المتسبب في ظلمة المسارات في الشرق الأوسط
لا أرى في المستقبل القريب أي انفراج في الملفات العالقة في كل من سوريا واليمن والعراق ولبنان، غرفة العمليات التي تتحكم في مسارات الاحداث موجودة في طهران، وهي محكمة الاغلاق على بضع نفر ، ولا اقصد هنا حكومة طهران التي يقودها السيد حسن روحاني ، ولا وزير خارجيته السيد جواد ظريف، صاحب الكلمات المعسولة في العلن، كالمطالبة بالحوار وحسن الجوار ! هي موجودة عند الولي الفقيه، والذي يحمل صفة الخلافة عن المعصوم، وبالتالي فهو وقراراته معصومة عن الخطأ. يرى بعض فقهاء الشيعة أن فكرة ولاية الفقيه أدخلت تشوهات على المذهب الاثني عشري من خلال ربطه بمتغيرات سياسية آنية، ولكن هؤلاء لا زالوا في القلة وبدون غطاء او ثقل على الأرض لبعدهم عن السلطة، تلك التشوهات أصبحت متداخلة في بناء ( قومي \مذهبي) له تطلعات امبراطورية، تذكرنا غرفة العلميات الحالية في طهران الى حد كبير بمشروع عبد الله بن ميمون صاحب الفرق السبع، الذي يقول لنا التاريخ ان عداءه للإسلام العربي سار به مسارا عنيفا الى حد الصدام مع القاعدة الاعرض من المسلمين ،طبعا مع اختلاف في المتغيرات، فهي اليوم صدام سياسي مغطى بستار كثيف من الايدلوجيا المذهبية. المعصومية تتجاوز الأصل الى التابع، ففي لبنان، على سبيل المثال، يمكن ان ينقد (اكبر راس) في الدولة، ولكن من يجرؤ بنقد حسن نصرالله يكتب في نفس الوقت وصيته!
تقديس الولاية كونها (نائبة الامام) يجعل لها طاعة بين العامة غير مسبوقة وغير مسائلة من أي مجموعة او جهاز من أجهزة الدولة الإيرانية، ومن تابعيها خارج حدود الدولة ، هي تامر فتطاع، ونائب الامام له رسالة واحدة هي أن يُخضع كل من حوله لإرادته في الوطن وفي الجوار ، هي لا تؤمن بالحدود الوطنية ، بل تؤمن بتوليفة من الثورية و الطائفية معا . وليس غريبا ان تلك الإرادة تتناقض او تعزف معزوفات سياسية تبدو للعاقل انها متناقضة، وتتمظهر في مناطق كثيرة من الشرق الأوسط، الا انها في نهاية المطاف تتوجه لتحقيق الأهداف بصرف النظر عن الوسائل. خذ مثلا الحرب في سوريا، هي حسب الإعلان الولائي الدائم حرب دفاع عن الشرعية، والعمل نفسه في اليمن وان كانت حرب هدم الشرعية مبرر أيضا !، تناقض المبررات هنا ليس له أهمية، فلا باس من ذلك من اجل الهدف الموحد . اليمينية الفرنسية ماري لوبآن كما صرحت في لبنان مؤخرا انها مع بقاء النظام السوري، لانه علماني ! ذلك التصريح وجد صدى إيجابي في غرفة العلميات في طهران، رغم قولها بدعم إسرائيل وشيطنة الفلسطينيين! هذا ليس مهما، وهكذا وفي معظم الملفات نجد ان تلك الغرفة توائم موقفها مع أهدافها هي فقط، اما الشعارات والمبادئ فهي للاستهلاك المحلي وبيعها على السذج ،كالقول بالممانعة.
لو وضعنا الملفات امامنا فسوف نجد ان الموقف من العراق ، بعد أن تهيئ لغرفة العمليات وضع اليد السياسية عليه ، تحولت الى وضع اليد الاقتصادية، فقد تم توقيع اتفاق مؤخرا بين الحكومة العراقية ، التي في الغالب ليس امامها الا الامتثال لإملاءات غرفة العمليات في طهران، من اجل نقل النفط العراقي من كركوك الى عبدان، الميناء النفطي الايراني على ضفاف الخليج، الهدف هو احباط التطلعات الكردية لشيء من الاستقلال بسحب المصدر الرئيسي للتمويل ( النفط) واحباط أيضا اية طموحات لكرد ايران! ، و أيضا ربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الإيراني ، الذي تم على مراحل ، حيث اغرقت السوق الاستهلاكية العراقية بالبضائع الإيرانية ، ربط الاقتصاد احد اهداف غرفة العمليات في طهران.
