فخ الكراهية
في رمضان عادة تختفى من على شاشات الرادار الكويتي في الشأن العام التشنج السياسي المعتاد ، ليحل محلها التوافق الاجتماعي، مظهره عملية اجتماعية واسعة للتواصل الاجتماعي تنتعش في زيارة الافراد والجماعات بعضهم بعضا للتبريك بالشهر الفضيل ، هذا العام اختلف المشهد من جانبين، الاول أن الشأن السياسي حضر بامتياز بقتل عدد كبير من المصلين بلغ عددهم تسع وعشرون شهيدا ،وجرح اكثر من مئتين من الابرايء ، جراء عمل متعصب من اشخاص يحملون ( عرفوا او لم يعرفوا) اجندة سياسية، المصاب جلل، حتى ان احد الزملاء شبهه بكارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، اخذا بحجم المجتمع الكويتي . والجانب الثاني هو انتهاء الفكرة الشعبية القائلة انه في رمضان تُقيد الشياطين، التي كان كبارنا يرددوها علينا ونحن صغار ، فقد تبين ان الشياطين، على الاقل الأنسية منها، طليقة لم تقيد بل وتقتل ، بدليل ذلك العمل البربري في مسجد الامام الصادق الجمعة 26 يونيو 2015.
تفاعل المجتمع الكويتي كما تعود، فهناك اغلبية كويتية ، بسبب الاوضاع الاجتماعية الجامعة، تشجب مثل هذا العمل الارهابي ، الا ان كثيرين إستغرغتهم التفاصيل الجانبية، مثل ما هو بروفايل الجاني نفسه؟ وتفاصيل حياته و المجموعة التي ساعدته على ذلك الفعل الشائن؟، وحجم التفجير؟ ، وهي تفاصيل تُعنى بالنظر الى الشجرة و تترك النظر الى الغابة، وهي فخ الكراهية البشع الذي يتسع بابه ليدخل الجميع في مصيدته.
بالنظر الى الغابة ، أن الذي يدور حولنا من تطرف، ومن ثم ارهاب، ليس له علاقة مباشرة كون الشخص او الجماعة سنية او شيعية،او ينتمي الى هذا البلد او تلك، الظاهرة تًلبس ذلك المظهر الطائفي، المناطقي التعميمي للتسهيل ، إما جهلا أو تجاهلا،او توظيفا سياسيا. اما المسألة في عمقها فهي سياسية\ ثقافية بامتياز ، جذورها ضاربة في الارض العربية منذ سنين ، كما ان مواجهتها لا تكون امنية فقط ، بل سياسية\ ثقافية من طرازها.
التطرف الذي يقود الى الارهاب ينشأ في عقول الناس ، قبل ان يتحول الى متفجرات في يدهم،والتطرف هو رسم الآخر المختلف جميعه في صورة شيطان و اصل الشرور في العالم، هو تلبيس السياسي ( النسبي) لبوس الكراهية ( المطلق) ،ذالك ملموس في معظم المجتمعات العربية المنقسمة على نفسها ،ان لم يكن طائفيا فهو مناطقيا وان لم يكن كذلك فهو اقليميا، ان لم يكن ( صفويا) فهو ( تكفيريا)!! ، اصبح ذلك التعميم الكراهي يعيش بيننا وينموا في عقولنا ، ويُلبس لباس الدين ، لانه الاسهل للتعبئة.
كان المتطرف القاتل وجماعته قبل سنوات قليلة يدعي انه من (القاعدة)،او من حزب يدعى تمثيل الرب على الارض ، ثم اصبح يدعي انه من (داعش) وقد تظهر تنظيمات اخرى عديدة غير ذلك، تدعي بدعاوى مختلفة اساسها الكراهية للاخر . كل المطلوب هو رفع علم اسود او اصفر يتوسطه كلمة (لا اله الا الله) كي يصبح الشخص او المجموعة داعشية او مكلفة من الرب، والاخرون ( المختلفون) كلهم كفرة! .
