا، فما الذي على البشر عيشه في هذه العجالة، التي نسميها حياة؟
علينا أن نتحرر أولا من قوة الانجذاب إلى الكراهية، تلك التي تتمدد في دواخلنا، لتصنع منا آلات للمكائد والضغائن والأحقاد، فتسيّرنا على طرقات متعرجة، نتلذذ بعنتنا فيها، وفقداننا للإحساس بروعة الحياة.
الكراهية مرض. يستطيع كل من جربها أن يتلمس ذلك، أن يتحسسه حين تعبره، وتسكن روحه. فكل الكارهين، يمتلكون طاقة سلبية، تجعل كل لحظة يعيشونها، معتمة، مجردة من أي ضوء.
ومن ثم، تصبح اللحظة المعتمة، فِعلا، عادة، صيرورة، تُخرج المصاب منها عن أي لحظة مشرقة، كان له أن يكون عليها، لو لم تتخلله تلك الرغبة الجاذبة بقوتها العاتية: الكراهية.
في علوم النفس، ثمة مقترحات تنفتح على تعرية وتفكيك الكراهية، ومحاولة درء ما تلحقه من تأثيرات مدمرة عن النفوس والأجساد، وهذه المقترحات، تقر بأن من يكره، ينقاد الى عيش قاتم.
كل كاره مريض بالضرورة، نفسيا وجسديا، وتفصح كشوفات البحوث الصحية الحديثة، عن أن الكارهين، يعيشون أمراضا عاتية، وحال اكتشافها، تتبلور في دواخلهم رغبات ارتدادية، للنكوص عن كراهياتهم.
لكن هذا النكوص يحدث بعد فوات الأوان، فيغرقون في البحث عن خلاص مما هم فيه، الا أنهم لا يجدونه، لأن الكراهية، حالة يحتاج الخلاص منها الى مشقة كبيرة، لتزول.
الأرواح المحبة، هي تلك التي تظل مشرقة، مسكونة بالهناءة حتى في أحلك اللحظات، وتقاوم الكراهية بالنور الداخلي الذي تتسربل به، لأنها قادرة على ردع أي خيط أسود يمكن له أن يلوث نصاعتها.
الحب والكراهية، طاقتان، عجيبتان؛ الأولى، تمنح النفس والجسد راحة هائلة على جعل الحياة مفعمة بالعمل والعطاء والجمال والتواصل الخلاق، والثانية، تقود مرتكبيها الى مهاو مريرة، فمن قتامة الروح، والدخول في مناخات الكآبة والضنك والضغينة وغيرها، الى الجلوس على أسرّة المرض، بحثا عن معافاة، تنقذ آخر ما تبقى من الروح الهالكة.
إن ميزان الطبيعة البشرية، واضح؛ فالكفة التي يرجح فيها الحب، تنتج قيما رفيعة في العلاقات بين البشر، قيما تستقيم فيها أرواحهم وأجسادهم، فيعيشون الحياة بكامل خطوط طولها وعرضها.
أما التي ترجح فيها كفة الكراهية، فتمضي الى إنتاج مظاهر مخربة للحياة، تظهر في الاعتداءات المريعة على قيم البشر الرفيعة، كالخير والجمال والسلام، وتنتج جنوحا مهينا للبشر، يجعلهم مجردين من إنسانيتهم.
ما يحدث في عوالمنا اليوم من خراب وفساد واعتداءات وتجاوزات أخلاقية، تتملكه الكراهية، وتدفع به لأن يتسيد الحياة، ليقودها الى نهايات سحيقة في جعل البشرية خالية من كل ما يديم وجودها ومعناها.
وكل الإشارات التي تنهال علينا اليوم، كالحروب والمؤامرات والمذابح والجرائم، تتحرك في برك الكراهية القاتلة، فتقود البشرية الى الحضيض، رغم ما تحاول الذهاب اليه من تقدم.
على المستوى الفردي، فإن الكارهين، يعيشون حياة مشحونة بالقلق والترقب والخوف والحذر والتوجس، إنهم ممتلئون مما قد يلحق بهم في المستقبل، أما المحبون، فتزدهي حياتهم بالبساطة والعيش بهدوء، لا ينغصه سوى الكارهين حين يقتربون منهم.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.