في الملف السوري لن نشهد أي اختراق قريب من كل تلك اللقاءات بين المعارضة وبين النظام، سواء في الأسيتانه او جنيف، لان غرفة العمليات ترى انها الرابحة الآن من خلال تعضيد النظام السوري، وهي لن تتخلى عن ورقتها، الا بإذعان غير مشروط من اية جماعة او فرقة ترغب ان تحقق للشعب السوري حريته. ليس مهما كم من الدماء السورية تسفك، ولا كم من جماجم الأطفال السورية تسحق ، ما دامت تذهب قربانا لغرفة عمليات الفقيه، فرئيس الفريق للنظام المفاوض لا يتوانى في الإشارة دائما الى الفريق الاخر، المعارضة، بانهم ليس اكثر من إرهابيين وشذاذ آفاق وماجورين! حيث ان الحرب في سوريا في نظره هي ليست حربا لنيل حقوق الشعب السوري ، بل دفاع عن نظام ايران، كما ذهب ولي الفقيه للقول.
في لبنان بعد انتخاب مجلس نيابي عام 1990 تحت تسوية الطائف ، استمر ذلك البرلمان طويلا . كي ينتخب خمس رؤساء جمهوريات على التوالي، وارغم اللبنانيون بقوة سلاح حزب الله للاذعان ! ورغم كل الضجة اليوم باحتمال التوافق على نظام انتخابي جديد هو تمنى غير محقق، لان غرفة العمليات سوف تحرك ذراعها في لبنان لاعتراض أي تسوية لا تستفيد منها، فالأمر باقي الى ما شاءت تلك الغرفة ان يبقى، اما مصالح اللبنانيين فهي غير محسوبة! لقد استقر لدى النخبة الصغيرة حول غرفة العمليات أفكارا غير سوية، فهم ينظرون الى أن الإصلاحات في الخليج ما كانت للتم لولا الضغط المباشر و الدائم من غرفة العمليات تلك، ذاك اقتناع يستطيع أي عاقل ان يستشفها عند الحديث مع مسؤول إيراني له علاقة بتلك الغرفة! خصائص الوعي المذهبي \ السياسي لدى النخبة الإيرانية الملتصقة بغرفة العمليات تبعدها عن الفهم العقلاني للمشاكل التي تواجهها الدولة الإيرانية في الداخل وفي الجوار، وتُكيف كل ما يحدث في الجوار على انه انتصار لمشروعها، فهي موجودة في العراق وفي سوريا وفي اليمن و لبنان، وقادرة ان تظهر شوكتها من خلال اتباعها في أماكن أخرى من البلاد العربية، وبعض من اتبعها يعتقدون أن أي تقدم في حقوقهم هو ليس بسبب تتطور وطني ولكن بسبب الضغط القادم من غرفة العمليات تلك! الورقة الأخرى التي تستخدمها غرفة العمليات هي الورقة الفلسطينية، فكلما ارادت اثارة الجمهور البست القضية فكرة (السرطانية) التي تشبه بها إسرائيل ، و تتغاضى عن (صفقة ايران جيت المشهورة) وترى ان اعلان على وسائل الاعلام تجاه ذلك الملف يكفي ،وهو اعلان كلامي محض. الاسواء ان تلك الغرفة تتجاهل عن سابق إصرار ان ما تستحقهم قوتها وميلشياتها على الأرض السورية من جماجم السورين، ما هو الا من نفس نسيج اخوتهم الفلسطينيين، كيف يمكن تمرير ذلك على العقل الفطن، وهمُ الدفاع عن الفلسطينيين، وفي نفس الوقت سحق اخوة لهم في سوريا بأيدي إيرانية او مليشيات تابعة لها.
ما تقدم هو عيض من فيض من ملفات المشروع الإيراني المتناقض الذي يقف معترضا لأي تقدم عربي او مطالبة بظهور اوطان عربية حرة ومدنية وديمقراطية، غرفة العمليات في طهران لن تسمح بذلك في الوقت المنظور وامام المتغيرات الحادثة. كلما أسرعنا في فهم ذلك، وتجاوزنا التكتيكات الإيرانية الى المشروع الأساس، كلما قربنا الى مكان نفهم فيه جميعا ان الانفاق المظلمة في الشرق الأوسط مسدودة، لان القضية برمتها تكمن في تحقيق حرية للشعوب الإيرانية من تسلط غرفة العمليات في طهران التي تسمى (ولاية الفقيه)!
آخر الكلام:
ولاية الفقيه تخرج الانسان من انسانيته واحتمال محاسبته على افعاله الى الكهنوتية القرن أوسطية التي تطاع !