التطرف شجرة يسهل غرس بذورها في عقول الناشئة، ولكن عندما تكبر يصعب كثيرا اقتلاعها، كما الشجر يحتاج الى ظروف انبات، فالتطرف تكون له حاضنة بشرية، فالصراع في المجتمع، الذي هو طبيعي جدا في أي مجتمع، إن ادير بشكل متحضر وبآليات واضحة قاد الى خير المجتمع ، وان إدير بشكل قمعي، ياخذ في بيئتنا شكل الصراع الدامي لخلل هيكلي في فهم واستيعاب آليات التطور الانساني ويقود الى التهلكة .
عندما يقول حزب الله انه يحارب في سوريا بجانب الدكتاتور ضد شعبه، لانه، اي الحزب يدافع عن ( المراقد المقدسة)! او عندما تتدخل ايران في كل من العراق وسوريا واليمن لتدافع عن الشيعة! او يحمل السنة السلاح لان اولويتهم هي قتال الشيعة! او عندما يعلن في تونس ان بعضهم يريد انشاء ( الخلافة السادسة) او في مصر من اجل ( الفتح الثاني)، انه تكييف قد يسير خلفه البعض جهلا ،ولكنه يحقق اهداف سياسية لللقيادات في بعضها عبثية، واخرى خارج التاريخ.
لن يستطيع احد في الغالب حل مشكلة التطرف، ومن ثم الارهاب المفخخ في ظروفنا الظاهرة اليوم، دون حل المشكلة السياسية\ الفكرية ، اي تحقيق دولة العدالة الاجتماعية المقننة ولجم شهوة التوسع على حساب الاخرين من جهة، وتنقية الثقافة العامة من فكر التطرف وشيطنة الاخر من جهة اخرى . من اهم دوافع الارهاب الواضحة هي تهميش الاخر في الوطن كما من دوافعه التعميم القاتل للاخرين، ووضعهم في دائرة ضيقة لا خروج منها .
هذا العزل والتعميم،والتسييس ، ينتج التطرف ومن ثم الارهاب، مع بعض المساعدات التي تقدمها الثقافة العامة والتحشيد الطائفي و التوظيف السياسي.
مع تفجير مسجد الامام الصادق في الاسبوع الماضي في الكويت، تذكر الكويتيون من جديد موجة ارهاب سابقة في الثمانينات من القرن الماضي، اصابت تداعياته نسيجهم الاجتماعي بالتمزق ، بل كادت تؤدي برأس الدولة الشيخ المرحوم جابر الاحمد ، ومن ثم سلسلة من الاعمال الارهابية وصلت الى حد اختطاف الطائرات الكويتية، بل والقتل بدماء باردة مسافرين مسالمين ،وقتها لم تكن لا القاعدة على الارض و لم تكن داعش قد جالت حتى باكثر العقول خيالا. كانت تلك الاحداث الاليمة،كما هو تفجير مسجد الامام الصادق ،في صلبها مدفوعة بدوافع سياسية، اُلبست لباس الطوائف لتسهيل بيعها على العامة .
اغتيال هشام بركات النائب العام في مصر قبل ايام يقع في هذا الفخ السياسي \ الديني ، لقد علق احدهم على تويتر بمجرد اذاعة خبر الاعتداء على المرحوم هشام بقوله ( كان المفروض ان يصبح شورما)! تلك كراهية اكثر منها خلاف سياسي .
ظاهرة الارهاب في الكويت (نصف مستوردة)، اي ان مرتكبيها في كثير من الحالات من الداخل والخارج ، سواء كانت في الثمنينات من القرن الماضي او اليوم ،هي جزء من نتاج مستنقع الكراهية الذي يحيط بنا وهو مستنقع سياسي بامتياز ،و يظهر كسباق بين فكرتين خارجتين عن العصر، فكرة (الخلافة) و فكرة ( الامامة) مع اختلاف الالوان والظلال
آخر الكلام:
متى سوف يعرف المتعصبون ان البشر و انتماءاتهم ، ليسو كتلة صماء، بل هم مختلفون فيما بينهم ، وهذا بنطبق على كل الجماعات البشرية وجميع الاديان والملل ، انها فرق لها اجتهاداتها و بينها فروقها ،و وضعها في بوتقة واحدة ،خروج عن المنطق، كما هو منافي للعلم!